22 نوفمبر 2024
سياسات خاطئة عَرَّتها "عاصفة الحزم"
على الرغم من إعلان المملكة العربية السعودية أن "عملية عاصفة الحزم حققت أهدافها... (بما في ذلك) إزالة التهديد على أمن المملكة والدول المجاورة، خصوصاً الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية"، غير أن الواقع يقول إن العملية العسكرية في اليمن لم تحقق الكثير من أهدافها المعلنة. فقرابة شهر من الضربات الجوية على مليشيات الحوثيين والوحدات العسكرية الموالية للرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، لم تفلح، مثلاً، في استعادة مدينة رئيسية واحدة، كصنعاء، أو حتى كسر الهجوم الحوثي على عدن، على الرغم من أن هذا الهدف كان من أولى أهداف "عاصفة الحزم" المعلنة.
الآن، خرجنا من سياق "عاصفة الحزم"، ودخلنا عملية "إعادة الأمل"، والتي يفترض، حسب بيان لقيادة التحالف، أن تشمل إجراءات سياسية ودبلوماسية وعسكرية، مع التركيز أكثر على "العملية السياسية التي تؤدي إلى مستقبل آمن ومستقر لليمن". وعلى الرغم من أن المتحدث العسكري باسم العملية العسكرية، العميد الركن أحمد عسيري، أكد أن التحالف سيمنع "من خلال عملية إعادة الأمل المليشيات الحوثية من التحرك والقيام بأي عمليات داخل اليمن"، غير أنه من المشكوك فيه أن يتمكن التحالف من فعل الكثير، بعد أن تتفكك أواصره، غير المتماسكة أصلا. ومن المعلوم أن الضربات الجوية لا تحسم معركة على الأرض، ولنا في الفشل الأميركي في حسم المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في العراق وسورية، عبرة، على الرغم من الضربات الموجعة على مدى أكثر من سبعة أشهر.
ثمة أحاديث تُتَناقل بأننا قد نكون بصدد تسوية سياسية في اليمن، قد لا تتضمن عودة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى قصر الرئاسة، بل وربما إلى البلد، وهي إحدى أهداف "عاصفة الحسم" المعلنة سابقا، كما أنها ستقنن سلطة الأمر الواقع الحوثية ضمن ترتيبات سياسية متفق عليها، مع إمكانية أن تشترط خروج صالح وأهله نهائيا من اليمن. لو صحت هذه الصفقة، فإنها لا تعني غير انتصار للحوثيين وسيدهم الإيراني. ولعل هذا هو بعض ما يبرر تلك النبرة المتعالية التي تحدث بها بعض قيادات الحوثيين عن "هزيمة نكراء" للسعودية.
عندما بدأ الحلف العربي، تحت القيادة السعودية، ضرباته الجوية لمواقع الحوثيين وقوات صالح، في السادس والعشرين من الشهر الماضي، فإنها جاءت في سياق القلق السعودي من التمدد الإيراني في المنطقة العربية، بدءاً من لبنان والعراق وسورية، والآن اليمن. سقوط اليمن تحت النفوذ الإيراني كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للمملكة، ذلك أنها ترى فيه حديقتها الخلفية، ويؤثر مباشرة في أمنها القومي. وضاعف من القلق السعودي التخوف من إمكانية حدوث تقارب أميركي-إيراني، في ظل اتفاق الإطار النووي الشهر الماضي، ما قد يعني في المحصلة، إن تم التوصل إلى اتفاق نهائي في الصيف المقبل، قبول الولايات المتحدة بنفوذ إيراني إقليمي، على حساب حلفائها التقليديين.
ضمن تلك المعطيات، تحركت السعودية لتشكيل تحالفٍ يضم ما بين تسع وعشر دول عربية للتدخل في اليمن، غير أن ذلك التحالف افتقد، إلى حد كبير، إلى الانسجام والتوافق. فمصر، وعلى الرغم من أنها شاركت في العمليات العسكرية عبر بعض طائراتها المقاتلة وبعض سفنها الحربية التي نشرت في باب المندب، غير أنها بعثت عبر رئيسها، عبدالفتاح السيسي، رسائل متناقضة حول حقيقة التزامها بأمن الخليج العربي، وفي مقدمته أمن المملكة التي كانت من أكبر الداعمين لانقلابه العسكري، وتثبيت أركان حكمه اقتصاديا وسياسيا. حينها، بدا أن السيسي يحاول، من ناحية، ابتزاز السعودية لتقديم مزيد من الدعم المالي والاقتصادي لنظامه. ومن ناحية أخرى، يحاول إبقاء خطوطه مفتوحة مع إيران وروسيا، خصوصا أنه يتبنى موقفا داعياً إلى إعادة تأهيل حليفهما في سورية، بشار الأسد، وهو أمر ترفضه المملكة. أيضا، صدمت المملكة بموقف الحليف الباكستاني المتردد في تقديم أي دعم عسكري لها في حربها، على الرغم من الدعم السعودي الكبير، والمساعدات السخية التي قدمتها لذلك البلد، وعلى مدى عقود طويلة. أبعد من ذلك، ثمة معلومات أشارت، أيضا، إلى وجود خلافات سعودية-إماراتية حول المدى الذي ينبغي أن تذهب إليه العملية العسكرية، فضلاً عما يشاع من مساعٍ إماراتية للإبقاء على عائلة صالح في صورة أي حل سياسي، خصوصاً عبر ابنه أحمد، والذي كان سفيرا لليمن في أبوظبي، الأمر الذي ترفضه المملكة كليا.
