ثمّة استراتيجيات جديدة للتعامل مع السوريين في إسطنبول ، منها رفع عددهم البالغ حالياً 547 ألفاً إلى 600 ألف لا أكثر، بحسب ما تفيد مصادر في إدارة الهجرة التركية في إسطنبول "العربي الجديد".
بعد شهر من البدء باستراتيجية ترحيل السوريين المقيمين في إسطنبول، هؤلاء الذين يحملون بطاقة حماية مؤقتة (كيملك) صادرة من ولاية أخرى، أوضحت تركيا على لسان مسؤولين رفيعي المستوى قراراتها الجديدة حول التعامل مع السوريين في إسطنبول، بعد تمديد المهلة الخاصة بتسوية أوضاعهم وتحديد الاستثناءات الجديدة الخاصة بمنح العائلات بطاقات "كيملك" من إسطنبول.
في لقاء له مع صحافيين أجانب، نفى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، اليوم الأربعاء، ترحيل أيّ سوري إلى خارج البلاد مهما كانت الظروف، ثمّ تحدّث عن تمديد مهلة تسوية أوضاع السوريين، مشيراً إلى الاستثناءات المشمولة في منح بطاقات "كيملك" للسوريين في إسطنبول. وأكد أنّه "من غير الممكن ترحيل أيّ سوري، فذلك مرتبط بعودته الطوعية فقط. أمّا السوريون الذين تُرفع بحقّهم قضايا جنائية، فإنّهم يوضعون في مخيمات الإعادة إلى حين انتهاء المحاكمة في خلال مدّة تصل إلى عام، إلا في حال اختار الواحد منهم العودة الطوعية إلى سورية".
وشدّد صويلو على أنّ ذلك الإجراء سيادي وأمني، مستشهداً بحادثة الناشط هشام مصطفى الذي قُتل برصاص "الجندرمة" قبل أقلّ من شهر بعد رحيله إلى سورية. فقال إنّ هشام استُدعي من منزله في إسطنبول للتحقيق معه بحجّة الارتباط بتنظيم داعش، وقد وضع بقرار قضائي في مخيّم بينكلج للترحيل. وبعد 20 يوماً، وبالتحديد في 19 مايو/ أيار الماضي، طلب العودة الطوعية إلى سورية. وبعد رحيله الطوعي، لم تعد له أيّ سجلات في تركيا. لكنّه أمل بإمكانية العودة بطرق غير شرعية، وعائلته هي الوحيدة التي تحدّثت عن مقتله، من دون أن تتوفّر مصادر أخرى أو سجلات تركية حول هذا الموضوع.
أمّا في موضوع تسوية الأوضاع، فأوضح صويلو أنّ "الذين يتابعون تعليمهم في المدارس التركية، وهؤلاء يُقدّرون بنحو 2600 تلميذ، سوف يُمنحون وعائلاتهم حقّ الإقامة في ولاية إسطنبول، بالإضافة إلى الحالات الإنسانية من أيتام وأرامل ومطلقين وعائلات ممزقة، فضلاً عن الحاصلين على إذن عمل وكذلك أرباب العمل وكل من تمكّن من الحصول على مقعد جامعي بإسطنبول، والحالات الصحية". وأكّد أنّ "الحكومة التركية تعمل بالإجراءات نفسها في ولايات تركية أخرى، وهي أنقرة التي بدأت الثلاثاء الماضي بالفعل بعمليات التدقيق بالإقامة وبإذن العمل وباللوحات التجارية التي يتوجّب أن يكون 75 في المائة منها باللغة التركية و25 في المائة فقط باللغة العربية. ومن المتوقع أن تبدأ الإجراءات نفسها الأسبوع المقبل في ولاية بورصا، للتدقيق بأوضاع السوريين هناك".
