سورية: "تقدُّم" كيري ولافروف يمهّد لعودة جنيف في أغسطس

27 يوليو 2016
63EB045C-243B-4803-AA5F-AB6678B67523
+ الخط -
لا تزال المواقف والوعود الدولية المتصلة بالملف السوري تسير في وادٍ والوقائع على الأرض تجري في وادٍ آخر تماماً. فبين آمال وأمنيات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، والمبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بأن يحمل شهر أغسطس/ آب المقبل، مطلعه (كما يشتهي كيري) أو أواخره (بحسب توقعات دي ميستورا)، تطورات تندرج في خانة "الحل السياسي"، يبقى موقف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هو الأكثر "صدقاً" في تغطية جرائم جيشه والنظام السوري وحلفائه تحت شعار أولوية "محاربة الإرهاب" الذي يشمل، بحسب التعريف الروسي، كل من يعارض ويحارب نظام بشار الأسد. وبدا أن التصنيف الإرهابي صار يشمل هدفاً جديداً للافروف وحكام بلده، وهو الهيئة العليا للتفاوض، الممثل العريض للمعارضة السورية، والتي حملها مسؤولية إفشال المحادثات السياسية التي تجري كل جولة منها تحت غطاء ناري روسي ــ سوري نظامي يسجل أعلى نسبة قتل للمدنيين بحسب ما تثبته تجارب جنيف واحد واثنان وثلاثة

وسجل يوم أمس اجتماعات طويلة مترابطة بين كيري ولافروف في لاوس، من جهة، وفي جنيف بين دي ميستورا ونائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، والمبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني من جهة ثانية. وبدا الترابط بين الاجتماعين واضحاً، في إحالة كل من كيري ودي ميستورا إلى الاجتماع الآخر، وكأن لاوس كانت تحتضن صباحاً اجتماعاً طابعه الأكبر عسكري بين وزيري الخارجية، وعلى هذا الأساس تم تحديد موعد اجتماعات جنيف بعد الظهر لكي يكون مضمون لقاء الوزيرين قد وصل إلى الثلاثي الروسي الأميركي الأممي في سويسرا. وبالفعل، ما إن أعلن كيري عن أن "تقدماً قد أحرز" في لقائه مع لافروف، حتى بدا كلام دي ميستورا وكأنه اقتباس حرفي فقال أيضاً إن "تقدماً قد أحرز"، متوقعاً انعقاد جولة جديدة من محادثات جنيف "بشرط أن تبذل كل من الولايات المتحدة وروسيا المزيد من الجهد في الأيام المقبلة"، كاشفاً أن الاجتماع الثلاثي الذي عقد في "جنيف تركز على الحاجة الملحة لإحراز تقدم في ما يتعلق بوقف العمليات القتالية في سورية وإيصال المزيد من المساعدات الإنسانية ومكافحة الإرهاب والتحول السياسي". لكن الفارق الوحيد بين كلام كيري ودي ميستورا كان موعد التفاؤل المرتقب، هل هو مطلع أغسطس أو أواخره؟


وحده لافروف ظلّ مصراً على التمسك بلغته غير الدبلوماسية ونهجه العدواني المعروف عنه، فاتهم المعارضة السورية بعرقلة المفاوضات، وذلك بعد ساعات من توجيهه شتائم غير مسبوقة لكل "الأوغاد والأنذال" الذين يريدون إطاحة رئيس النظام السوري بشار الأسد، على حد تعبيره في مقابلة صحافية. ومثلما تبقى الجرائم الروسية بلا أي ردّ دولي أو إقليمي ممن يدعون أنهم حريصون على الثورة السورية، فقد مرّت شتائم لافروف أيضاً بلا أي ردّ من عواصم القرار.

وتحاول موسكو تغليب ملف "تدمير" جبهة النصرة وتنظيم "داعش" على ما عداه من ملفات، في حين تسعى واشنطن الى ممارسة ضغط روسي على نظام الأسد للتوقف عن استهداف المعارضة السورية التي تصفها بـ"المعتدلة"، والذي ارتفعت وتيرته في الآونة، خاصة في محافظتي إدلب وحلب شمال سورية. وذكرت مصادر مطلعة أن اجتماع جنيف الثلاثي "ربما يكون حاسماً لجهة إنعاش الآمال في تحريك الملف السياسي"، مضيفة: في حال توصل موسكو وواشنطن الى اتفاق يتعلق بالتنسيق العسكري في ما يخص محاربة "جبهة النصرة"، فسيدعو دي ميستورا قريباً إلى جولة مفاوضات جديدة في جنيف لمناقشة مسألة الانتقال السياسي. وبالفعل، أعلن دي ميستورا عن توقعه بأن تستأنف محادثات السلام السورية "أواخر أغسطس، وقد أحرزنا هنا بعض التقدم" على حد تعبيره.

