04 نوفمبر 2024
سورية.. الحل الغائب أممياً
يعيد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، غير بيدرسون، ترتيب أولويات العملية السياسية "بعيدة المنال"، في مداخلته الأولى أمام مجلس الأمن نهاية شهر فبراير/ شباط، والتي جاءت بعد لقاءاته مع أطراف الصراع "المحليين" والدوليين، فحيث يؤكد مضمون خطابه أن ملف المفقودين يحتل مركز الصدارة في النزاع بين النظام والمعارضة، يأتي توزّع الأراضي السورية تحت سيطرة الدول من جهة، والمنظمات الإرهابية من جهة أخرى، ليشكل جوهر مشكلةٍ متفاعلة، ومتقلبة، في التعاطي مع الحل المنشود، وهذا ما يعني غياب سورية التي يتحدث عنها كل الأطراف، بخريطتها المعروفة ما قبل 2011، وحيث تغرق الدول الأوروبية والعربية المجاورة لسورية تحت سيل اللاجئين فيها، يقع البحث في قضية "حق العودة" وحماية العائدين، واحدا من الملفات الضاغطة والمتعثرة حالياً، في ظل تجارب "العائدين" غير الموثوقة مع النظام، ليأتي ترتيب اللجنة الدستورية وافتعال مشكلة تشكيلها، ومواضع النزاع على محاصصة الدول فيها، ومواضيع عملها ومسؤولياتها، آخر بنود ما يمكن الحديث عنه مدخلا للحل "السياسي" الغارق بالدم السوري، من دمشق حتى آخر نقطة على الحدود السورية وما بعدها.
وإذ يقرّ بيدرسون أن "النزاع في هذا البلد أبعد من أن ينتهي"، فإنه لا بد أن يدرك، في الآن نفسه، أن تغيير المصطلحات والتسميات واختراع منتدياتٍ مشتركةٍ بين القوى الدولية لن يفيد
في المساعدة في تحقيق السلام، إنما هو مجرّد محاولةٍ لإحياء دوره، وتغطية على تقاعس الأمم المتحدة في أداء دورها في حماية السلم والأمن الدوليين من لعبة الموت التي تتوسع رقعتها الجغرافية، ويتزايد أعداد اللاعبين فيها، بينما تبقى كل البنادق موجهة إلى سورية، سواء التي تنتسب للأسد في شقه الإيراني، أو للنظام في شقه الروسي، أو لقيادات المعارضة في مجموع تبعياتها الدولية، والتي يدفع ثمن كل هذه "السوريات" هم السوريون، سواء الذين آمنوا بالثورة خلاصاً لهم من نظام الاستبداد، أو، في الوقت نفسه، من تنعكس سياسات النظام سلباً عليهم ممن وقفوا إلى جانبه خوفاً، أو تمسّكاً بامتيازاتهم ومصالحهم، على حساب فقر السوريين، وأمانهم وأسباب عيشهم.
ولعل التعويل على تشكيل منتدىً دولي مشترك بين القوى الدولية للمساعدة على تحقيق السلام في سورية، كما يدّعي المبعوث الأممي "تعمل الدول من خلاله على مسائل عالقة، ما يساعد على حل تلك المسائل"، يضعنا أمام جملةٍ من التساؤلات بشأن الآلية التي يعمل عليها المبعوث الأممي، فهل تجاهل بيدرسون وجود مجموعات عملٍ دوليةٍ تشكلت منذ العام الأول للصراع بدءاً من لجان جامعة الدول العربية إلى مجلس الأمن، إلى مجموعة أصدقاء سورية التي عقدت أول اجتماعاتها في فبراير/ شباط من عام 2012 في تونس، وكانت الغاية محاولة إيجاد حل للأزمة السورية، بعيداً عن مجلس الأمن الذي عطّلت مفاعيل عمله أنظمته المتحجرة المتمثلة بحق النقض، ولا تزال هذه الآلية واحدةً من أسلحة الدمار المسلطة على السوريين، والتي تحول دون أي قرار جدّي يوقف الحرب في سورية، ويفرض الحل السياسي الذي لا يحتاج إلا إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في قرار مجلس الأمن 2254 بعد تمييع كثير من مطالب الثورة، والقفز من التغيير إلى التعديل، في شكل النظام وأسماء متنفذيه.
