سورية.. ميلاد ولجوء

26 ديسمبر 2015
بابا نويل يزور اللاجئين في ألمانيا (Getty)
+ الخط -
يأتي عيد الميلاد، ولأول سنة نحن في أوروبا، كل ما حولنا هنا يعيد إنتاج الفرح لكن قلوبنا لم تعد تعرف كيف تعيد لنبضها نفس الإيقاع.
يأتي عيد الميلاد وكم كان حلماً أن نحتفل فيه يوماً في هذه البلاد وبين هذه الشعوب، لكن حلمنا الوحيد الآن هو أن نستطيع الاحتفال به ولو لمرة واحدة في سورية مثلما كنا نحتفل.
يأتي عيد الميلاد، وأجراس الكنائس هنا تعيد لي ضحكات الذين في القبور وتطرق قلبي.
يأتي عيد الميلاد وتتحول قلوبنا للأجراس التي تقرع كل لحظة في كنائس القهر والحنين والتي تعلن موتنا دون قيامة
الأضواء المدهشة تحاصرني هنا في كل اتجاه، الشوارع والساحات والبيوت والواجهات، بألوان وتصاميم مدهشة بجمالها وفنيتها، لكن روحي مطفأة بكل أنواع تصاميم الظلام وكل درجات الأسود.
الأشجار كلها هنا تحولت لعرائس من الزينة كأن الطرقات تعيش أيام زفافها، وكأن الساحات أمهات العرائس اللواتي يزغردن ويضئن الشموع ، تصير المدينة صينية حناء في ليلة العرس، ويصير الأطفال كمن يسير في زفة العروسين بأجمل الثياب، لكن الأشجار التي تركتها هناك لم تزل لا تصدق رحيلي، ولا تصدق أنها تشرب من أجساد الأطفال الذين كانوا يتسلقونها، ويزرعون فيها أحلامهم وشغبهم وقبلاتهم المسروقة، والأشجار التي كانت تنتظر أن يقطفها الناس كي يزينوا فيها زوايا بيوتهم في عيد الميلاد قطفها الناس كلها ليسرقوا بعض الدفء لما بقي من أجساد على قيد البرد والجوع.
يأتي الميلاد المجيد وكل البيوت هنا تنتظره، الهدايا على واجهات المحلات التجارية الضخمة تنتظر الأيدي التي ستحملها للقلوب التي تحبها، النبيذ المعتق ينتظر من يشتريه ليهديه للأصدقاء أو ليشربه بصحبتهم، فيعتق الحب والصداقة في القلوب مثلما يعتق الخمر في جرار الفخار، وفي بلادي يعتق الموت في كل أنواع أواني التعتيق، فهناك الموت تحت التعذيب ذلك الذي يعتق في الأقبية وفي الزنازين، وهناك الموت جوعا الذي يعتق في الأماكن المحاصرة وفي البيوت التي قصفت مثلما قصفت حياة أصحابها، والموت من البرد الذي يعتق في المخيمات وفي بيوت النازحين، والموت غرقا والذي يعتق في تلك القوارب المطاطية التي تحمل وزنا من الأجساد البشرية مع أحلامهم المصابة التي لم يتحمل الماء وزنها، فاختار ابتلاعهم ودفن أحلامهم المؤجلة في القاع، وهناك الموت المخصص لمن هرب من كل أنواع الموت المعتق ووصل إلى هذه البلاد مقهورا لاجئا ناقص الملامح والموت من الحنين تعتقه لك الأيام هنا، وكل يوم يزيد هذا الموت موتا، تعتقه لك الغربة العميقة ونوبات الشوق الحادة لكل ما تركته وراءك، لحياتك التي لم يتسن لك الوقت كي تخبئها في حقائب كبيرة وترفعها إلى سقيفة العمر، كما كنت تفعل مع الملابس الشتوية، أو مع الأشياء الكثيرة التي لم تعد بحاجتها، أو كما كنت تفعل مع ألعاب أطفالك القديمة الذين تريد إبعادهم ولا تريد التخلص منهم.
يأتي عيد الميلاد وهذا العالم الأعمى يخسر عصاه التي نخرها السوس، يأتي الميلاد والعالم أعمى يخبط ويكسر كل ما حوله، ويأتي عيد رأس السنة والسنوات التي تأتي على السوريين بلا رأس تجر خلفها ألف ذيل، تفتش السنوات عن رأسها تحت الركام وبين الرؤوس في المجزرة، لا تجده ولا تتعرف إليه.
لا يأتي عيد الميلاد إلى السوريين مثلما لا يأتي الميتون من القبور، لا يأتي بابا نويل، لا يصل ولا يجرؤ أن يصل، الحواجز تعتقله على الحدود، فاسمه مطلوب في كل الجهات، لذا فهو يحمل أطفالنا الميتين على ظهره، يضع كل طفل بعلبة هدايا مزينة، ويترك تحت مخدة كل واحد في هذا العالم الأعمى هدية.

اقرأ أيضاً: (صور) 2015... هل رأيتم أطفال سورية؟
المساهمون