سوريون وجدوا طريقهم بلا شهادة

18 يونيو 2020
وجد عملاً في بلد اللجووء (أولريش بومغارتين/ Getty)
+ الخط -

أجبرت الظروف الاستثنائية في سورية والتي يعيشها الشبان منذ مارس/ آذار عام 2011، على التخلي عن الكثير من طموحاتهم وأحلامهم، لا سيما أولئك المولودون بين عامي 1990 و2000. إذ إن متابعة الدراسة وسط هذه الظروف لم تكن أمراً سهلاً، إضافة إلى النزوح واللجوء اللذين ساهما في حرمان كثيرين من تحقيق أحلامهم.

مطلع عام 2013، لجأ عدنان (27 عاماً)، وأهله إلى تركيا. وفي العام الذي سبقه، لم يتمكن من إتمام امتحان الشهادة الثانوية في ريف حمص الشمالي بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة حينها، لا سيما أنه تعرض للاعتقال من قبل قوات الأمن مطلع العام الدراسي. يتحدث عدنان لـ"العربي الجديد"، عن هذه المرحلة الفاصلة في حياته. يقول: "اخترت الدراسة في الفرع العلمي في المرحلة الثانوية. كان لدي طموح بالالتحاق بكلية جيدة حينها، لكن الظروف لم تسمح لي. وفي نهاية عام 2012 وبعد بدء حصار الريف الشمالي في حمص، قرر والدي أنه لا خيار أمامنا سوى التوجه إلى الشمال السوري، ومنه ندخل إلى تركيا، وهذا ما حدث فعلاً".

يتابع عدنان: "مع وصولنا إلى تركيا، لم يكن أمامي سوى العمل مع شقيقي لتأمين متطلبات الحياة. عملت في زراعة البندورة في إقليم هاتاي. كان الأجر قليلاً جداً بالمقارنة مع ساعات العمل، كنا نستيقظ عند الخامسة للتوجه إلى العمل وتمديد الأنابيب المخصصة لري الأرض. العمل كان متعباً وحرارة الشمس كانت حارقة. أصبت حينها بمرض اليرقان وبقيت شهراً كاملاً بلا عمل". قررت العائلة التوجه إلى مدينة إسطنبول باعتبار أن العمل فيها أفضل، وهذا ما حدث. "كنت أمام خيارين: الأول هو الدراسة، وكان هذا صعباً كون الدراسة تحتاج إلى مصاريف كبيرة، والثاني العمل لتأمين مصاريف العائلة. عملت نحو 5 سنوات في معمل للخياطة. العمل كان مرهقاً للغاية، ثم قررت الدراسة. في ذلك الوقت، كنت قد أتقنت التحدث باللغة التركية فقط، ما أجبرني على الالتحاق بمعهد لتعلم اللغة التركية يومي السبت والأحد. درست التصميم الغرافيكي في أحد المعاهد وحصلت فيه على فرصة عمل في هذا المجال. كما حصلت على الشهادة الثانوية". ويقول عدنان إنه انتقل للعمل في شركة للاستيراد والتصدير، وفي الوقت نفسه بدأ يدرس اللغة الإنكليزية. هنا، أيقن أن الدراسة الجامعية أصبحت صعبة المنال، إذ عليه مساعدة شقيقه الأصغر في تأمين مصاريفه الجامعية. "كان هذا خياري. اليوم، أتابع عملي وقد تخليت عن طموحي بالحصول على شهادة جامعية. أسعى إلى زيادة تطوير خبرتي في العمل التجاري والالتحاق بدورات في التسويق الإلكتروني كوني وجدت نفسي في هذا المجال". ويختم عدنان: "اكتشفت أن عدم الحصول على شهادة جامعية لا يعني نهاية المستقبل، بل أنا قادر على العمل من دونها، وسأحاول متابعة دراسة اللغة الإنكليزية في الفترة المقبلة، فلم أعد أشعر بالضعف كون الظروف حرمتني من الدراسة الجامعية".