وكما لا يمكن للمبعوث الأممي تجاهل الاعتراف بمجموعات عمل دولية كثيرة، ومنها المجموعة التي عقدت اجتماعاتها في لوزان في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2016، وضمت الولايات المتحدة، وروسيا، والسعودية، وقطر، والأردن، وتركيا، ومصر، والعراق، وكان هدفها أيضاً التوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن استراتيجية عامة لإنهاء الأزمة في سورية، ومن ثم التحالفات الدولية، ومجموعة العمل الدولية المصغرة التي عقدت أكثر من
اجتماع في باريس في يناير/ كانون الثاني ولاحقاً مايو/ أيار 2018، وسعت خلاله فرنسا إلى إقامة حوار مع ضامني أستانة، المسار الذي ابتدعته روسيا مع حليفتيها، تركيا وإيران 2017، ودجّنت من خلاله الفصائل المسلحة "المعارضة" ضمن مسارٍ تفاوضي أدخل مسار جنيف الأممي في حالة "كوما" لم يخرج منها حتى اليوم، على الرغم من تعدّد جولات إنقاذه التي وصل عددها إلى تسعة زائد واحد "جولة فيينا".
أي أننا ومن خلال ما تقدم به بيدرسون من اقتراحٍ لإعادة تدوير التجارب الدولية، في إنشاء منتدياتها، أو مجموعاتها، أو تحالفاتها، ندور في حلقةٍ مفرغة، مهمتها شرعنة استمرار الصراع في سورية وعليها، سواء الصراع المحلي، المتمثل في الخلافات البينية داخل كل من النظام والمعارضة، وهو الظاهر بين طرفي النظام المنقسم على نفسه بين تبعيته لإرادة الحل الروسي وتماهي جزء منه مع المصلحة الإيرانية بمواجهة الإرادة الأميركية والإقليمية والعربية، صراع، لم يعد خافياً، بين أتباع كل من جهتي الاحتلال "المشرعن" لسورية، أو بين المعارضات أو المحسوبين عليها، ذات المرجعيات العديدة التي تحضر خصوماتها الأيدولوجية والعسكرية، سواء ميدانياً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو داخل منظومات العمل السياسي في كيانات المعارضة التي تمثل الطرف المقابل للنظام في مشاريع التسوية المأمولة.
التعويل على منتدى دولي في حل القضايا العالقة، وأهمها ملف المعتقلين واللاجئين والانتقال السياسي المغيب حالياً عن التداول ضمن مشاريع التسوية المقترحة، والتي تمثّل جوهر الصراع في سورية، في الوقت الذي عجز فيه مجلس الأمن عن فعل ذلك، يمكن اعتباره ليس التفافاً على الحل، وإنما هي عملية "التخلي" من الأمم المتحدة عن القيام بدورها، في حماية تنفيذ قراراتها التي أساساً تضع حداً لتلك المسائل العالقة التي يريد بدرسون أن يرحلها إلى منتدىً، لن يخرج عنه أكثر من بيانٍ يقارب، أو يوازي بيانات المجموعات الدولية التي سبقته، والتي ستلحق به، في ظل التواطؤ والتباطؤ اللذين مارستهما الأمم المتحدة لتجنب فرض تنفيذ قراراتها التي أقرّتها منذ بيان جنيف 1 في 2012 وحتى القرار 2401 لعام 2018، وما بينهما نحو 17 قرارا دوليا، بقيت الأمم المتحدة والدول المعوّل عليها ترزح تحت جنح الصمت تارة، والشراكة غير النزيهة في حربٍ وقودها وحجتها وضحيتها الشعب السوري.
