سيناء وكيف تدافع عن مصر؟
شبه جزيرة سيناء، هذا الجزء العزيز من أرض مصر، 62 ألف كلم مربع، حوالي 6٪ من مساحة مصر، وهي الجزء الآسيوي الذي يجعل مصر أفروآسيوية، يعيش على أرضها حوالي نصف مليون مصري، جلّهم من أبناء سيناء وبعض أبناء المحافظات الأخرى، ولعلّها أقل نسبة كثافة سكانية على أرض مصر. وبالإضافة إلى موقعها الجغرافي الفريد عالمياً، فهي تطل على بحرين، المتوسط والأحمر، وخليجين، السويس والعقبة، وأهم ممر مائي دولي، قناة السويس، فإنها البوابة الشرقية لكل مصر، دخل عبرها الأنبياء، والرسل، وقوافل الرحالة، وقطعتها جحافل الغزاة والمعتدين، وعبرتها جيوش التحرير، وارتوت رمالها بدماء الشهداء، من أبناء قواتنا المسلحة، والوطن، والمجاهدين من أبناء سيناء أنفسهم. وبقيت سيناء تتصدّر المشهد المصري دوماً، حرباً... نعيش همَّ تحريرها، وسلماً... نعيش همّ تنميتها، وتعميرها، وتأمينها! والمثير أننا نجحنا في معركة تحرير سيناء عسكرياً، لكننا ما زلنا نخوض معركة تعمير سيناء وتأمينها. واعتدنا، في هذا المجال، أن نجلد أنفسنا بالقول إننا أهملنا سيناء كثيراً، وقصّرنا في حقها وحق أهلها كثيراً، وأننا تركناها نهباً لجماعات متطرفة، أو عصابات جريمة منظّمة خارجة على القانون، أو مسرحاً لنشاط أجهزة استخبارات معادية.
ولي مع سيناء حكايات طويلة، بدأت في مطلع الستينيات، عندما بدأت خدمتي في قلب سيناء في منطقتي، الحسنة والقصيمة، في أقصى نقطة على حدود مصر الشرقية، وكانت رحلتي الأولى بواسطة القطار من محطة مصر في قلب القاهرة إلى الإسماعيلية، ثم عبر كوبري الفردان إلى سيناء، وحتى محطة الأبطال في العريش، حيث تركت القطار الذي أكمل مسيرته حتى آخر محطة له وكانت غزة. وإحقاقاً للحق، كان للدولة نشاط ملحوظ في عمليات التنمية، سواء في ما يتعلق بالطرق والسكة الحديد، أو الخدمات، أو المشروعات التنموية، فقد كان العمل في سحارة الدفرسوار وترعة الجلاء، شرق القناة، يجري على قدم وساق، كما كان لي حظ حضور افتتاح وبدء تشغيل منجم فحم المغارة، وعمل شركات التعدين. وكانت الآمال واسعة حول تنمية سيناء وتعميرها. حتى جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن؟ ما بين انشغال مصر باليمن والصراعات القومية، وانتهاز العدو الإسرائيلي ذلك كله، وتوجيه ضربته الغادرة في الخامس من يونيو/ حزيران 1967، ليحطم الحلم الوطني، ويحتل كل سيناء، ولتبدأ جولة صراع وتحدٍ للإرادة المصرية من جديد، استغرقت ست سنوات كاملة من القتال والإعداد والاستعداد، حتى كانت لحظة الانطلاق في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973، لاسترداد الكرامة وتحرير الأرض، أرض سيناء.
ومنذ تحررت سيناء، ومحاولات ومشروعات وأحاديث تنميتها وتعميرها لا تتوقف. تجديد سحارة الدفرسوار، حفر ترعة السلام، إعادة إنشاء كوبري الفردان، ومشروع تجديد خط السكة الحديد، كوبري السلام، نفق الشهيد أحمد حمدي، وتقسيمات إدارية جديدة. حتى أن شبه جزيرة سيناء أصبحت موزعة على خمس محافظات شمال سيناء، جنوب سيناء، ثم عمق 10 كلم شرق القناة في مواجهة كل محافظة من محافظات القناة الثلاث، السويس والإسماعيلية وبور سعيد، تتبع لكل محافظة. وهناك تفكير بإنشاء محافظة جديدة لوسط سيناء. كل هذا عظيم. ولكن، لا شيء يكتمل؟ وتنشغل الدولة كلها في معركة سيناء من جديد.
ونعود إلى نقطة البدء من جديد، مصر وسيناء، ومَن يدافع عن مَن؟ هل تدافع مصر عن سيناء، ضد المخاطر والتهديدات، سواء الوافدة من الخارج، أو الكامنة في الداخل؟ إذا اعتمدنا هذه الرؤية المجردة، فهذا يعني تحويل سيناء إلى مسرح عمليات كبير، وقد لا يكون أمراً محمود العواقب، فقد تعرّضت سيناء، كمسرح عمليات للاحتلال الإسرائيلي، مرتين، في عامي 1956 و1967، ثم بقيت مسرحاً لعمليات حرب الاستنزاف، والتي أعقبتها حرب التحرير في السادس من أكتوبر 1973، ولا شك أن ذلك كله كان له انعكاس كبير على مجالات التنمية والتعمير في سيناء، وخصوصاً أننا ترددنا كثيراً في الاتجاه نحو سيناء برؤية مختلفة، وبشكل جذري، بل كانت تصرفات الدولة تغلب عليها التناقضات الحادة، فتارة تنشط المشروعات في اتجاه سيناء، ويتم إطلاق المياه في ترعة السلام، وتقام الجسور، وتمد خطوط السكة الحديد، ويتم تشجيع الاستثمار. ثم فجأة يخفت كل شيء، وتجف ترعة السلام، ويتعطل القطار، بل وتسرق القضبان و.. نعود إلى فكرة تأمين سيناء، والدفاع عنها من جديد.
أعتقد أننا نحتاج رؤية جديدة مختلفة ومتطورة في علاقة مصر وسيناء، فقد حان الوقت لتدافع سيناء عن مصر، وليس العكس، وهو الوضع الطبيعي الذي كان يجب أن يتم تكريسه على مدى السنوات التي أعقبت التحرير في إبريل/ نيسان 1982، أما كيف تدافع سيناء عن مصر، فهذا هو السؤال الأهم الذي على كل أجهزة الدولة المصرية، بل والمجتمع المدني، العمل على الإجابة عليه، بتحويل سيناء إلى مجتمع عمراني، كثيف السكان، متكامل، ومتنوع شمالاً وجنوباً ووسطاً، ومركزاً عالمياً للخدمات والتجارة، يربط شرق العالم بغربه. سيناء مؤهلة تماماً لذلك، تبقى الإرادة لتتحول سيناء إلى درع واقٍ وبوابة خير لمصر.