وحده لافروف ظلّ مصراً على التمسك بلغته غير الدبلوماسية ونهجه العدواني المعروف عنه، فاتهم المعارضة السورية بعرقلة المفاوضات، وذلك بعد ساعات من توجيهه شتائم غير مسبوقة لكل "الأوغاد والأنذال" الذين يريدون إطاحة رئيس النظام السوري بشار الأسد، على حد تعبيره في مقابلة صحافية. ومثلما تبقى الجرائم الروسية بلا أي ردّ دولي أو إقليمي ممن يدعون أنهم حريصون على الثورة السورية، فقد مرّت شتائم لافروف أيضاً بلا أي ردّ من عواصم القرار.
وتحاول موسكو تغليب ملف "تدمير" جبهة النصرة وتنظيم "داعش" على ما عداه من ملفات، في حين تسعى واشنطن الى ممارسة ضغط روسي على نظام الأسد للتوقف عن استهداف المعارضة السورية التي تصفها بـ"المعتدلة"، والذي ارتفعت وتيرته في الآونة، خاصة في محافظتي إدلب وحلب شمال سورية. وذكرت مصادر مطلعة أن اجتماع جنيف الثلاثي "ربما يكون حاسماً لجهة إنعاش الآمال في تحريك الملف السياسي"، مضيفة: في حال توصل موسكو وواشنطن الى اتفاق يتعلق بالتنسيق العسكري في ما يخص محاربة "جبهة النصرة"، فسيدعو دي ميستورا قريباً إلى جولة مفاوضات جديدة في جنيف لمناقشة مسألة الانتقال السياسي. وبالفعل، أعلن دي ميستورا عن توقعه بأن تستأنف محادثات السلام السورية "أواخر أغسطس، وقد أحرزنا هنا بعض التقدم" على حد تعبيره.
وسبق لكيري أن قدم مسودة اتفاق تنسيق عملياتي ومخابراتي لمحاربة "النصرة" إلى الجانب الروسي إبان زيارته إلى موسكو قبل أسبوعين، ليكون محور اجتماعات الخبراء في جنيف. وأعرب كيري عن أمله، بعد لقائه لافروف على هامش قمة دول جنوب شرق آسيا في دولة لاوس، بأن يكون مطلع أغسطس/ آب المقبل موعداً لإعلان تفاصيل خطة أميركية بشأن تعاون عسكري أوثق مع روسيا، ومشاركة معلومات مخابراتية مع هذه الدولة. وقال كيري في مؤتمر صحافي: "آمل أن نكون في مطلع أغسطس/ آب في وضع يؤهلنا للوقوف أمامكم وإخباركم ما الذي يمكننا فعله، على أمل أن يصنع هذا فارقاً في حياة الشعب السوري، ومسار الحرب". من جانبه، قال لافروف إن الاتفاقات مع واشنطن "تتعلق بخطوات عملية يجب اتخاذها من أجل محاربة الإرهابيين في سورية بفعالية، وعدم السماح بوجود من يطلق عليهم المعارضين المعتدلين في الأراضي الخاضعة لسيطرة الإرهابيين". وتابع لافروف بالقول إن "هؤلاء يريدون المشاركة في نظام الهدنة، ويسعون في الوقت نفسه للسماح لتنظيمي داعش والنصرة بالاستفادة من هذا النظام والحيلولة دون تكبد التنظيمين أي خسائر".
واتهم لافروف الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية بعرقلة المفاوضات، وقال: "تتخذ ما تسمى الهيئة العليا للمفاوضات حتى الآن موقفا غير بناء، وهي لا تطرح أي اقتراحات، بل تقدم إنذارات لا يمكن أن تؤدي إلى شيء إيجابي، وتصر على رحيل الأسد". وأضاف "لنرى بعد ذلك ما نفعل مع العملية السياسية. إنه موقف لا يؤدي إلا إلى طريق مسدود". واعتبرت المعارضة السورية تصريحات لافروف "تجاهلاً للحقائق"، مطالبة بتنفيذ قرارات أممية وقعت عليها روسيا، وضربها نظام الأسد بعرض الحائط. وعن هذا الموضوع، أكد الناطق الرسمي باسم الهيئة رياض نعسان آغا، أن لافروف "تجاهل كون المعارضة السورية حاربت داعش منذ ظهوره"، مشيراً الى أن "داعش قام بقتل العديد من جنود وضباط الجيش الحر، وبدا أن مهمة داعش هي تصفية المعارضة بدعم خارجي". وأضاف نعسان آغا في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لم نشهد أي تدخل روسي جاد ضد داعش، فكل الهجمات الروسية بالطيران كان ضحاياها مواطنون سوريون مدنيون".
ومضى نعسان آغا في تعليقه على تصريحات لافروف بالقول: "لقد رفضت روسيا إقامة منطقة آمنة يلجأ إليها المدنيون، وتوفر لهم حماية، وعلى لافروف أن يقول للمدنيين إلى أين يذهبون هرباً من صواريخه العنقودية وأسلحته المدمرة؟". وجدد المعارض السوري التذكير بأن روسيا عطّلت قرارات مجلس الأمن حين رفضت تنفيذ ما وقعت عليه لناحية إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار ووقف قصف المدنيين. واعتبر نعسان آغا أن لافروف "يريدنا أن نقبل ببقاء الأسد رئيساً، وهذا أمر عجيب، كأنه لا يعرف أن الشعب السوري قام بثورة ضد طغيان واستبداد الأسد الذي دمر سورية، وقتل واعتقل شعبها... يريد من المعارضة أن تقبل بالأسد، وتمنحه فرصة لقتل البقية واعتقالهم".
بدوره، رأى سفير الائتلاف الوطني السوري في روما بسام العمادي في اتهام لافروف للهيئة بعرقلة التفاوض "محاولة منه لإدخال (معارضات) أخرى في سير المفاوضات"، مشيراً إلى أن موسكو وواشنطن "تقفان على طرفي نقيض"، مضيفاً أن "الروس يريدون من المعارضة السورية التي يصفونها بالمعتدلة الخروج من مناطق جبهة النصرة، بينما يريد الأميركيون ألا تستهدف روسيا هذه الفصائل، وليس تركها لمراكزها". وكان لافروف قد رفض يوم الإثنين في تصريحات صحافية فكرة تغيير نظام الأسد، معتبراً من يدعون إلى إطاحته "أشراراً وأوغاداً".