في يوم، غضب مازن وهو سوري لجأ إلى ألمانيا قبل سنتين من ابنه البالغ من العمر ستة أعوام. فهدده مازحاً: "إذا بقيت على هذا النحو، فإنّهم سوف يعيدوننا إلى سورية". يخبر أنّه لم يكن يتوقع أن يلحظ ذلك الرعب لدى صغيره من جرّاء ذلك، "الأمر الذي جعلني أشعر بندم كبير. لن أفعل ذلك مرة ثانية، فالوطن باختصار يرعب الطفل".
لم تعد غرفة الفئران ولا الساحرة خاطفة الصبية ولا الحرمان مما يشتهيه الطفل ويحلم به، من الأمور التي تمثّل "تهديداً" بقدر ما هي فكرة العودة إلى سورية الحرب التي سجّل عدد كبير من أطفالها أبشع ذكريات الطفولة وأكثرها شراسة وإيلاماً. أمّا هنا في ألمانيا، فقد حظي كثيرون من هؤلاء الأطفال بمحبة وتعاون وأمان.
كريم لاجئ سوري آخر، يخبر أنّه "عندما أقول لابنتي إنّنا سوف نعود إلى سورية، تسألني: ونموت؟". أمّا أحمد فيخبر أنّه عندما يثير الموضوع أمام ابنه، فإنّه يقول له: "ارجع أنت. أنا أحب المدرسة هنا وأحب الأصدقاء".
لا شكّ في أنّ الحكومة الألمانية تعوّل بطريقة كبيرة على الأطفال عندما يكبرون وعلى الشباب من اللاجئين، وقد صرّح أحد مدراء وكالة العمل الألمانية ديتليف شيله لجريدة "زود دويتشه" بأنّ الأطفال الذين أتوا إلى ألمانيا لديهم مستقبل جيّد وكذلك الشباب ما دون الخامسة والثلاثين. هؤلاء لديهم فرص، أمّا الذين تجاوزوا الأربعين فسوف يكون الأمر صعباً عليهم.
اندماج أو ترحيل
قبل فترة زمنية، انتشر في ألمانيا تسجيل فيديو لشابة ولدت في ألمانيا وتعلمت اللغة الألمانية، لكنّها أعيدت مع أهلها إلى وطنهم نيبال. على الأثر، راح سوريون كثر يفكرون بجدية بأنّه لا مفرّ من إيجاد عمل وتحدث اللغة الألمانية. فقد أثبتت التجارب أنّ ألمانيا جدية في عملية ترحيل من لا ينجح في الاندماج. قد يبقى اللاجئون سنوات في البلاد طالما أنّ الحرب مستمرّة، لكنّه بعد ذلك قد يتعرّضون للترحيل إذا لم يحصل اندماج حقيقي في المجتمع الألماني. واندماج الأطفال فقط لن يشفع بالعائلات، تماماً كما حصل مع الشابة النيبالية وعائلتها.
أمام ذلك، يقول البعض باستهزاء: "يرحلوننا ونعود. ما المشكلة؟". أمّا آخرون فقد سبق ووضعوا بينهم وبين المجتمع الألماني حاجزاً ويرفضون الاندماج أو تعلم اللغة، إذ يعدّون إقامتهم في البلاد مؤقتة، بالتالي سوف يعودون إلى بلدهم الأصلي وإن طال زمن إقامتهم. فألمانيا محطة استراحة فقط، وليست دار إقامة دائمة بالنسبة إليهم، على الرغم من المبالغ الطائلة التي صرفتها وتنوي صرفها الحكومة الألمانية على اللاجئين بما في ذلك عملية دمجهم.
وكانت صحيفة "فرنكفورته" قد نشرت في صفحتها الاقتصادية، تقريراً حديثاً أعده معهد كولن للاقتصاد الألماني حول المبالغ المالية التي تتكلفها الحكومة الألمانية على اللاجئين. بيّن التقرير أنّ اللاجئين حتى نهاية عام 2017 سوف يكلفون ألمانيا نحو 50 مليار يورو. يُذكر أنّ اللاجئين السوريين يمثلون النسبة الأكبر من اللاجئين.