وإذا أضيف إلى كل ما سبق "سلبية" الموقف الأميركي في سياق "عاصفة الحزم"، والذي اقتصر على دعم استخباراتي ولوجستي، قبل أن يتحول إلى موقف ضاغط على التحالف لإنهاء ضرباته الجوية، مخافة أن تعزز موقف "تنظيم القاعدة" هناك؛ فضلا عن تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن، جراء الحصارين، الجوي والبحري، والضربات العسكرية، وما ترتب عليها من ضغوط دولية، فحينها يتضح لنا جانب كبير من عجز "عاصفة الحزم" عن تحقيق أهدافها المعلنة.
غير أن كل ما سبق لا ينبغي أن يعمينا عن أن أكبر خطأ ارتكبته المملكة في حساباتها، سابقاً، وقاد إلى الوضع المعقد في اليمن اليوم، تمثل في انحيازها إلى الثورات المضادة في دول الثورات العربية، ودعمها بعض القوى المعادية لحرية الشعوب، بشكلٍ أحدث فوضى مدمرة في المنطقة ككل، وسمح بفراغ قيادي، انساحت فيه إيران وتنظيمات كـ"داعش". خسرت السعودية كثيراً ممن كانوا يمكن أن يكونوا حلفاء أوفياء لها، ودعمت بعض من تعشمت في حلفهم خيراً، لكنهم قلبوا لها ظهر المجن، عندما احتاجت إليهم. فبسبب أن السعودية أعلنت الإخوان المسلمين جماعة "إرهابية"، فإنها خسرت حلفها التقليدي مع حزب الإصلاح اليمني، وقبائل حاشد المتحالفة معه. ولأن السعودية أضعفت حزب الإصلاح وقبائل حاشد بقيادة آل الأحمر، لم يبق لها حلفاء أقوياء على الأرض اليمنية للتصدي لنفوذ وكلاء إيران وتمددها في الفضاء الاستراتيجي السعودي. فهل تتفطن المملكة إلى خطأ حساباتها السابقة، بالاستثمار في "الحلفاء الموهومين"، وتصلح ما انكسر مع "حلفائها الحقيقيين"؟ هذا ما نرجوه.
الآن، خرجنا من سياق "عاصفة الحزم"، ودخلنا عملية "إعادة الأمل"، والتي يفترض، حسب بيان لقيادة التحالف، أن تشمل إجراءات سياسية ودبلوماسية وعسكرية، مع التركيز أكثر على "العملية السياسية التي تؤدي إلى مستقبل آمن ومستقر لليمن". وعلى الرغم من أن المتحدث العسكري باسم العملية العسكرية، العميد الركن أحمد عسيري، أكد أن التحالف سيمنع "من خلال عملية إعادة الأمل المليشيات الحوثية من التحرك والقيام بأي عمليات داخل اليمن"، غير أنه من المشكوك فيه أن يتمكن التحالف من فعل الكثير، بعد أن تتفكك أواصره، غير المتماسكة أصلا. ومن المعلوم أن الضربات الجوية لا تحسم معركة على الأرض، ولنا في الفشل الأميركي في حسم المعركة مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في العراق وسورية، عبرة، على الرغم من الضربات الموجعة على مدى أكثر من سبعة أشهر.
ثمة أحاديث تُتَناقل بأننا قد نكون بصدد تسوية سياسية في اليمن، قد لا تتضمن عودة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى قصر الرئاسة، بل وربما إلى البلد، وهي إحدى أهداف "عاصفة الحسم" المعلنة سابقا، كما أنها ستقنن سلطة الأمر الواقع الحوثية ضمن ترتيبات سياسية متفق عليها، مع إمكانية أن تشترط خروج صالح وأهله نهائيا من اليمن. لو صحت هذه الصفقة، فإنها لا تعني غير انتصار للحوثيين وسيدهم الإيراني. ولعل هذا هو بعض ما يبرر تلك النبرة المتعالية التي تحدث بها بعض قيادات الحوثيين عن "هزيمة نكراء" للسعودية.