لا بدّ من تامين عيشه (توبياس شوارتز/ فرانس برس)

أما عبد الكريم إبراهيم (23 عاماً) وهو من قرية أم الخير في ريف الحسكة، فقد نزح مع عائلته إلى مخيم "واشوكاني"، غرب الحسكة، قبل نحو 7 أشهر، ويملك خيمة يبيع فيها المثلجات داخل المخيم. يقول لـ"العربي الجديد": "عائلتي مكونة من سبعة أشخاص ومصاريفنا كبيرة. لم أكن أملك عملاً لدى وصولي إلى المخيم. وفي القرية، كنت منقطعاً عن الدراسة بسبب الظروف الصعبة. كان لدي مجال للتطوع ضمن صفوف قوات سورية الديمقراطية لكنه لم يكن خياراً مناسباً بالنسبة إلي. أما الآن في المخيم، فأنا أعمل في بيع المثلجات لتأمين جزء من مصروف العائلة". وعن المعيشة في المخيم، يوضح عبد الكريم أن "أسعار المواد الغذائية مرتفعة هنا، وتأمين احتياجات العائلة صعب. لم يكن لدي من خيار سوى العمل. أما الدراسة، فأعتقد أنها أصبحت أمراً طي النسيان بالنسبة إلي. لا مستقبل هنا. وفي حال لم نعد إلى بيوتنا ونستقر فيها، ستبقى حياتي هكذا حتى أجد عملاً جيداً أكون فيه قادراً على إعالة أهلي".

من جهته، انقطع محمد السيد علي (21 عاماً) انقطع لمدة عام عن الدراسة في جامعة إدلب. يقول لـ"العربي الجديد"، إنه يواجه صعوبات كثيرة لمتابعة الدراسة، إذ لا توجد بيئة مناسبة للدراسة في إدلب، "كما نعاني في ظل غياب التنظيم بين الكوادر التعليمية في جامعة إدلب، ولا يوجد أي تقدير لظروف الطلاب". وعن أمنياته للمستقبل، يقول محمد: "أتمنى أن أتمكن من إنهاء دراستي وأجد عملاً جيداً وأعمل في مجال دراستي وهو الإدارة. في الوقت الحالي، وكغيري من شبّان إدلب، ما من مستقبل أو عمل حقيقي في حال أنهينا دراستنا، وعلينا ترقب تحسن الظروف في سورية، ولن يتحقق ذلك إلا بسقوط النظام".



إلى ذلك، يقول بلال البكور (26 عاماً)، الذي نزح من ريف حمص الشمالي إلى ريف إدلب، لـ"العربي الجديد"، إنه يعمل في تصنيع الباطون، وقد توقف عن الدراسة. يضيف: "تزوجت قبل تهجيرنا من ريف حمص الشمالي، وتنقلت بين أعمال عدة قبل التهجير. الدراسة أمر شبه مستحيل والوضع المعيشي لم يكن سهلاً. عملت في مجال صيانة الدراجات النارية وعملت حداداً. وعندما ساءت الظروف، التحقت لأشهر بأحد فصائل المعارضة في المنطقة، إذ لم تكن لدي الكثير من الخيارات. وهنا في إدلب، عملي في الباطون صعب ومتعب. لكن ما من خيار، إذ يتوجب علي رعاية طفلي وزوجتي وإعانة والدتي التي تقيم معي". يتابع البكور: "أعيش في مخيم قرب بلدة دير حسان، شمال إدلب. من الجيد أنه لا يتوجب علي دفع بدل إيجار بيت، وإلا كان حالي وحال عائلتي أسوأ بكثير. تعلمت الكثير من الأعمال خلال هذه السنوات. كل ما أتمناه هو العودة إلى بيتنا والنوم تحت ما تبقى من سقفه بعد قصف النظام. لست منزعجاً لأنني لا أحمل شهادة ثانوية أو غيرها. فبلدنا في حاجة لي كحاجته للمهندس والطبيب".