اقــرأ أيضاً
جديّة العودة
"عند طرح فكرة العودة إلى سورية بطريقة جدية سوف تتغير الموازين"، بحسب ما يقول المتخصص في شؤون الأجانب في مركز الشباب في تورنغن، كريستان أوليا. يضيف أنّ "الناس بعد مضي عدد من السنوات هنا، اعتادوا على فكرة امتلاكهم حقوقاً مصانة، وعلى عدم خضوعهم لأي قوة طاغية، بالإضافة إلى حقهم في الطبابة والسكن المجاني المؤمّنَين من قبل الدولة ومصروفهم الشهري. بالتالي، يفكرون بأنّهم سوف يفقدون كل هذه الميزات هنا إذا عادوا، ولن يتمكنوا من البدء انطلاقاً من الصفر في بلد مزقته الحرب. وهذا إذا كانت العودة متاحة لهم وكذلك البقاء في سورية، نتيجة الأوضاع الأمنية".
تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة عائلات وشبابا عادوا بالفعل إلى تركيا، بعدما جرّبوا الحياة هنا لفترة زمنية معينة. وأسباب العودة مختلفة، منها أنّهم لم يعتادوا أجواء الحرية والانفتاح هنا بالتالي لا يريدون لأطفالهم أن يكبروا في "جوّ متفلت"، بحسب قولهم. ومن الأسباب كذلك فترات الانتظار الطويلة للحصول على إقامة أو على حق لمّ الشمل، بالتالي لم يتمكنّوا من الصبر أكثر، فعادوا إلى أسرهم أو للعمل في تركيا. على الرغم من ذلك، فإنّ السوريين يتصدرون قائمة المتقدمين بطلبات لجوء. يُذكر أنّ مركز الهجرة واللجوء في ألمانيا قدّر عدد المتقدمين بطلبات لجوء إلى ألمانيا منذ بدء الصراع في سورية، بما بين 1500 و2000 متقدم شهرياً.
العمل يساعد على الاندماج
في السياق، يدعو شيله في حديثه إلى جريدة "زود دويتشه" إلى "عدم رفع سقف توقعاتنا بصورة كبيرة. ففي السنة الأولى من اللجوء، قد يتمكن فقط 10 في المائة من اللاجئين من دخول سوق العمل، وخلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة قد يحقق 70 في المائة منهم ذلك".
وما زالت مشكلة تهيئة اللاجئين إلى دخول سوق العمل الألماني معقدة، جزء منها تتحمل مسؤوليته الحكومة الألمانية وأرباب العمل وجزء آخر اللاجئون السوريون أنفسهم مسؤولون عنه. على الرغم من ذلك، فإنّ بعض السوريين بدأوا بالفعل مشاريعهم الخاصة، لا سيما محلات أطعمة سورية وبرهنوا عن كفاءة عالية ونشروا سمعة طيبة. يقول فادي وهو صاحب محل شاورما إنّ "العودة أمر لا يمكن حسمه كيفما اتفق. لا أستطيع القول إنّني سوف أعود وأترك محلي هنا، الذي بدأ يحقق نجاحاً جيداً. لكن في حال انتهت الحرب، فإنّ ثمة إمكانية تتوفر لزيارة الوطن ومراقبة الوضع وبحث إمكانية العمل هناك من جديد". يضيف: "نحن لسنا مضطرين إلى مغادرة ألمانيا، إذ أصبحنا أصحاب أعمال واستغنينا عن المعونات المالية".
اقــرأ أيضاً
مناطق آمنة في سورية
بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ الذين سوف تفرض الحكومة الألمانية عليهم العودة إلى بلادهم الأصلية، هم الذين لم يتمكنوا من تحقيق النقاط المنصوص عليها في قانون الاندماج. تقول لويزا شنيدار من مكتب الاندماج إنّه "ثمّة لاجئين ما زالوا يتعاملون باسترخاء مع موضوع الاندماج، فلا يبذلون الجهد الكافي لتعلم اللغة الألمانية ولا يبحثون جدياً عن عمل خاص، مكتفين بما تقدمه الحكومة من معونات مالية". تضيف: "لكنّ الأمر لن يبقى على هذا النحو وسوف يلاحظون ذلك عند تجديد إقاماتهم، سواء الذين حصلوا على إقامة لمدة سنة أو ثلاث سنوات. هم سوف يُسألون عمّا حققوه خلال السنوات الماضية وبناءً عليه سوف يحصل التجديد الذي لن يكون تلقائياً".
