لا يعرف أغلب نقاد السينما أن سهى عراف، مخرجة وكاتبة العمل الفلسطيني المشارك في "أسبوع النقاد"، لها تجارب سابقة لافتة، كاتبة للسيناريو، خصوصاً مع المخرج الإسرائيلي عيران ريكليس، في فيلمين حققا نجاحاً كبيراً، هما "زيتون" و"شجر الليمون".
خاضت سهى تجربة الإخراج السينمائي بعد نجاحها في الوثائقيات، وسبق أن قدمت فيلم "نساء حماس" عام 2010، وهي واحدة من مخرجي فلسطيني الداخل ممن رفضوا اعتبار أعمالهم إسرائيلية الانتماء. لذلك لم يحمل شريط "فيللا توما" اسم أي بلد، لأن وضع اسم فلسطين عليه كان سيعرض المخرجة للملاحقة. غير أن الفيلم سيحمل اسم فلسطين في افتتاح مهرجان الإسكندرية الشهر الجاري.
يقدم شريط "فيلا توما" قراءة خاصة لحالة الشرخ الاجتماعي الفلسطيني، إذ يتناول عزلة الأقليات من خلال حياة عائلة مسيحية تعيش في رام الله أثناء الانتفاضة الأولى. يعالج الفيلم حالة الانعزال شبه الكلي جراء الاحتلال الإسرائيلي الذي فكك المجتمع الفلسطيني، وإذ تتطرق المخرجة لهذا الواقع، فهي تتطرق أيضاً لمسألة الأقليات في الشرق الأوسط، في ظل كل ما يجري من تحولات عاصفة.
العربي الجديد التقت المخرجة في البندقية، وكان هذا الحوار.
بأي انطباع خرجتِ من العرض الأول لشريطك "فيلا توما"، في الدورة الحادية والسبعين لمهرجان البندقية، في إطار تظاهرة "أسبوع النقاد"؟
الواقع أنني قبل مجيئي إلى البندقية، لم أتمكن من رؤية الفيلم، وبالنسبة لي كانت هذه هي المرة الأولى التي أراه فيها داخل قاعة عرض، واستمتعت به كمشاهدة. كنت متوترة في البداية، لكنني شاهدته باستمتاع كأنه لم يكن فيلمي. أنا فرحة بالنتيجة، لأن ردة فعل الجمهور كانت جيدة.
لماذا اخترت هذا العالم النسائي المقفل في رام الله؟
قبل أن أصبح كاتبة سيناريو ومخرجة، كنت صحافية. عقب توقيع أوسلو، ساد تفاؤل بقرب حلول السلام، شهدت رام الله في تلك الفترة حركة بناء ومشاريع بنية تحيتة..، فجأة بدأت تزدهر.
ذهبت للقاء رئيس بلديتها السابق، فحدثني عن فندق "رام الله"، ونصحني بزيارته. يقع الفندق جنب المنارة، ويفصله عن الشارع الرئيسي جدار كبير، وشجر سرو قديم عال. حين تفتحين باب الفندق تشعرين أنك دخلت إلى متحف. صاحبة الفندق السيدة عايدة عودة، توفيت قبل أشهر، كانت تعيش في الفندق وتحافظ على كل الأثاث القديم مغطّى بشراشف بيضاء.
ماذا وجدت في هذا "المتحف"؟
كان لديها الشمع والبخور، وصور الراحلين. كانت تعيش على ذكريات المكان. وجدت هنا صور لعمر الشريف وفاتن حمامة، للملك حسين الذي كان يأتي أحياناً إلى رام الله وينزل عندها، والرئيس القوَّتلي. إنها تعيش في الماضي، لديها جنايني يعتني بالحديقة، وهي تعيش بمفردها ولا تخرج. كأنها جمدت الوقت في فقاعة. هذه الصورة شدتني كثيراً. بعد ذلك بدأت بكتابة الفيلم، ورأيت أن شخصية واحدة ضئيلة ولا تخلق دينامكية. كان التحدي أن أخلق أربع شخصيات، وأطورها في هذا العالم المغلق.
هناك ابنة الأخ الشابة، وهناك (الأخوات الثلاث). هل هناك تلميح ما إلى تشيخوف؟
صحيح. كنت أبحث في الشريط عن شيئ من سمات عمل تشيخوف، حتى أن العنوان في نسخة العمل الأولى كان "الأخوات الثلاث". اعتقدت أن ذلك أفضل لديناميكية الفيلم. كنت أريد الاشتغال بين الأخوات وفي طباعهنّ، شخصية الأخت الطاغية، والمركبة عاطفياً، وتلك التي لا تفقه شيئاً، لأخلق صراعاً درامياً نفسياً بينهن، وأكشف عن كل ما يدور في الخارج. لدي ستة مشاهد خارجية فقط. فيلمي مثل البصل، طبقات تقشرينها واحدة تلو أخرى. هذا العالم المقفل، هذه البرودة العاطفية، هذه الوحدة، هذا الانعزال، حرصت على تصويرها رغم أن العالم تغير كثيراً. التقطت هذا الزمن الخارج عن الزمن، هذه الفقاعة الوقتية المنفردة..
