وسط انتقادات ومخاوف مرتبطة باتفاق "المدن السورية الأربع" (كفريا والفوعة ومضايا والزبداني)، الذي جرى بين إيران و"هيئة تحرير الشام"، لم تبرز أية مؤشرات على نية الطرفين البدء في تطبيق الاتفاق، اليوم الثلاثاء، وفق ما هو مقرر حسبما أشارت مصادر عدة، فيما أبلغ مصدر في هيئة تحرير الشام "العربي الجديد" أنه "تم تأجيل تنفيذ الاتفاق أياماً عدة".
في هذا السياق، أفاد ناشطون في بلدتي مضايا والزبداني في ريف دمشق، لـ"العربي الجديد"، بأنه "لا توجد أية مؤشرات على الأرض بأن ثمة عملية ترحيل وشيكة للأهالي أو المقاتلين في البلدتين". وأوضح الناشط أبو المهاجر الشامي من مدينة الزبداني، أن "كل ما هو متوفر حول الاتفاق شائعات وأقاويل، إذ لم يصدر أي تفصيل رسمي من الجهتين الموقعتين على الاتفاق"، مشيراً إلى "الحالة المزرية التي يعيشها الأهالي في المدينة، في ظلّ الحصار الخانق المفروض عليها من جانب حزب الله منذ أعوام".
وحول مزاج الناس في البلدتين تجاه الاتفاق، قال الشامي لـ"العربي الجديد"، إن "لا أحد يسعد بترك أرض أهله وأجداده، لكن الجوع والموت اليومي هو الذي يجبر الناس على القبول بمثل هذه الاتفاقات". وأضاف أن "المعلومات المتوفرة عن الاتفاق تفيد بأنه يقضي بخروج كل من يرغب من المقاتلين والأهالي، وعدد الموجودين حالياً في الزبداني ومضايا، يبلغ نحو 40 ألف شخص، أغلبهم من المقاتلين وذويهم".
من جهتها، كشفت تصريحات عدة صادرة عن أطراف معنية بالأمر، وجود مثل هذا الاتفاق "الذي يبدو أن الموقعين عليه باتوا يتريثون في تطبيقه في ظل موجة الرفض والانتقادات الموجهة له من جانب قوى المعارضة السورية، ووسط أنباء عن رفضه أيضاً من جانب أهالي كفريا والفوعة، وإن لم تظهر احتجاجات علنية حتى الآن بسبب ضغوط يمارسها حزب الله على الأهالي في هاتين المنطقتين". وفي تصريح لـ"العربي الجديد" قال مصدر في "هيئة تحرير الشام" إن "الاتفاق لم يلغ، لكن تنفيذه تأجّل أياماً عدة".
وكان مدير العلاقات الإعلامية في "هيئة تحرير الشام"، عماد الدين مجاهد، قد أفاد في تصريح سابق لـ"العربي الجديد" بأن "الاتفاق جاء استجابة لطلب وإلحاح أهالي بلدتي الزبداني ومضايا لإخراجهم من الحصار". وأشار إلى أنه "ينصّ على إخراج قرابة 3000 شخص من الراغبين، من مضايا والزبداني وبلودان إلى الشمال، وإخراج 1500 أسير وأسيرة من سجون النظام، وإدخال مساعدات، إضافة إلى تحقيق هدنة في مناطق جنوب دمشق وأولها مخيم اليرموك المحاصر".
ولفت إلى أن "الاتفاق تضمن إخراج المحاصرين في مخيم اليرموك إلى الشمال، بعد شهرين من بدء تنفيذ الاتفاق، وحل قضية 50 عائلة عالقة في لبنان من أهالي الزبداني ومضايا، وإجراء هدنة في إدلب وتفتناز وبنش ورام حمدان وشلخ وبروما (بلدات في ريف إدلب) لمدة 9 أشهر، تشمل جميع أنواع القصف المدفعي والجوي، وإخراج كامل سكان كفريا والفوعة على دفعتين".