إلى ذلك، يظنّ كثيرون أنّ ألمانيا قد تقدم بعد وقت على ما فعلته مع العراقيين، وتعلن بعض المناطق في سورية مناطق آمنة مثل دمشق واللاذقية والسويداء، بالتالي يمكن ترحيل السوريين الذين لم يتمكنوا من الاندماج بحسب ما ينص القانون إلى تلك المدن على سبيل المثال. وقد شهد سوريون كثر في الآونة الأخيرة ما حصل مع طالبي لجوء أفغان رُحّلوا إلى أفغانستان بناءً على حجج عدّة من قبيل أنّ طالبان لا تلاحق الناس العاديين، وكذلك مع طالبي لجوء عراقيين رُفض طلباتهم ومنهم من رُحّل إلى كردستان العراق.
شباب ضائع
إلى ذلك، يعاني شباب سوريون خصوصاً من هم في سنّ المراهقة من الضياع. وتكثر أسئلتهم: "هل نبدأ بالعمل؟ هل هذا متاح في ظل الأنظمة الألمانية؟ أم نكمل الدراسة فتتاح لنا ربما فرصة الدراسة في الجامعات؟ أم نعود إلى تركيا علّنا نجد عملاً نعين أهلنا من خلاله؟". أمّا سؤال العودة إلى سورية فيبدو محيراً للغاية بالنسبة إلى هذه الفئة، وثمّة من يشعر بالندم لأنّه ترك سورية وجاء وحيداً إلى هنا.
وعلى الرغم من أنّ الحكومة الألمانية توفّر برامج للعودة تسمح للمتقدمين بطلبات اللجوء العودة إلى وطنهم أو الهجرة إلى بلد ثالث وافق على إعادة التوطين، فإنّ كثيرين هم الشباب والعائلات الذين فضلوا العودة بطريقة غير شرعية مثلما دخلوا. يُذكر أنّ البرامج التي توفّرها الحكومة لا توجب على المتقدّم إلا حمل وثيقة سفر صالحة وتأشيرة دخول إلى البلد الذي يرغب في الانتقال إليه، وهي تساعد في تكاليف النقل فيما تؤمّن برامج أخرى دعماً لبداية جديدة.
مصطفى دخل البلاد بطريقة غير شرعية، يخبر أنّ "صديقي الذي قطعنا البحر معاً ومشينا معاً حتى دخلنا ألمانيا، عاد إلى سورية وتركني وحيداً. فكّرت بالعودة، لكنّه راح يشعر بالندم الشديد فيما لم تمضِ أسابيع على عودته، ونبّهني ألا أفعل ذلك إذ إنّ الوضع أكثر من جحيم". ويشير إلى أنّ صديقه "سوف يحاول العودة مرة أخرى عن طريق البحر".
اقــرأ أيضاً
لم تعد غرفة الفئران ولا الساحرة خاطفة الصبية ولا الحرمان مما يشتهيه الطفل ويحلم به، من الأمور التي تمثّل "تهديداً" بقدر ما هي فكرة العودة إلى سورية الحرب التي سجّل عدد كبير من أطفالها أبشع ذكريات الطفولة وأكثرها شراسة وإيلاماً. أمّا هنا في ألمانيا، فقد حظي كثيرون من هؤلاء الأطفال بمحبة وتعاون وأمان.
كريم لاجئ سوري آخر، يخبر أنّه "عندما أقول لابنتي إنّنا سوف نعود إلى سورية، تسألني: ونموت؟". أمّا أحمد فيخبر أنّه عندما يثير الموضوع أمام ابنه، فإنّه يقول له: "ارجع أنت. أنا أحب المدرسة هنا وأحب الأصدقاء".
لا شكّ في أنّ الحكومة الألمانية تعوّل بطريقة كبيرة على الأطفال عندما يكبرون وعلى الشباب من اللاجئين، وقد صرّح أحد مدراء وكالة العمل الألمانية ديتليف شيله لجريدة "زود دويتشه" بأنّ الأطفال الذين أتوا إلى ألمانيا لديهم مستقبل جيّد وكذلك الشباب ما دون الخامسة والثلاثين. هؤلاء لديهم فرص، أمّا الذين تجاوزوا الأربعين فسوف يكون الأمر صعباً عليهم.
اندماج أو ترحيل
قبل فترة زمنية، انتشر في ألمانيا تسجيل فيديو لشابة ولدت في ألمانيا وتعلمت اللغة الألمانية، لكنّها أعيدت مع أهلها إلى وطنهم نيبال. على الأثر، راح سوريون كثر يفكرون بجدية بأنّه لا مفرّ من إيجاد عمل وتحدث اللغة الألمانية. فقد أثبتت التجارب أنّ ألمانيا جدية في عملية ترحيل من لا ينجح في الاندماج. قد يبقى اللاجئون سنوات في البلاد طالما أنّ الحرب مستمرّة، لكنّه بعد ذلك قد يتعرّضون للترحيل إذا لم يحصل اندماج حقيقي في المجتمع الألماني. واندماج الأطفال فقط لن يشفع بالعائلات، تماماً كما حصل مع الشابة النيبالية وعائلتها.
