على الرغم من الحديث الذي يدور في العاصمة التركية أنقرة حول مبادرة روسية تركية للإعلان عن وقف شامل لإطلاق النار في سورية، فقد واصلت قوات النظام والمليشيات الايرانية، ومعهما الطيران الروسي، استهداف العديد من المناطق السورية. وتمضي قوات النظام في خططها لإنجاز مزيد من عمليات "المصالحة" في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا، والقائمة على إجبار المقاتلين هناك على تسليم سلاحهم والمغادرة إلى إدلب، مقابل وقف القصف ورفع الحصار عن مناطقهم، مع التهديد باجتياحها عسكرياً في حال رفضوا هذه العروض.
وأشارت معطيات إلى أن روسيا، بطلب وإلحاح كما يبدو من النظام السوري وإيران، حاولت استثناء بعض المناطق من إعلان وقف إطلاق النار، خصوصاً ريف دمشق والجنوب السوري، بغية إعطاء الفرصة لقوات النظام من أجل استكمال خططها الخاصة بتهجير أبناء تلك المناطق، ونزع سلاح الفصائل المسلحة هناك، الأمر الذي رفضه مندوبو فصائل المعارضة. ففي ريف دمشق، تواصل قوات النظام، المدعومة من حزب الله، هجومها على بلدة بسيمة في وادي بردى في محاولة للسيطرة على البلدة، حيث قصفت بصواريخ "فيل" والمدفعية الثقيلة الأحياء السكنية في البلدة، في حين قصفت طائرات النظام السوري بالصواريخ الفراغية بلدتي بسيمة وعين الفيجة. وقال الناشط عمر الشامي، لـ"العربي الجديد"، إن هذا القصف هو الأعنف حتى الآن، وقد تسبب في سقوط قتلى وعشرات الجرحى، حيث تضغط قوات النظام على مقاتلي فصائل المعارضة في المنطقة لتسليم أسلحتهم والرحيل إلى شمال سورية، الأمر الذي ترفضه بشدة فصائل المعارضة والأهالي على السواء. وأوضح الشامي أن هذا القصف تسبب في عمليات نزوح واسعة للأهالي باتجاه القرى الأقل تعرضاً للقصف، وسط تردي الأوضاع الإنسانية وانقطاع المياه والكهرباء والاتصالات، فضلاً عن فقدان مادة الخبز. كما تم تسجيل أول حالة وفاة لطفل رضيع في بلدة دير مقرن بسبب عدم توفر الرعاية الصحية. وأشار إلى أن آلاف المدنيين نزحوا خلال الأيام الماضية من قرى بسيمة ودير مقرن وعين الفيجة وكفر الزيت والحسينية نحو قرى كفر العواميد وبرهليا والسوق. وأكد أن قوات النظام لم تحقق أي تقدم في حملتها العسكرية، مشيراً إلى أن مقاتلي المعارضة في بلدة الحسينية شنوا هجوماً على مواقع لحزب الله، وقتلوا 15 عنصراً منهم.
وحول الفيضانات التي تشهدها منطقة عين الفيجة التي تضم نبع عين الفيجة، أوضح الشامي أنه بعد قصف قوات النظام لمركز النبع تحولت مياهه إلى نهر بردى، وترافق ذلك مع هطول كثيف للأمطار، ما تسبب بفيضان النهر وتدفق مياهه إلى الشوارع. وأكد أن القصف تسبب في ضياع نحو ثلث مياه النبع في باطن الأرض، وهو ما يهدد بكارثة مائية إذا تواصل هذا الأمر لأيام أخرى، حيث يمكن أن تضيع نهائياً مياه النبع في باطن الأرض. ويقول ناشطون إن النبع تعرض لأكثر من 50 برميلاً متفجراً، و200 قذيفة، جراء العمليات العسكرية في وادي بردى، خلال محاولة قوات النظام التقدم عبر محور بسيمة بهدف حصار قرى منطقة وادي بردى، التي تضم أكثر من 100 ألف نسمة.