وأبدى مجاهد استغرابه من "اعتبار البعض هذا الاتفاق مجحفاً، أو يهدف إلى التغيير الديمغرافي"، موضحاً أنه "لن يخرج من مناطق محيط العاصمة إلا قرابة ثلاثة آلاف شخص فقط"، بحسب قوله. وأكد أن "مسألة تنفيذ الاتفاق بعد الاعتراضات الواسعة عليه أمر يقرره القادة حسب الواقع".
من جهته، أفاد القيادي في حركة "أحرار الشام الإسلامية" في مدينة الزبداني، أبو عدنان زبداني، عبر قناته في تطبيق "تلغرام" بأن "الاتفاق يتضمن سبع نقاط تشمل إجلاء كامل بلدتي كفريا والفوغة في ريف إدلب خلال مدة زمنية لا تتجاوز شهرين، على دفعتين". وأضاف أنه "سيتم بالمقابل إخلاء الزبداني ومضايا وعائلات أبناء الزبداني الموجودين في بلدة مضايا والمناطق المحيطة بها نحو الشمال السوري".
ولفت أبو عدنان إلى أن "الاتفاق يتضمن وقف إطلاق النار في المناطق المحيطة بالفوعة ومنطقة جنوب العاصمة (يلدا، وببيلا، وبيت سحم)، وهدنة بين الجانبين في المناطق المذكورة تستمر تسعة أشهر، وكذلك إدخال المساعدات الإنسانية إلى هذه المناطق من دون توقف، وإطلاق سراح 1500 معتقل من سجون النظام السوري، وذلك في المرحلة الثانية من تنفيذ بنود الاتفاق. كما يتضمن إخلاء مخيم اليرموك من مقاتلي جبهة فتح الشام، وتقديم لوائح بين الطرفين بأعداد وأسماء الأسرى لإجراء عمليات تبادل".
وفي أحدث المواقف بشأن الاتفاق، أصدرت فصائل الجيش السوري الحر بياناً مشتركاً أدانت فيه الاتفاق معتبرة أنه "يؤسس لمرحلة خطيرة من التطهير العرقي والطائفي، تمهيداً ﻹعادة رسم حدود الدولة السورية، كما يُعتبر جريمة ضد الإنسانية ومخالفاً ﻷحكام الفقرة د من المادة 7 من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية".
ونددت الفصائل بـ"الحصار الخانق وتجويع السكان ومنع الغذاء والدواء عنهم". وطالبت بـ"رفع كل أشكال الحصار عن السكان المدنيين، لأن سياسة الحصار تعتبر جريمة إبادة جماعية وفق المادة الأولى من النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية". وكانت مواقف مشابهة صدرت عن الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض والائتلاف الوطني المعارض وفصائل وقوى أخرى في المعارضة السورية.
وبشأن شمول الاتفاق جنوب دمشق، رأى عضو جبهة النضال الشعبي الفلسطيني خالد عبد المجيد، أن "الاتفاق المذكور ينصّ على إخراج 8000 شخص من كفريا والفوعا ومن زبداني ومضايا، على أن يتم في مرحلته الثانية إخراج مقاتلين من بيت سحم ويلدا والتضامن، لكنه لا يشمل مخيم اليرموك". وأوضح في تصريحات لوكالة "فرانس برس"، أن "التفاهمات بشأن منطقتي مخيم اليرموك والحجر الأسود واليرموك ستكون بعد تنفيذ اتفاق كفريا والفوعة".
ميدانياً، قُتل ثمانية أشخاص وأُصيب آخرون، أمس الاثنين، نتيجة قصف الطيران الروسي مناطق متفرقة بالغوطة الشرقية في ريف دمشق. وأسفرت الغارات الروسية على بلدة سقبا عن سقوط خمسة قتلى، إضافة لشخص في مدينة عربين، وشخصين آخرين في مدينتي حرستا، وحزة، في الغوطة الشرقية بريف دمشق. وذلك بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف تعرضت له المناطق السابقة. وقال ناشطون إن "المناطق المذكورة تعرّضت إلى أكثر من 70 غارة جوية".