ولعل التعويل على تشكيل منتدىً دولي مشترك بين القوى الدولية للمساعدة على تحقيق السلام في سورية، كما يدّعي المبعوث الأممي "تعمل الدول من خلاله على مسائل عالقة، ما يساعد على حل تلك المسائل"، يضعنا أمام جملةٍ من التساؤلات بشأن الآلية التي يعمل عليها المبعوث الأممي، فهل تجاهل بيدرسون وجود مجموعات عملٍ دوليةٍ تشكلت منذ العام الأول للصراع بدءاً من لجان جامعة الدول العربية إلى مجلس الأمن، إلى مجموعة أصدقاء سورية التي عقدت أول اجتماعاتها في فبراير/ شباط من عام 2012 في تونس، وكانت الغاية محاولة إيجاد حل للأزمة السورية، بعيداً عن مجلس الأمن الذي عطّلت مفاعيل عمله أنظمته المتحجرة المتمثلة بحق النقض، ولا تزال هذه الآلية واحدةً من أسلحة الدمار المسلطة على السوريين، والتي تحول دون أي قرار جدّي يوقف الحرب في سورية، ويفرض الحل السياسي الذي لا يحتاج إلا إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في قرار مجلس الأمن 2254 بعد تمييع كثير من مطالب الثورة، والقفز من التغيير إلى التعديل، في شكل النظام وأسماء متنفذيه.
وكما لا يمكن للمبعوث الأممي تجاهل الاعتراف بمجموعات عمل دولية كثيرة، ومنها المجموعة التي عقدت اجتماعاتها في لوزان في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2016، وضمت الولايات المتحدة، وروسيا، والسعودية، وقطر، والأردن، وتركيا، ومصر، والعراق، وكان هدفها أيضاً التوصل إلى اتفاق مع روسيا بشأن استراتيجية عامة لإنهاء الأزمة في سورية، ومن ثم التحالفات الدولية، ومجموعة العمل الدولية المصغرة التي عقدت أكثر من
أي أننا ومن خلال ما تقدم به بيدرسون من اقتراحٍ لإعادة تدوير التجارب الدولية، في إنشاء منتدياتها، أو مجموعاتها، أو تحالفاتها، ندور في حلقةٍ مفرغة، مهمتها شرعنة استمرار الصراع في سورية وعليها، سواء الصراع المحلي، المتمثل في الخلافات البينية داخل كل من النظام والمعارضة، وهو الظاهر بين طرفي النظام المنقسم على نفسه بين تبعيته لإرادة الحل الروسي وتماهي جزء منه مع المصلحة الإيرانية بمواجهة الإرادة الأميركية والإقليمية والعربية، صراع، لم يعد خافياً، بين أتباع كل من جهتي الاحتلال "المشرعن" لسورية، أو بين المعارضات أو المحسوبين عليها، ذات المرجعيات العديدة التي تحضر خصوماتها الأيدولوجية والعسكرية، سواء ميدانياً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو داخل منظومات العمل السياسي في كيانات المعارضة التي تمثل الطرف المقابل للنظام في مشاريع التسوية المأمولة.
التعويل على منتدى دولي في حل القضايا العالقة، وأهمها ملف المعتقلين واللاجئين والانتقال السياسي المغيب حالياً عن التداول ضمن مشاريع التسوية المقترحة، والتي تمثّل جوهر الصراع في سورية، في الوقت الذي عجز فيه مجلس الأمن عن فعل ذلك، يمكن اعتباره ليس التفافاً على الحل، وإنما هي عملية "التخلي" من الأمم المتحدة عن القيام بدورها، في حماية تنفيذ قراراتها التي أساساً تضع حداً لتلك المسائل العالقة التي يريد بدرسون أن يرحلها إلى منتدىً، لن يخرج عنه أكثر من بيانٍ يقارب، أو يوازي بيانات المجموعات الدولية التي سبقته، والتي ستلحق به، في ظل التواطؤ والتباطؤ اللذين مارستهما الأمم المتحدة لتجنب فرض تنفيذ قراراتها التي أقرّتها منذ بيان جنيف 1 في 2012 وحتى القرار 2401 لعام 2018، وما بينهما نحو 17 قرارا دوليا، بقيت الأمم المتحدة والدول المعوّل عليها ترزح تحت جنح الصمت تارة، والشراكة غير النزيهة في حربٍ وقودها وحجتها وضحيتها الشعب السوري.