أمام ذلك، يقول البعض باستهزاء: "يرحلوننا ونعود. ما المشكلة؟". أمّا آخرون فقد سبق ووضعوا بينهم وبين المجتمع الألماني حاجزاً ويرفضون الاندماج أو تعلم اللغة، إذ يعدّون إقامتهم في البلاد مؤقتة، بالتالي سوف يعودون إلى بلدهم الأصلي وإن طال زمن إقامتهم. فألمانيا محطة استراحة فقط، وليست دار إقامة دائمة بالنسبة إليهم، على الرغم من المبالغ الطائلة التي صرفتها وتنوي صرفها الحكومة الألمانية على اللاجئين بما في ذلك عملية دمجهم.
وكانت صحيفة "فرنكفورته" قد نشرت في صفحتها الاقتصادية، تقريراً حديثاً أعده معهد كولن للاقتصاد الألماني حول المبالغ المالية التي تتكلفها الحكومة الألمانية على اللاجئين. بيّن التقرير أنّ اللاجئين حتى نهاية عام 2017 سوف يكلفون ألمانيا نحو 50 مليار يورو. يُذكر أنّ اللاجئين السوريين يمثلون النسبة الأكبر من اللاجئين.
جديّة العودة
"عند طرح فكرة العودة إلى سورية بطريقة جدية سوف تتغير الموازين"، بحسب ما يقول المتخصص في شؤون الأجانب في مركز الشباب في تورنغن، كريستان أوليا. يضيف أنّ "الناس بعد مضي عدد من السنوات هنا، اعتادوا على فكرة امتلاكهم حقوقاً مصانة، وعلى عدم خضوعهم لأي قوة طاغية، بالإضافة إلى حقهم في الطبابة والسكن المجاني المؤمّنَين من قبل الدولة ومصروفهم الشهري. بالتالي، يفكرون بأنّهم سوف يفقدون كل هذه الميزات هنا إذا عادوا، ولن يتمكنوا من البدء انطلاقاً من الصفر في بلد مزقته الحرب. وهذا إذا كانت العودة متاحة لهم وكذلك البقاء في سورية، نتيجة الأوضاع الأمنية".
تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة عائلات وشبابا عادوا بالفعل إلى تركيا، بعدما جرّبوا الحياة هنا لفترة زمنية معينة. وأسباب العودة مختلفة، منها أنّهم لم يعتادوا أجواء الحرية والانفتاح هنا بالتالي لا يريدون لأطفالهم أن يكبروا في "جوّ متفلت"، بحسب قولهم. ومن الأسباب كذلك فترات الانتظار الطويلة للحصول على إقامة أو على حق لمّ الشمل، بالتالي لم يتمكنّوا من الصبر أكثر، فعادوا إلى أسرهم أو للعمل في تركيا. على الرغم من ذلك، فإنّ السوريين يتصدرون قائمة المتقدمين بطلبات لجوء. يُذكر أنّ مركز الهجرة واللجوء في ألمانيا قدّر عدد المتقدمين بطلبات لجوء إلى ألمانيا منذ بدء الصراع في سورية، بما بين 1500 و2000 متقدم شهرياً.
العمل يساعد على الاندماج
في السياق، يدعو شيله في حديثه إلى جريدة "زود دويتشه" إلى "عدم رفع سقف توقعاتنا بصورة كبيرة. ففي السنة الأولى من اللجوء، قد يتمكن فقط 10 في المائة من اللاجئين من دخول سوق العمل، وخلال الأعوام الخمسة عشر المقبلة قد يحقق 70 في المائة منهم ذلك".