ضدّ ترحيل السوريين (ياسين أكغول/ فرانس برس) |
حساسية الوضع الأمني
تابع صويلو في اللقاء نفسه أنّ "العودة إلى سورية مرتبطة بمستجدات الوضع الأمني فيها. فإذا تواصلت الاشتباكات والمعارك في سورية، لا يمكن إرسال السوريين إلى هناك قبل أن تتوضّح الأمور الميدانية، فيما عاد أشخاص طوعاً". وأشار إلى أنّ "أكثر من 540 ألف سوري مسجّلون في إسطنبول، والمقيمون هناك نوعان. ثمّة من لا يملك بطاقة كيملك صادرة من إسطنبول وثمّة من لا يملك أيّ بطاقة على الإطلاق. فنقول لهؤلاء إنّ المهلة متاحة حتى 30 أكتوبر/ تشرين الأول للعودة إمّا إلى الولايات الأصلية وإمّا إلى أيّ ولاية أخرى يختارونها".
وشرح صويلو أنّ "64 في المائة من السوريين أتوا من حلب، وثمانية في المائة من إدلب ومثلهم من الحسكة، وخمسة في المائة من الرقة ومثلهم من ديرالزور، وأربعة في المائة من دمشق ومثلهم من حماة، واثنَين في المائة من حمص ومن المناطق الباقية". أضاف أنّ "17 في المائة من تلك المناطق فقط تقع تحت سيطرة تركيا وقوى المعارضة، و66 في المائة تحت سيطرة النظام، و17 في المائة تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية. فهل نقول للسوريين عودوا إلى تلك المناطق لتموتوا؟". وأكمل صويلو أنّ "في إسطنبول حالياً مخططاً لاستيعاب عدد محدد من السوريين. لا يمكن استيعاب أكثر من ذلك. ولكلّ ولاية خطة لاستيعاب اللاجئين وتقديم الخدمات إليهم. وتركيا تشهد في كل عام تسجيل مزيد من السوريين. وهذا العام فقط، سُجّل لجوء 70 ألف شخص، وما زالوا يتوافدون من سورية حتى الآن، ولا بدّ من أن نعرف كيف سيتمّ استقبالهم. من هنا، كان التشجيع على العودة من خلال عمليتَي درع الفرات وغصن الزيتون، عبر مناطق آمنة. وقد عاد بالفعل 347 ألف شخص بشكل طوعي، وادعاءات إجبارهم على التوقيع للعودة غير صحيحة. ونحن سمحنا في خلال عيد الأضحى بعودة السوريين إلى داخل سورية ليروا أوضاع الحياة هناك، تشجيعاً على العودة. وفي عيد الأضحى الماضي زار تلك المناطق أكثر من 40 ألفاً".
بين الترحيل الطوعي والقسري
في سياق متصل، ومن ضمن الاستراتيجية الحالية لإدارة الهجرة الخاصة بمتابعة أوضاع السوريين، يقول مصدر مسؤول في إدارة الهجرة لـ"العربي الجديد"، إنّ "المرحلة المقبلة سوف تكون على هذا الشكل: في حال ضبط أيّ سوري (مخالف) سوف يتمّ التأكد بداية من البصمة التي تظهر في الولاية التي تسجّل فيها. إذا كان ذلك في إسطنبول، يُترك وشأنه. وإذا كان في ولاية أخرى، يُمنح مهلة 15 يوماً حتى يعود إلى ولايته الأصلية مع منحه مستنداً للسفر، وذلك حتى الثلاثين من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل". ويلفت إلى أنّه "عند بداية تطبيق عمليات التدقيق كانت خاصية البصمة غير فعّالة، فحصلت إرباكات كثيرة". يضيف المصدر نفسه: "أمّا الذي لا يملك أيّ بطاقة، فسوف يُنقَل إلى مخيّم ولاية كيلس، وذلك في حال إلقاء القبض عليه وفي حال قصد إدارة الهجرة طوعياً. ثمّ يُطلب منه اختيار ولاية من بين 60 ولاية لينتقل إليها، قد يكون له فيها أقارب أو أنّه يرغب في الأمر ليس إلا. تلك الولايات كلها مفتوحة أمام السوريين، فيما تُستثنى 21 ولاية من بين الولايات التركية البالغ عددها 81".