كيف جاء اختيارك للممثلات؟
كان الأمر سهلاً جداً، لأنهن صديقاتي. أنا ونسرين نعرف بعضنا منذ أيام الطفولة، كلانا من قرى الجليل، ودرسنا معاً في مدرسة ترشيحا. أما علا طبري فأعرفها من أيام جامعة حيفا. شيرين دعيبس، تعرفتُ عليها حين قدمت فيلم "أميركا" في مهرجان حيفا. ثم التقينا في مهرجان الدوحة السينمائي. لم أقم بامتحان شاشة لأي منهن. المشكلة تمثلت في اختيار الصبية الصغيرة ابنة الأخ، ماريا زريق في دور بديعة.
هي تظهر لأول مرة؟
نعم. اختيارها كان أمراً صعباً، لأنني كنت أبحث عن صبية بعمر 16 أو 17 سنة، وكنت أريد فيها نوعاً من جمال خاص، كنت أريد أسئلة في عينيها. كنت أريد لعيونها أن تحكي وتتساءل.
أن يكون فيها سذاجة وطيبة وانكسار، لكن وفي نفس الوقت قوة تحدٍّ، وكل هذه الأشياء مركبة، إذ لا يكفي أن تحب شخصاً ما وهي مكسورة، كيف تهرب معه وتقيم معه علاقة، وهي آتية من تربية متزمتة. يجب أن تتمتع بقوة معينة، وكان يجب أن تشبه قليلاً عماتها. دور ماريا كان صعباً جداً أن أجد له الممثلة، أما الأخوات الثلاث فالأمر كان سهلاً.
هذا الفيلم يعرض للمرة الأولى في البندقية، ومسيرة إنتاجه كانت صعبة رغم محاولاتك، وخصوصاً لجهة أن الفيلم مُوِّل إسرائيلياً، لكنكِ رفضتِ أن يدرج تحت اسم إسرائيل، وخرج الفيلم من دون هوية. هذا ما وافقت عليه؟
فكرة الفيلم كانت قائمة لدي منذ عشر سنوات. بذلت محاولات مستميتة لتمويل العمل. توجهت إلى منتجين ومؤسسات أوروبية وعربية. من أجابني لم يعجبه سيناريو الفيلم، ومما قالوه لي مثلاً إنهم غير معنيين بفيلم عن "المسيحيين". من الأجوبة التي جاءتني أيضاً، أن الفيلم ليس فيه دراما، وأكثر من مرة سمعت أن الفيلم سطحي جداً.
كان هناك توقعات مني كفلسطينية، أن أكتب قصة معينة. بعد ذلك توجهت إلى العام العربي، وكان الجواب "لا"، عدة مرات. اضطررت إلى التوجه إلى الصناديق الإسرائيلية، يعني كمواطنة من سكان 1948. ثم لم نجد منتجاً يقوم بتبني الفيلم بميزانية ضئيلة، فاضطُررت أن أنتجه بنفسي. كانت تجربة جداً صعبة. جئنا بأشياء من بيوتنا. علا طبري جاءت بسجادة أمها وصور أبيها من بيتها. جمعنا الكثير من الأغراض من بيوتنا. كان الأمر صعباً.. أحياناً كنا نقوم بلقطة واحدة ولا نعيدها بسبب ضيق الوقت.
ضاع الفيلم بين فلسطين (المخرجة) وإسرائيل (الممولة)؟
بالنسبة لي الفيلم فلسطيني وسيبقى فلسطينياً. أنا فلسطينية والفيلم فلسطيني، وأحداثه تدور في رام الله. أتعرض لضغوط شرسة منذ شهر ونصف، حتى إذاعة الجيش الإسرائيلي دخلت على الخط... خمس وزارات تدخلت ضدي. كل ذلك لأني رفضت أن أسجل الفيلم باسم إسرائيل.
خاضت سهى تجربة الإخراج السينمائي بعد نجاحها في الوثائقيات، وسبق أن قدمت فيلم "نساء حماس" عام 2010، وهي واحدة من مخرجي فلسطيني الداخل ممن رفضوا اعتبار أعمالهم إسرائيلية الانتماء. لذلك لم يحمل شريط "فيللا توما" اسم أي بلد، لأن وضع اسم فلسطين عليه كان سيعرض المخرجة للملاحقة. غير أن الفيلم سيحمل اسم فلسطين في افتتاح مهرجان الإسكندرية الشهر الجاري.
