سياسات اقتصادية توجع المصريات: ضياع فلذات أكبادنا

18 يناير 2016
في إحدى تظاهرات الثورة المصرية (غيولانغي غارسيا/ فرانس برس)
+ الخط -
القلق يرسم ملامح أم خالد. بقليل من الكلمات تتحدث الأم الخمسينية والأرملة عن أبنائها الثلاثة، حيث يدرس أصغرهم في كلية العلوم منذ عامين، وتخرج أكبرهم من كلية الحقوق منذ أربع سنوات، وعلى الرغم من ذلك ظل بلا عمل ولا مدخول لثلاث سنوات، تحملت خلالها والدته ويلات اكتئابه وفقدانه الأمل، ومحاولات الهجرة دون جدوى.

تقول أم خالد إن ابنها لم يستطع تأمين 2000 جنيه لكي يستخرج بطاقة نقابة المحامين لممارسة المهنة، فاضطرت إلى بيع ما لديها من أوان واقترضت من جارتها لتكمل له ثمن البطاقة. إلا أن ابنها لم يجد عملاً بسهولة، وعندما وجده لم يتجاوز راتبه الـ 500 جنيه شهرياً، تشكل بالكاد قيمة مصاريفه الشخصية التي يكملها مما تبقى لوالدته من جنيهات قليلة تجنيها من عملها في بيع الشاي والطعام للمارة.
تقول أم خالد: "فقدت الأمل والرغبة في أن يكمل باقي أبنائي تعليمهم، فقررت أن أُخرج أوسطهم من الدراسة، وأعلمه مهنة تساعدنا على المعيشة، إلا أن المصنع الذي كان يعمل فيه توقف عن العمل فتم صرفه وظل بلا عمل لفترة طويلة، وتحول لمدمن مخدرات، لا يرغب في الحياة، ولا هي ترغب فيه". وتشير إلى أن "العيش في مصر أصبح سيئاً للغاية"، فكل أبناء جيرانها وأقاربها يعانون من البطالة، خاصة هؤلاء الذين تخرجوا من الجامعات. مؤكدة أن "الدولة رفعت يدها تماماً عن تعيين أو توظيف الشباب، وتركتهم فريسة سهلة للفقر والبطالة والإدمان، ثم تأتي لتواجههم وتقبض عليهم بتهمة الهجرة غير الشرعية".
وقد تزايدت نسبة البطالة في مصر خلال الفترة الأخيرة، حيث قال رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، اللواء أبو بكر الجندي، في تصريح صحافي إن "من يعانون من البطالة المطلقة 3.5 ملايين مواطن، وأن 33 % من العاطلين عن العمل حاصلون على شهادات عليا، و45% من حَمَلة المؤهلات المتوسطة".
تقول العاملة في أحد مصانع الملابس الجاهزة في منطقة العاشر من رمضان، منى عبد الرحمن، إنها انفصلت عن زوجها منذ عشر سنوات، وترك لها ثلاث فتيات وولداً، أكبرهن لم تكن تتجاوز الـ 10 سنوات، فلم تستطع إكمال تعليمهم، وأخرجتهم جميعاً من الدراسة، لتعاني الفتيات من كافة أشكال المضايقات في الشارع ومصنع الملابس الذي ذهبن للعمل فيه، كي نستطيع تسديد إيجار الشقة التي نعيش فيها، ما اضطرني لإبقائهن في المنزل، ونزلت للعمل بمفردي على الرغم من تقدمي في السن".

بدورها، تختصر فلاحة من إحدى قرى القليوبية، عابدة علي، الأزمة برمتها. تقول إن "الأمهات في مصر يعشن يومياً معاناة البطالة والفقر، وفوق كل ذلك يراقبن ضياع أحلام أبنائهن، لا بل حتى إذا نجح أحد أبنائهن في السفر خارج مصر تعاني الأمهات من مرارة الغربة، ويدفعن من صحتهن وراحتهن ثمناً باهظاً في انتظار أن يستطيع الأولاد تأمين مستقبلهم والحصول على وظائف".
توضح عابدة بلهجتها البسيطة كيف يمكن أن تنفق أسرة من مالها على أبنائها لكي ينالوا تعليمهم من أجل أن يتخرج الأبناء من الجامعات والمدارس، ثم تقف تلك الأسرة عاجزة أمام فشل أبنائها في أن يؤسسوا حياة أفضل. وتطرح دليلاً على ذلك أن ابنها الأكبر حصل على دبلوم زراعة وانتظر سنوات كثيرة لكي يعمل، "إلا انه كالآلاف من الشباب لم يجد فرصة عمل في القطاع الحكومي، ورواتب القطاع الخاص لا يمكن الاعتماد عليها لبناء أسرة من دون استقرار ولا حماية من الدولة". وتضيف: "اضطر ابني للسفر إلى ليبيا باعتبارها الأقرب، إلا انه عاد خاوي الوفاض بعد الأحداث الأخيرة في البلاد. ظل في المنزل بعدما باع كل ما نملك لكي يتمكن من السفر". وتقول: "يوجد غيره الآلاف من الشباب الذين لا تعتبرهم الدولة مواطنين، بل تبيعهم الأوهام، بدءاً من قناة السويس ومروراً بمشروع المليون فدان، حيث لا يمكن أن يتوظف فيها أبناء الفقراء، إلا من يملك الواسطة".

اقرأ أيضاً: دعم المصريين تحت مقصلة السطو والفساد
المساهمون