لم يكن يوما مجرّد معهد. منذ تأسيسه بدأ يترك لنفسه اسماً ويصنع لنفسه ملامح وهوية، ليكون مؤسسة فنية حرّة لها طابع غريب من الجدية والاهتمام والقيمة والبعد عن الجمود التدريسي في جامعاتنا.
لم يكن يقبل إلا الموهبة الحقيقية، وبفضل كوادره كانت طبيعة العلاقة بين الطلاب والمدرّسين والإدارة مرنة ومريحة خالية من الوصاية والتوتر والقمع. وبدأ طلابه يحصدون جوائز عالمية في الرسم والنحت. وبدأ يشكّل رافدا هاما لكلية الفنون الجميلة في تخريج فنانين أصبحوا أسماء هامة في عالم الفن.
ربّما كان عدد الطلاب القليل وعدم التغاضي عن جودة المعايير الفنية طيلة سنوات الدراسة، ومتابعة كلّ طالب وإعطاؤه الوقت الكافي لمشاريعه ولوحاته وتطوّره، إضافة إلى نخبوية المدرسين وكفاءاتهم العالية، هو ما جعل للمعهد هذه النتائج المميزة على مستوى سورية وعلى مستوى العالم . إذ أقامت معاهد عالمية الكثير من العلاقات معه، وكذلك مراكز ثقافية أوروبية بدمشق وورشات تبادل طلابي.
اقرأ أيضاً: بالصور: هربت من "داعش" فصارت ملكة جمال العرب
ولأنّ فطرية الإنسان تجعله يقف ضدّ الظلم ومع المقهور، ولأنّ الإنسان الفنان يكون أكثر تحسّساً لهذا الوجع، ولأنّ النخبوية الفكرية تستطيع أن تفهم حقيقة إعلام النظام، ولأنّ عمر الشباب هو دائماً عمر الثورة الحقيقي، فقد كان هذا المعهد يشكّل نواة صغيرة لحراك سلمي حضاري مدني مدعوم بشخصيات علمانية منفتحة ومن كلّ مكوّنات المجتمع السوري.
حاول هؤلاء باللوحة والكلمة تعرية ما يجري على الأرض والمشاركة فيه أيضاً، لكن بطريقة سلمية.
نواة لم تشفع لهم عند نظام قاتل لا يرحم ولا يميّز ولا يريد للفنّ غير دور الطبّال الذي رسمه له منذ البداية. فاعتقل ستة من طلابه، منهم أكثر من مرّة وطرد عددا كبيرا، وقتل اثنان تحت التعذيب، وقتل الطالب ربيع الحياة على حاجز الميسات القريب من المعهد.
مديرة المعهد طردها الأمن من مكتبها وشتموها، وعيّنوا بدلا منها مديرا جديدا يرتبط بالأمن - فرع طرطوس، وبات يدير المعهد كما يدير مفرزة أمنية. ويكسّر منحوتات أمام الطلاب بوقاحة، فتنكسر مع التماثيل روح الإنسان السوري.
اقرأ أيضاً: "رامبو" هل سيقاتل "داعش" في سورية والعراق؟