وما زالت مشكلة تهيئة اللاجئين إلى دخول سوق العمل الألماني معقدة، جزء منها تتحمل مسؤوليته الحكومة الألمانية وأرباب العمل وجزء آخر اللاجئون السوريون أنفسهم مسؤولون عنه. على الرغم من ذلك، فإنّ بعض السوريين بدأوا بالفعل مشاريعهم الخاصة، لا سيما محلات أطعمة سورية وبرهنوا عن كفاءة عالية ونشروا سمعة طيبة. يقول فادي وهو صاحب محل شاورما إنّ "العودة أمر لا يمكن حسمه كيفما اتفق. لا أستطيع القول إنّني سوف أعود وأترك محلي هنا، الذي بدأ يحقق نجاحاً جيداً. لكن في حال انتهت الحرب، فإنّ ثمة إمكانية تتوفر لزيارة الوطن ومراقبة الوضع وبحث إمكانية العمل هناك من جديد". يضيف: "نحن لسنا مضطرين إلى مغادرة ألمانيا، إذ أصبحنا أصحاب أعمال واستغنينا عن المعونات المالية".
مناطق آمنة في سورية
بالنسبة إلى كثيرين، فإنّ الذين سوف تفرض الحكومة الألمانية عليهم العودة إلى بلادهم الأصلية، هم الذين لم يتمكنوا من تحقيق النقاط المنصوص عليها في قانون الاندماج. تقول لويزا شنيدار من مكتب الاندماج إنّه "ثمّة لاجئين ما زالوا يتعاملون باسترخاء مع موضوع الاندماج، فلا يبذلون الجهد الكافي لتعلم اللغة الألمانية ولا يبحثون جدياً عن عمل خاص، مكتفين بما تقدمه الحكومة من معونات مالية". تضيف: "لكنّ الأمر لن يبقى على هذا النحو وسوف يلاحظون ذلك عند تجديد إقاماتهم، سواء الذين حصلوا على إقامة لمدة سنة أو ثلاث سنوات. هم سوف يُسألون عمّا حققوه خلال السنوات الماضية وبناءً عليه سوف يحصل التجديد الذي لن يكون تلقائياً".
إلى ذلك، يظنّ كثيرون أنّ ألمانيا قد تقدم بعد وقت على ما فعلته مع العراقيين، وتعلن بعض المناطق في سورية مناطق آمنة مثل دمشق واللاذقية والسويداء، بالتالي يمكن ترحيل السوريين الذين لم يتمكنوا من الاندماج بحسب ما ينص القانون إلى تلك المدن على سبيل المثال. وقد شهد سوريون كثر في الآونة الأخيرة ما حصل مع طالبي لجوء أفغان رُحّلوا إلى أفغانستان بناءً على حجج عدّة من قبيل أنّ طالبان لا تلاحق الناس العاديين، وكذلك مع طالبي لجوء عراقيين رُفض طلباتهم ومنهم من رُحّل إلى كردستان العراق.
شباب ضائع
إلى ذلك، يعاني شباب سوريون خصوصاً من هم في سنّ المراهقة من الضياع. وتكثر أسئلتهم: "هل نبدأ بالعمل؟ هل هذا متاح في ظل الأنظمة الألمانية؟ أم نكمل الدراسة فتتاح لنا ربما فرصة الدراسة في الجامعات؟ أم نعود إلى تركيا علّنا نجد عملاً نعين أهلنا من خلاله؟". أمّا سؤال العودة إلى سورية فيبدو محيراً للغاية بالنسبة إلى هذه الفئة، وثمّة من يشعر بالندم لأنّه ترك سورية وجاء وحيداً إلى هنا.
وعلى الرغم من أنّ الحكومة الألمانية توفّر برامج للعودة تسمح للمتقدمين بطلبات اللجوء العودة إلى وطنهم أو الهجرة إلى بلد ثالث وافق على إعادة التوطين، فإنّ كثيرين هم الشباب والعائلات الذين فضلوا العودة بطريقة غير شرعية مثلما دخلوا. يُذكر أنّ البرامج التي توفّرها الحكومة لا توجب على المتقدّم إلا حمل وثيقة سفر صالحة وتأشيرة دخول إلى البلد الذي يرغب في الانتقال إليه، وهي تساعد في تكاليف النقل فيما تؤمّن برامج أخرى دعماً لبداية جديدة.
مصطفى دخل البلاد بطريقة غير شرعية، يخبر أنّ "صديقي الذي قطعنا البحر معاً ومشينا معاً حتى دخلنا ألمانيا، عاد إلى سورية وتركني وحيداً. فكّرت بالعودة، لكنّه راح يشعر بالندم الشديد فيما لم تمضِ أسابيع على عودته، ونبّهني ألا أفعل ذلك إذ إنّ الوضع أكثر من جحيم". ويشير إلى أنّ صديقه "سوف يحاول العودة مرة أخرى عن طريق البحر".