سورية: أزمة البنزين من محطات الوقود إلى مواقع التواصل

18 ابريل 2019
أكثر من 10ساعات للحصول على الوقود (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
"إنّه المضحك المبكي"، هكذا وصف "أبو محمود" الرجل الخمسيني الحال التي وصل إليها السوريون في مناطق سيطرة النظام، حيث بات كل شيء نادراً، وفي المقدمة المحروقات، خصوصاً مادة البنزين التي شلّ نقصها الحياة العامة، تحديداً في دمشق. ويتابع أبو محمود الموجود في العاصمة السورية في حديث مع "العربي الجديد": "الحال التي وصلنا إليها تستدعي البكاء حقاً، والطريقة التي يتعامل بها النظام مع الأزمات التي تكاد تخنقنا مضحكة ولكنه "ضحك كالبكا". إنّه (النظام) يميّع كل شيء، حتى الوجع".

وتضرب مناطق سيطرة النظام منذ أيام عدة أزمة بنزين خانقة، يرجعها النظام إلى "الحصار" الذي يتعرض له. إذ زعمت وزارة النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام أن النفط قُطع منذ ستة أشهر، ولم تصل أي ناقلة إلى سورية منذ توقف الخط الائتماني الإيراني في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. فيما تؤكد مصادر أن الفساد وعدم اكتراث النظام بمعاناة السوريين وراء هذه الأزمة التي تعدّ نتاج أكثر من 8 سنوات من حرب مفتوحة يشنها النظام على السوريين.

وينشر رواد مواقع التواصل الاجتماعي كل يوم مقاطع مصوّرة تظهر طوابير السيارات التي ينتظر أصحابها ساعات طويلة أمام محطات الوقود من أجل الحصول على بضعة ليترات من البنزين. ولجأ النظام إلى أسلوب التقنين للمادة، في محاولة تبدو يائسة للتخفيف من تبعات محتملة من جراء هذا النقص الكبير. إذ أعلن عن "إجراءات مؤقتة للحد من ظاهرة الازدحام، فحدد المخصصات، على الشكل الآتي: للسيارات الخاصة على اختلاف أنواعها 20 ليتراً خلال مدة 5 أيام. الدراجات النارية على اختلاف أنواعها 3 ليترات خلال 5 أيام، سيارات التاكسي العمومية 20 ليتراً كل 48 ساعة. ويحاول النظام تمييع الأزمة وتنفيس الشارع الموالي المحتقن، من خلال دفع مجموعات مرتبطة به لتوزيع الزهور والمجلات والشطائر والمشروبات والأغطية على السائقين المنتظرين، بل وصل الأمر به إلى درجة زج فرق فنية تؤدي وصلات رقص وغناء أمام محطات الوقود المنتشرة في عموم العاصمة.

ومن الواضح أنّ النظام بات يخشى من ردة فعل غاضبة من السوريين في مناطق سيطرته "حيث لم يبق لديهم ما يخسروه". إذ يقول نبيل لـ "العربي الجديد" إنه انتظر أكثر من عشر ساعات من أجل الحصول على عدة ليترات من البنزين. وأضاف: "ندفع ثمناً قاسياً من حياتنا من جراء هذا النظام المستعد لإفراغ سورية من كل أهلها من أجل البقاء في السلطة. بتنا نحسد ملايين السوريين الذين هاجروا إلى بلدان مجاورة أو أوروبية. يبدو أنهم اتخذوا القرار الصحيح، ولو كان أمر الهجرة ميسراً كما كان خلال السنوات الفائتة، فلن يبقى أحد في سورية".

ودفعت أزمة البنزين عدداً من السوريين إلى ركوب الأحصنة والبغال من أجل التنقل في قلب العاصمة دمشق، إذ تناقل السوريون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر رجالاً في شارع بغداد في دمشق، وهم يستخدمون البغال بغية الوصول إلى أماكن عملهم بعد فشلهم في الحصول على البنزين، ما يؤكد حجم الأزمات التي تضرب مناطق النظام. وتحوّل الحال الذي وصلت إليه مناطق النظام من انعدام كل مقومات الحياة إلى مادة للسخرية من قبل ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً لجهة محاولات النظام التقليل من شأن أزمات ينوء تحتها السوريون. يقول أحدهم ساخراً وهو يستعرض طابور سيارات في العاصمة دمشق ينتظر أصحابها الوصول إلى محطة الوقود: "ننصح كل السوريين الذين هاجروا بالعودة. كل شيء متوفر؛ كهرباء وبنزين".

ونشرت صفحة "شاهد عيان حلب" على موقع "فيسبوك" صورة لطوابير السيارات في مدينة حلب، معلقةً بالقول: صورة لطابور سيارات لا نعرف نهايته في مدينة حلب في انتظار الحصول على جرعة البنزين المخصصة بالبطاقة الذكية، بلد مشلول اقتصادياً ومحاصر وراتب الموظف فيه معيب ويعتبر الأقل على مستوى العالم لا يكفيه لشيء. وتناقل الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً تظهر جوانب من أزمة انقطاع البنزين منها قيام عدد من الشبان بدفع دراجة شرطي نفد البنزين فيها، معلقين بالقول: "الشعب بخدمة الشرطة".




كذلك سخر رواد مواقع التواصل الاجتماعي من نشر قناة "سما" الموالية لنظام بشار الأسد خبراً عن أزمة المحروقات في اليمن، في الوقت الذي تعيش فيه مناطق النظام تحت وطأة تفاقم انقطاع البنزين. ودعا ناشطون معارضون السوريين في مناطق النظام إلى الانتفاض بوجه الأخير رداً على الأزمات المتلاحقة، ولكن استبعدت مصادر محلية في دمشق في حديث لـ "العربي الجديد" حدوث هذا الأمر في الوقت الحالي لأنه "لم تعد لدينا القدرة على هذا الأمر، إضافةً إلى أن النظام مستعد لحرق كل شيء"، تقول المصادر.


المساهمون