سياسات "ماكرون الرئيس": ملامح مواجهة عمالية وثبات بالتوجّهات الخارجية

07 مايو 2017
يبدو وصول ماكرون مهماً لدعم الاتحاد الأوروبي (باتريك افنتوريه/Getty)
+ الخط -


بات وصول إيمانويل ماكرون إلى سدة الرئاسة الفرنسية أمراً مرجحاً، وقد يحتاج الأمر إلى أكثر من معجزة حتى لا يُنتَخَب اليوم الأحد، رئيساً. ولعل ما سيفعله ماكرون خلال ولايته واضح في بنود برنامجه الانتخابي التي أعلن أنه لن يتراجع عنها. ولاحظ المراقبون صرامة المرشح الوسطي حين رد على طلب مرشح اليسار الراديكالي في الجولة الأولى جان لوك ميلانشون، قبل أيام، بإلغاء قانون العمل الجديد، بالقول: "حينها سوف أخون من صَوَّت لصالحي في الدورة الأولى".
وعلى الرغم من أن ماكرون يحاول أن يظهر كمن تخلى عن "الأب" فرانسوا هولاند وتوجّهاته، لأنه من الصعب الدفاع عن حصيلة خمس سنوات من حكم الأخير، لم يَرَ فيها الفرنسيون من إيجابيات سوى "الزواج للجميع" واللباس العسكري الذي لم يفارق كثيراً رئيس جمهوريتهم، بسبب الاعتداءات الإرهابية العديدة التي ضربت فرنسا، إلا أن ثمة ثوابت لا يمكن أن يحيد ماكرون عنها، خصوصاً في السياسة الخارجية، حين يدافع عن فهم ديغولي-ميتراني للسياسة الخارجية الفرنسية ولمبدأ الاستقلالية الفرنسية. وهو ما سيسمح لفرنسا أن تتحاور، بِنَدّيّة ومن دون تبعية، مع الحليف الأميركي، وبصرامة واحترام مع روسيا الاتحادية، لا سيما أن ثمة أمكنة صراع مختلفة تتطلب الحوار والتفاهم مع مختلف الأطراف، إن كان في أوكرانيا أو سورية وغيرهما. إضافة إلى الحفاظ على التقارب الفرنسي-الألماني.
ولعل زيارة ماكرون، وهو مرشح، إلى ألمانيا ولقاءه الودي مع المستشارة أنجيلا ميركل، ومقاومته لكل الحملات التي لحقت به من اليسار ومن اليمين بسبب قربه من المستشارة الألمانية، تجعله يزيد من تمتين المحور الفرنسي-الألماني، الذي أصبح ضرورة قصوى للاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعد خروج بريطانيا وصعود دونالد ترامب في الولايات المتحدة. وماكرون يعتبر أن الالتفاف الألماني، من اليمين المسيحي والليبرالي وأيضاً اليسار الاشتراكي حوله، سيسهل عليه التنسيق مع الطرف الألماني في القضايا الكبرى والمصيرية.
وكما وعد المرشح ماكرون، فإنه كرئيس سيبدأ بناء "ديمقراطية متجددة" في الحياة السياسية، بعد أن شابت الحملة الانتخابية شبهات بالفساد طاولت مُرشَّحَيْن يمينيين اثنين، لم تدفعهما للانسحاب من السباق الرئاسي، وهي حالة فريدة لا توجد إلا في فرنسا. واستفاد ماكرون من الشبهات التي لاحقت مارين لوبان وفرانسوا فيون لتحقيق سبق عليهما، وربما الفوز في الرئاسيات، فقد ظهر "نظيفاً" وسط نخبة سياسية فاسدة. ولهذا السبب سيقترح ماكرون قانوناً يلغي توظيف المنتخَبين والوزراء لأعضاء من عائلاتهم، وحصر ولايات المنتخَبين في ثلاث ولايات لا أكثر، إضافة إلى خفض عدد النواب بنسبة الثلث، كما أن السجل العدلي للمرشحين يجب أن يكون نظيفاً.