ويوضح المصدر نفسه أنّ "عمليات التدقيق لن تكون من خلال دوريات تستهدف البيوت وأماكن السكن الأخرى، بل هي إجراءات اعتيادية تتمّ في الأماكن العامة"، مضيفاً أنّ "الذين لا يملكون بطاقات كيملك صادرة من إسطنبول سوف يُحرمون من التعليم وتلقي الخدمات الصحية فيها، إلا في حالات الطوارئ". ويؤكد المصدر أنّ "إدارة الهجرة سوف تعمل على تسوية الأوضاع بطريقة سلسة من دون إزعاج، وأيّ أرقام كبيرة تتعلّق بالترحيل لن تكون واقعية لانعدام الحالات وكذلك عدد المعابر الحدودية الكافي". ويلفت إلى أنّ "عمليات الرحيل هي طوعية بأكثرها. أمّا عمليات الترحيل القسري فهي مرتبطة بمسائل قضائية أو بمحاولة السوريين العودة إلى تركيا بطرق غير شرعية".
الترحيل في أرقام
قبل شهر، أطلقت وزارة الداخلية التركية وولاية إسطنبول حملة من أجل تنظيم وجود السوريين في إسطنبول، بدأت بعمليات ترحيل عشوائية استهدفت الأحياء حيث الوجود السوري كثيف وعناوين سكنية معيّنة. وقد أدّى ذلك إلى ترحيل مئات اللاجئين، بعضهم كان يحمل بطاقة حماية مؤقتة من إسطنبول. بعد تلك الإجراءات التعسفية، عاد قليل من هؤلاء بعد ثبوت تنفيذ عمليات خاطئة في تقييم الحالات وترحيلها. وبعدما كانت مهلة تسوية الأوضاع تنتهي في تاريخ 20 أغسطس/ آب، تمّ تمديدها بإعلان لوزير الداخلية حتى 30 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وكان تنسيق مع منظمات سورية مدنية لتطبيق الاستراتيجيات الجديدة، فاختير "منبر الجمعيات السورية" لتنفيذ إحصاءات. وقد عمل المنبر على وضع قاعدة بيانات بحسب الحالات المطلوبة، في حين تحدّثت مصادر سورية عن عودة نحو 25 ألف شخص إلى الولايات التركية المسجّلين فيها أساساً. وتتوقّع الحكومة التركية أن يكون 400 ألف سوري تقريباً مسجلون في ولايات أخرى، مقيمين في إسطنبول، الأمر الذي يرفع عددهم في المدينة إلى مليون شخص.
مع غياب الإحصاءات، تحدّث المنبر عن مئات حالات الترحيل في البداية، فيما كانت أرقام معبر باب الهوى الحدودي قد أشارت إلى ترحيل 6160 شخصاً في خلال يوليو/ تموز الماضي، و4370 شخصاً في يونيو/ حزيران الماضي، و3316 شخصاً في مايو/ أيار الماضي. لكنّ مصادر في إدارة الهجرة نفت تلك الأرقام لافتة إلى أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء كانوا قد اختاروا الرحيل طوعياً، مثل هشام مصطفى، على أمل العودة بطرق غير شرعية.
وكانت ولاية إسطنبول قد أعلنت أنّها ضبطت، في سياق حملة للكشف عن المهاجرين غير الشرعيين، 2630 سورياً في الولاية في الفترة الممتدة من 12 يوليو/ تموز الماضي إلى 31 منه، وهؤلاء لا يملكون بطاقة حماية مؤقتة. كذلك ضبطت 12 ألفاً و474 مهاجراً أجنبياً يُعمَل حالياً على إجراءات ترحيلهم إلى بلادهم عبر إدارة الهجرة، وقد وُضعوا في مراكز خاصة. وأوضحت الولاية أنّ السوريين نُقلوا إلى مخيمات إيواء مؤقتة في ولايات تركية حدّدتها وزارة الداخلية، من دون أيّ إشارة إلى ترحيلهم أو تحديد لتلك الولايات.