وفي محافظة درعا، جنوبي البلاد، تضغط قوات النظام على بعض المناطق لتوقيع "اتفاقات مصالحة" يسلم بموجبها المقاتلون هناك أسلحتهم لقوات النظام، مقابل تسوية أوضاعهم، تحت طائلة الاجتياح العسكري لمناطقهم. وفي هذا الإطار، اجتمع وفد "لجنة المصالحة" في بلدة محجة في ريف درعا الشمالي، مع رئيس شعبة الأمن العسكري في المنطقة الجنوبية، العميد وفيق الناصر، لبحث تسليم البلدة بعد منح النظام مهلة حتى يوم أمس، الأربعاء، للتسليم. ويبلغ عدد سكان البلدة، الواقعة شرق بلدة الفقيع التي سيطرت عليها قوات النظام أخيراً، نحو 25 ألف نسمة. وتوقع ناشطون أن يبدأ قريباً التفاوض على تسليم البلدة، بالرغم من إعلان الفصائل في ريف درعا الشمالي عن تشكيل غرفة عمليات جديدة، تحت اسم "نصرة محجة"، رداً على تهديدات النظام باقتحام البلدة، وتلبيةً لدعوة المقاتلين فيها لمناصرتهم في صد هجوم قوات النظام. واعتبر هؤلاء أن موقف الفصائل سلبي، ويقتصر على المواقف والتصريحات من دون تحرك فعلي لمواجهة قوات النظام.
وكانت قوات النظام سيطرت أخيراً على بعض المناطق شمال درعا، مثل الوردات والفقيع وتل العيون، وسط حديث عن إمكانية عقد مصالحات في مناطق من درعا، خصوصاً بعد تسليم بعض العناصر في "الجيش الحر" أنفسهم وأسلحتهم قبل أيام للنظام في مدينة الصنمين. وقال الناشط حمزة الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام تستهدف من فرض المصالحة على بلدة محجة تأمين طريق دمشق - عمان في إطار سياستها الرامية لتأمين خطوط إمدادها، عبر السيطرة على مواقع ذات أهمية جغرافية ولوجستية، مثل مدينة الشيخ مسكين والكتيبة المهجورة وبلدة الفقيع، إضافة إلى الضغط على المدن والبلدات الواقعة على طريق دمشق - درعا القديم، ومنها بلدات داعل وإبطع والصنمين ومحجة وغباغب. وفي إطار هذه الضغوط، شنت طائرات النظام السوري، أمس، غارات على الأحياء السكنية في مدينة الحراك في ريف درعا الشرقي، ما تسبب بجرح عدد من المدنيين، بينهم أطفال ونساء. وطاول القصف الجوي أحياء سكنية في بلدتي الصورة وبصر الحرير بريف درعا الشرقي.
وفي الشمال السوري، قصفت قوات النظام بالمدافع الثقيلة، الأحياء السكنية في بلدة كفرناها في ريف حلب الغربي، ما أدى إلى جرح عدد من المدنيين، فيما شنت الطائرات الحربية الروسية غارات على بلدة الزربة ومحيطها وبلدة الجينة، وأخرى على قرية تل علوش في ريف حلب الجنوبي. وسقط عدد من الجرحى بينهم عناصر من فريق إنقاذ، في قصف قوات النظام قرية العثمانية في الريف الجنوبي أيضاً. كما استهدفت المقاتلات الحربية الروسية، بالصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية، الأحياء السكنية في قريتي السلوم وقبتان الجبل ومدينة الأتارب في ريف حلب الغربي. واستهدفت غارات مماثلة بلدة التمانعة ومحيط مدينتي بنش في محافظة إدلب. وفي محافظة حمص، قصفت قوات النظام بالمدافع الثقيلة وراجمات الصواريخ الأحياء السكنية في بلدة السعن الأسود في ريف حمص الشمالي، ما أدى إلى جرح عدد من المدنيين. كما شنت الطائرات الحربية الروسية غارات جوية على أطراف مدينة الرستن بريف حمص الشمالي، بالتزامن مع قصف بالهاون على أطراف المدينة، بينما تجددت الاشتباكات بين فصائل المعارضة السورية وقوات النظام على أطراف بلدة أم شروح شمال مدينة حمص.