ولكن الفرنسيين الذين قهرتهم الأزمة الاقتصادية، لدرجة دفعت ماكرون إلى وصف فرنسا بأنها البلد الأوروبي الوحيد الذي لم يجد حلاً بعد لمسألة "البطالة الجماهيرية"، يريدون إجابات عن الوضع الاقتصادي الفرنسي المقلق. وهو ما سيدفع الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون، خصوصاً بعد تطبيق قانون العمل الجديد، إلى أن يطبق من الصيف، ومن دون انتظار "إصلاح جديد لقانون العمل"، عن طريق مراسيم ومن دون حاجة لقوانين، لمنح حرية أكبر للشركات، كل واحدة على حدة، كي تتفاوض مع عمالها حول اتفاقات في ما يخص ساعات العمل. ويقترح ماكرون في هذا المجال، الانتهاء من 35 ساعة كحد للوقت القانوني للعمل في ما يخص الشباب "لأنها غير كافية، حين نكون شباباً، ونريد أن نعمل أكثر". وليس من المفاجئ أن مثل هذه القرارات ستثير حفيظة بعض النقابات العمالية، كالنقابة العامة للعمل (سي جي تي) و"قوة عمالية"، و"سُود" وغيرها، ويشعل حراكاً اجتماعياً مبكراً.
ومن أكبر الإصلاحات التي سيبدأ ماكرون في تنفيذها، هي إصلاح التعليم الابتدائي، باعتباره العمود الفقري للتعليم ككل. كما أنه سيحافظ على التنسيق بين وزارة التربية الوطنية والجماعات المحلية، في ما يخص مدارس المدينة. كما أنه في هذا الإصلاح للتعليم الابتدائي، لن يكون في الأقسام الدراسية أكثر من 12 شخصاً، في "المناطق ذات الأولوية".
كما أن الرئيس إيمانويل ماكرون، سيقرر من دون انتظار، في إطار مشروع قانون حول المالية وتمويل الضمان الاجتماعي الذي يُناقش الخريف المقبل، خفضاً تدريجياً للضرائب على الشركات من 33 في المائة إلى 25 في المائة، كما هو معمول به في معظم البلدان الأوروبية. إضافة إلى إعفاء نحو 80 في المائة من البيوت الفرنسية من ضريبة السكن.
في سياق آخر، فإن "الإرهاب الإسلاموي" سيكون من أولويات الرئيس ماكرون، كما أعلن في المناظرة مع لوبان. ولهذا سيواصل تمديد حالة الطوارئ في البلاد لأن "الوضع الأوروبي لا يبدو مناسباً لرفع حالة الطوارئ". كما أنه سيبادر على الفور إلى تأسيس "قيادة أركان دائمة لعمليات الأمن الداخلي والاستخبارات ومكافحة الإرهاب"، إضافة إلى إنشاء "خلية استخباراتية خاصة لرصد تنظيم الدولة الإسلامية"، الذي وعد باستئصاله. ولهذا السبب أعلن عن حرب بلا هوادة على "داعش"، بزيادة عدد أفراد الشرطة ومنحهم تسليحاً جديداً، وزيادة الطاقة الاستيعابية للسجون الفرنسية، مع تأكيده على انخراط القوات الفرنسية في مختلف أماكن التواجد العسكري في دول الساحل والصحراء والعراق. ولم يُخف ماكرون أن أول زياراته خارج فرنسا بعد فوزه، ستكون للقوات الفرنسية في الخارج.
ولكن على الرغم من إصرار ماكرون على تطبيق كل هذه الإجراءات، التي يتضمنها برنامجه، إلا أنه لن ينجح في تطبيقها إلا إذا منحته صناديق الاقتراع، في شهر يونيو/حزيران المقبل، أغلبية برلمانية مريحة، أو ائتلافاً ليبرالياً مريحاً، يسهّل عليه تطبيق وعوده الانتخابية بسلاسة، ومن دون صيحات "متمردين" صاخبين في البرلمان، وأيضاً من دون اللجوء إلى مراسيم ومن دون استخدام المادة الاستثنائية (49.3) التي تشلّ الديمقراطية البرلمانية، كما حدث أثناء حكم هولاند.