عندما بدأ الحلف العربي، تحت القيادة السعودية، ضرباته الجوية لمواقع الحوثيين وقوات صالح، في السادس والعشرين من الشهر الماضي، فإنها جاءت في سياق القلق السعودي من التمدد الإيراني في المنطقة العربية، بدءاً من لبنان والعراق وسورية، والآن اليمن. سقوط اليمن تحت النفوذ الإيراني كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للمملكة، ذلك أنها ترى فيه حديقتها الخلفية، ويؤثر مباشرة في أمنها القومي. وضاعف من القلق السعودي التخوف من إمكانية حدوث تقارب أميركي-إيراني، في ظل اتفاق الإطار النووي الشهر الماضي، ما قد يعني في المحصلة، إن تم التوصل إلى اتفاق نهائي في الصيف المقبل، قبول الولايات المتحدة بنفوذ إيراني إقليمي، على حساب حلفائها التقليديين.
ضمن تلك المعطيات، تحركت السعودية لتشكيل تحالفٍ يضم ما بين تسع وعشر دول عربية للتدخل في اليمن، غير أن ذلك التحالف افتقد، إلى حد كبير، إلى الانسجام والتوافق. فمصر، وعلى الرغم من أنها شاركت في العمليات العسكرية عبر بعض طائراتها المقاتلة وبعض سفنها الحربية التي نشرت في باب المندب، غير أنها بعثت عبر رئيسها، عبدالفتاح السيسي، رسائل متناقضة حول حقيقة التزامها بأمن الخليج العربي، وفي مقدمته أمن المملكة التي كانت من أكبر الداعمين لانقلابه العسكري، وتثبيت أركان حكمه اقتصاديا وسياسيا. حينها، بدا أن السيسي يحاول، من ناحية، ابتزاز السعودية لتقديم مزيد من الدعم المالي والاقتصادي لنظامه. ومن ناحية أخرى، يحاول إبقاء خطوطه مفتوحة مع إيران وروسيا، خصوصا أنه يتبنى موقفا داعياً إلى إعادة تأهيل حليفهما في سورية، بشار الأسد، وهو أمر ترفضه المملكة. أيضا، صدمت المملكة بموقف الحليف الباكستاني المتردد في تقديم أي دعم عسكري لها في حربها، على الرغم من الدعم السعودي الكبير، والمساعدات السخية التي قدمتها لذلك البلد، وعلى مدى عقود طويلة. أبعد من ذلك، ثمة معلومات أشارت، أيضا، إلى وجود خلافات سعودية-إماراتية حول المدى الذي ينبغي أن تذهب إليه العملية العسكرية، فضلاً عما يشاع من مساعٍ إماراتية للإبقاء على عائلة صالح في صورة أي حل سياسي، خصوصاً عبر ابنه أحمد، والذي كان سفيرا لليمن في أبوظبي، الأمر الذي ترفضه المملكة كليا.
وإذا أضيف إلى كل ما سبق "سلبية" الموقف الأميركي في سياق "عاصفة الحزم"، والذي اقتصر على دعم استخباراتي ولوجستي، قبل أن يتحول إلى موقف ضاغط على التحالف لإنهاء ضرباته الجوية، مخافة أن تعزز موقف "تنظيم القاعدة" هناك؛ فضلا عن تدهور الأوضاع الإنسانية في اليمن، جراء الحصارين، الجوي والبحري، والضربات العسكرية، وما ترتب عليها من ضغوط دولية، فحينها يتضح لنا جانب كبير من عجز "عاصفة الحزم" عن تحقيق أهدافها المعلنة.
غير أن كل ما سبق لا ينبغي أن يعمينا عن أن أكبر خطأ ارتكبته المملكة في حساباتها، سابقاً، وقاد إلى الوضع المعقد في اليمن اليوم، تمثل في انحيازها إلى الثورات المضادة في دول الثورات العربية، ودعمها بعض القوى المعادية لحرية الشعوب، بشكلٍ أحدث فوضى مدمرة في المنطقة ككل، وسمح بفراغ قيادي، انساحت فيه إيران وتنظيمات كـ"داعش". خسرت السعودية كثيراً ممن كانوا يمكن أن يكونوا حلفاء أوفياء لها، ودعمت بعض من تعشمت في حلفهم خيراً، لكنهم قلبوا لها ظهر المجن، عندما احتاجت إليهم. فبسبب أن السعودية أعلنت الإخوان المسلمين جماعة "إرهابية"، فإنها خسرت حلفها التقليدي مع حزب الإصلاح اليمني، وقبائل حاشد المتحالفة معه. ولأن السعودية أضعفت حزب الإصلاح وقبائل حاشد بقيادة آل الأحمر، لم يبق لها حلفاء أقوياء على الأرض اليمنية للتصدي لنفوذ وكلاء إيران وتمددها في الفضاء الاستراتيجي السعودي. فهل تتفطن المملكة إلى خطأ حساباتها السابقة، بالاستثمار في "الحلفاء الموهومين"، وتصلح ما انكسر مع "حلفائها الحقيقيين"؟ هذا ما نرجوه.