وسبق لكيري أن قدم مسودة اتفاق تنسيق عملياتي ومخابراتي لمحاربة "النصرة" إلى الجانب الروسي إبان زيارته إلى موسكو قبل أسبوعين، ليكون محور اجتماعات الخبراء في جنيف. وأعرب كيري عن أمله، بعد لقائه لافروف على هامش قمة دول جنوب شرق آسيا في دولة لاوس، بأن يكون مطلع أغسطس/ آب المقبل موعداً لإعلان تفاصيل خطة أميركية بشأن تعاون عسكري أوثق مع روسيا، ومشاركة معلومات مخابراتية مع هذه الدولة. وقال كيري في مؤتمر صحافي: "آمل أن نكون في مطلع أغسطس/ آب في وضع يؤهلنا للوقوف أمامكم وإخباركم ما الذي يمكننا فعله، على أمل أن يصنع هذا فارقاً في حياة الشعب السوري، ومسار الحرب". من جانبه، قال لافروف إن الاتفاقات مع واشنطن "تتعلق بخطوات عملية يجب اتخاذها من أجل محاربة الإرهابيين في سورية بفعالية، وعدم السماح بوجود من يطلق عليهم المعارضين المعتدلين في الأراضي الخاضعة لسيطرة الإرهابيين". وتابع لافروف بالقول إن "هؤلاء يريدون المشاركة في نظام الهدنة، ويسعون في الوقت نفسه للسماح لتنظيمي داعش والنصرة بالاستفادة من هذا النظام والحيلولة دون تكبد التنظيمين أي خسائر".

واتهم لافروف الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية بعرقلة المفاوضات، وقال: "تتخذ ما تسمى الهيئة العليا للمفاوضات حتى الآن موقفا غير بناء، وهي لا تطرح أي اقتراحات، بل تقدم إنذارات لا يمكن أن تؤدي إلى شيء إيجابي، وتصر على رحيل الأسد". وأضاف "لنرى بعد ذلك ما نفعل مع العملية السياسية. إنه موقف لا يؤدي إلا إلى طريق مسدود". واعتبرت المعارضة السورية تصريحات لافروف "تجاهلاً للحقائق"، مطالبة بتنفيذ قرارات أممية وقعت عليها روسيا، وضربها نظام الأسد بعرض الحائط. وعن هذا الموضوع، أكد الناطق الرسمي باسم الهيئة رياض نعسان آغا، أن لافروف "تجاهل كون المعارضة السورية حاربت داعش منذ ظهوره"، مشيراً الى أن "داعش قام بقتل العديد من جنود وضباط الجيش الحر، وبدا أن مهمة داعش هي تصفية المعارضة بدعم خارجي". وأضاف نعسان آغا في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لم نشهد أي تدخل روسي جاد ضد داعش، فكل الهجمات الروسية بالطيران كان ضحاياها مواطنون سوريون مدنيون".

ومضى نعسان آغا في تعليقه على تصريحات لافروف بالقول: "لقد رفضت روسيا إقامة منطقة آمنة يلجأ إليها المدنيون، وتوفر لهم حماية، وعلى لافروف أن يقول للمدنيين إلى أين يذهبون هرباً من صواريخه العنقودية وأسلحته المدمرة؟". وجدد المعارض السوري التذكير بأن روسيا عطّلت قرارات مجلس الأمن حين رفضت تنفيذ ما وقعت عليه لناحية إطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار ووقف قصف المدنيين. واعتبر نعسان آغا أن لافروف "يريدنا أن نقبل ببقاء الأسد رئيساً، وهذا أمر عجيب، كأنه لا يعرف أن الشعب السوري قام بثورة ضد طغيان واستبداد الأسد الذي دمر سورية، وقتل واعتقل شعبها... يريد من المعارضة أن تقبل بالأسد، وتمنحه فرصة لقتل البقية واعتقالهم".

بدوره، رأى سفير الائتلاف الوطني السوري في روما بسام العمادي في اتهام لافروف للهيئة بعرقلة التفاوض "محاولة منه لإدخال (معارضات) أخرى في سير المفاوضات"، مشيراً إلى أن موسكو وواشنطن "تقفان على طرفي نقيض"، مضيفاً أن "الروس يريدون من المعارضة السورية التي يصفونها بالمعتدلة الخروج من مناطق جبهة النصرة، بينما يريد الأميركيون ألا تستهدف روسيا هذه الفصائل، وليس تركها لمراكزها". وكان لافروف قد رفض يوم الإثنين في تصريحات صحافية فكرة تغيير نظام الأسد، معتبراً من يدعون إلى إطاحته "أشراراً وأوغاداً".

ذات صلة

الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.
الصورة
البعثة الأميركية في إدلب، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

تواصل البعثة الأميركية في إدلب عملها، من خلال إجراء عمليات طبية جراحية نوعية يشرف عليها 25 طبيباً وطبيبة دخلوا مناطق سيطرة المعارضة، شمال غربي سورية...
الصورة
النازح السوري محمد معرزيتان، سبتمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

يُواجه النازح السوري محمد معرزيتان مرض التقزّم وويلات النزوح وضيق الحال، ويقف عاجزاً عن تأمين الضروريات لأسرته التي تعيش داخل مخيم عشوائي قرب قرية حربنوش
الصورة
غارات جوية إسرائيلية على دمشق 21 يناير 2019 (Getty)

سياسة

قتل 16 شخصاً وجُرح 43 آخرون، في عدوان إسرائيلي واسع النطاق، ليل الأحد- الاثنين، على محيط مصياف بريف حماة وسط سورية.