سورية والحرب المقدسة

13 أكتوبر 2015
+ الخط -
على الأرض، سمعنا، أخيراً، عن انتصارات ميدانية للثوار في شمال حماة، وبضعة أجزاء من حلب. ومع إضافة أخبار سقوط طائرات روسية وخسائر من الدبابات، يحق لنا، بوصفنا متابعين للأحداث، أن نبدي مفاجأة من هذا الواقع الميداني، وأن نتخيل أن شيئاً ما يحدث خلف الستار، لن تجري بموجبه الرياح كما يشتهي الروس، أو على الأقل كما يخططون.
مجدداً صار للحرب السورية في الإعلام، وعلى شاشات الفضائيات، شكل إيجابي من معارضي النظام، بعد التدخل الروسي الفج، لكن الخطاب انتقل من الدفاع عن ثورة شعبية تريد أن تنتزع حرية أبنائها من دكتاتور مستبد إلى الدفاع عن حق طبيعي لشعبٍ يقاتل قوة احتلال لبلده، مدعومة من رئيس عميل لها في الداخل، خصوصاً إذا أضفنا إلى هذا التدخل التصريحات الروسية عن الحرب المقدسة في سورية، فيما يشبه ما اعتاد العالم سماعه من زعماء دولة تنوي احتلال دول أخرى، أو خوض حرب ضدها.
لن نذكّر بمحاضرات النظام عن مساوئ التدخل الخارجي، ولا بقراءات سفير النظام السوري في الأمم المتحدة، بشار الجعفري، عن مخاطر دخول الغرباء إلى "بلاده"، لأن الجميع كانوا يعلمون أن الإيرانيين والمليشيا اللبنانية يحاربون على الأرض، منذ وقت طويل، لكن الحديث، هنا، عن روسيا وتصريحات زعمائها، التي لا تكل ولا تمل عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها، وعن انحيازهم، أي الزعماء الروس، المستدام لإرادة الشعب السوري، وحقه في اختيار رئيسه من دون تدخل من أحد.. وهنا، نستطيع التصفيق لصواريخ التاو التي تقصف خطاباتهم المزيفة، كما دباباتهم الثقيلة، من دون أن يحق لأحد الغمز واللمز عن المصدر المشبوه لهذه الصواريخ، بعد أن أصبح اللعب على المكشوف.
مرّ النظام ومعارضوه بمد وجزر أخلاقيين، خصوصاً فيما يتعلق بموضوع التدخل الخارجي. وعلى الرغم من اعترافنا جميعاً بقدسية فعل الثورة، فإننا لا ننكر أن الثوار، ومَن قاتل في صفهم، أو إلى جانبهم، ارتكبوا موبقاتٍ كثيرة، أضيفت إليها تلفيقات وإشاعات عن ممارسات ألصقت بهم، بقصد الإساءة، استساغ العالمُ تصديقها. لكن، بقي طلب بعضهم التدخل الخارجي عنواناً مهماً ساعد النظام على رسم صورة عن الثورة، وكأنها تمرد بضع موتورين، يعملون لصالح الخارج، أو بدعم منه، لتحقيق أهداف شخصية أو طائفية عن طريق قلب الحكم الممانع والمقاوم في سورية. واستُثمر وجود هذه القوى الظلامية التي تقاتل باسم الدين الإسلامي بشكل واسع في إعلام النظام، على أنه الشكل الوحيد المتوفر للمعارضة، ووصل الأمر إلى حد تنبيه الغرب وإسرائيل من خطورة هؤلاء الإسلاميين، في لعب مكشوف على مخاوف هذا الغرب من كل من يقول "لا إله إلا الله"، خصوصاً بعد أن تخلى لهم النظام عن مناطق حدودية واسعة مع تركيا والعراق، من دون قتال يذكر.. لتأتي روسيا فيما بعد، وتحارب هذا الشر المستطير، وتنقذ الغرب الخائف والنظام المهزوم في دمشق من الأخطار المحدقة به وبالعالم.
لكن، لا بد من أن يتنبه الروس، ويعودوا قليلاً بالذاكرة إلى السنوات الأخيرة من ثمانينيات القرن الماضي، أيام الانسحاب المذل من أفغانستان، ويتذكّروا أن هذا العالم ليس بالسذاجة التي يتوقعها ورثة الاتحاد السوفييتي، فما زالت عقول عسكرية خبيرة تستطيع أن تكشف، بسهولة، عن أن الروس عدو يحاول التمدد على حساب غيره، في هذه البقعة وبقاع أخرى من الكرة الأرضية. وهذا، بالتأكيد، ما جعلنا نرى أسلحة متطورة تسجل انتصارات مهمة على الأرض، ضد مدرعات روسيا الاتحادية وطائراتها الحديثة، انتصارات سبقت، وستلي، تصريحات وزير الدفاع الأميركي عن تزويد المعارضة بالأسلحة!.
فاطمة ياسين
فاطمة ياسين
كاتبة سورية، صحفية ومعدة ومنتجة برامج سياسية وثقافية