جاءت هذه التطورات، عقب فشل قوات النظام والمليشيات المساندة لها، في التقدم على حي جوبر، وخسارتها أكثر من 10 عناصر بين قتيل وجريح. وكانت قوات النظام والمليشيات الداعمة لها، شنّت أمس هجوماً على شرق دمشق، بالتزامن مع تصعيد القصف الجوي بشكل كثيف على حي جوبر. وفي جنوب العاصمة دمشق، وقعت معارك بين المعارضة وعناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في منطقة العروبة بحي مخيم اليرموك، سجلت خلالها إصابات في صفوف الطرفين.
في محافظة حماة، سيطرت قوات النظام والمليشيات المساندة لها ظهر أمس على بلدتي معردس والإسكندرية، بالإضافة إلى تلة الدوير في ريف حماة الشمالي، وذلك إثر معارك عنيفة مع فصائل المعارضة استمرت منذ مساء الأحد، وسط قصف بعشرات الغارات الجوية من الطيران الروسي والسوري.
من جهتها، تصدّت فصائل المعارضة لمحاولة تقدم قوات النظام باتجاه مدينة حلفايا، وتمكنت من تدمير دبابة من طراز "تي 72"، إضافة لقتل وجرح أكثر من عشرة عناصر من مليشيا الدفاع الوطني، في محيط قرية المجدل، شمال حماة.
في حلب، شمالي البلاد، ذكر مصدر من الدفاع المدني لـ"العربي الجديد"، بأنّ "فرق الإنقاذ تمكّنت من انتشال أربع جثث من تحت الأنقاض في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، كان أصحابها قد قضوا في قصف سابق على المدينة، بينما تواصل فرق الدفاع المدني عمليات تفكيك ألغام زرعها داعش قبل انسحابه".
في غضون ذلك، نزحت عشرات العائلات من قرى عدة في منطقة جبل الحص، جنوب حلب، جراء القصف العنيف من الطيران الروسي والنظامي على المنطقة. واستهدفت الطائرات الحربية بعشرات الصواريخ الفراغية قريتي جعفر المنصور والبطرانة في منطقة جبل الحص بريف حلب الجنوبي، تزامناً مع قصف قوات النظام براجمات الصواريخ والمدفعية الثقيلة على المنطقة، مما أدى لسقوط أعداد كبيرة من الجرحى، ودمار واسع في الممتلكات، إضافة لنزوح عشرات العائلات من ريف حلب الجنوبي. كما أصيب عدد من المدنيين جراء قصف جوي للنظام على مدينة في ريف حمص الشمالي. وذكر الدفاع المدني أن "طائرات النظام الحربية شنت غارتين على مدينتي تلدو وكفرلاها شمال غربي مدينة حمص، ما أدى لسقوط جرحى".
في الرقة، تواصلت الاشتباكات بشكل متقطّع، بين الوحدات الكردية وتنظيم "داعش"، في محيط مطار الطبقة ومنطقة مزرعة الصفصافة شرق مدينة الطبقة، وقعت خلالها خسائر في صفوف الطرفين، بينما تستمر الاشتباكات أيضاً في المدخل الشمالي لسد الفرات، بالقرب من قناة البليخ. وقد جدد "داعش" هجومه على مطار الطبقة العسكري بريف الرقة، والذي تمكنت "قوات سورية الديمقراطية" من انتزاعه أخيراً من التنظيم.
في سياق آخر، تمكن فصيل "لواء شهداء القريتين" من السيطرة على كتيبة الرادار والكتيبة المهجورة القريبة من منطقة السبع بيار من "داعش" في البادية الشامية. وذلك ضمن معركة "سرجنا الجياد لتطهير الحماد" التي دخلت يومها السابع عشر على التوالي.