يقدم شريط "فيلا توما" قراءة خاصة لحالة الشرخ الاجتماعي الفلسطيني، إذ يتناول عزلة الأقليات من خلال حياة عائلة مسيحية تعيش في رام الله أثناء الانتفاضة الأولى. يعالج الفيلم حالة الانعزال شبه الكلي جراء الاحتلال الإسرائيلي الذي فكك المجتمع الفلسطيني، وإذ تتطرق المخرجة لهذا الواقع، فهي تتطرق أيضاً لمسألة الأقليات في الشرق الأوسط، في ظل كل ما يجري من تحولات عاصفة.
العربي الجديد التقت المخرجة في البندقية، وكان هذا الحوار.
بأي انطباع خرجتِ من العرض الأول لشريطك "فيلا توما"، في الدورة الحادية والسبعين لمهرجان البندقية، في إطار تظاهرة "أسبوع النقاد"؟
الواقع أنني قبل مجيئي إلى البندقية، لم أتمكن من رؤية الفيلم، وبالنسبة لي كانت هذه هي المرة الأولى التي أراه فيها داخل قاعة عرض، واستمتعت به كمشاهدة. كنت متوترة في البداية، لكنني شاهدته باستمتاع كأنه لم يكن فيلمي. أنا فرحة بالنتيجة، لأن ردة فعل الجمهور كانت جيدة.
لماذا اخترت هذا العالم النسائي المقفل في رام الله؟
قبل أن أصبح كاتبة سيناريو ومخرجة، كنت صحافية. عقب توقيع أوسلو، ساد تفاؤل بقرب حلول السلام، شهدت رام الله في تلك الفترة حركة بناء ومشاريع بنية تحيتة..، فجأة بدأت تزدهر.
ذهبت للقاء رئيس بلديتها السابق، فحدثني عن فندق "رام الله"، ونصحني بزيارته. يقع الفندق جنب المنارة، ويفصله عن الشارع الرئيسي جدار كبير، وشجر سرو قديم عال. حين تفتحين باب الفندق تشعرين أنك دخلت إلى متحف. صاحبة الفندق السيدة عايدة عودة، توفيت قبل أشهر، كانت تعيش في الفندق وتحافظ على كل الأثاث القديم مغطّى بشراشف بيضاء.
ماذا وجدت في هذا "المتحف"؟
كان لديها الشمع والبخور، وصور الراحلين. كانت تعيش على ذكريات المكان. وجدت هنا صور لعمر الشريف وفاتن حمامة، للملك حسين الذي كان يأتي أحياناً إلى رام الله وينزل عندها، والرئيس القوَّتلي. إنها تعيش في الماضي، لديها جنايني يعتني بالحديقة، وهي تعيش بمفردها ولا تخرج. كأنها جمدت الوقت في فقاعة. هذه الصورة شدتني كثيراً. بعد ذلك بدأت بكتابة الفيلم، ورأيت أن شخصية واحدة ضئيلة ولا تخلق دينامكية. كان التحدي أن أخلق أربع شخصيات، وأطورها في هذا العالم المغلق.
هناك ابنة الأخ الشابة، وهناك (الأخوات الثلاث). هل هناك تلميح ما إلى تشيخوف؟
صحيح. كنت أبحث في الشريط عن شيئ من سمات عمل تشيخوف، حتى أن العنوان في نسخة العمل الأولى كان "الأخوات الثلاث". اعتقدت أن ذلك أفضل لديناميكية الفيلم. كنت أريد الاشتغال بين الأخوات وفي طباعهنّ، شخصية الأخت الطاغية، والمركبة عاطفياً، وتلك التي لا تفقه شيئاً، لأخلق صراعاً درامياً نفسياً بينهن، وأكشف عن كل ما يدور في الخارج. لدي ستة مشاهد خارجية فقط. فيلمي مثل البصل، طبقات تقشرينها واحدة تلو أخرى. هذا العالم المقفل، هذه البرودة العاطفية، هذه الوحدة، هذا الانعزال، حرصت على تصويرها رغم أن العالم تغير كثيراً. التقطت هذا الزمن الخارج عن الزمن، هذه الفقاعة الوقتية المنفردة..
كيف جاء اختيارك للممثلات؟
كان الأمر سهلاً جداً، لأنهن صديقاتي. أنا ونسرين نعرف بعضنا منذ أيام الطفولة، كلانا من قرى الجليل، ودرسنا معاً في مدرسة ترشيحا. أما علا طبري فأعرفها من أيام جامعة حيفا. شيرين دعيبس، تعرفتُ عليها حين قدمت فيلم "أميركا" في مهرجان حيفا. ثم التقينا في مهرجان الدوحة السينمائي. لم أقم بامتحان شاشة لأي منهن. المشكلة تمثلت في اختيار الصبية الصغيرة ابنة الأخ، ماريا زريق في دور بديعة.
هي تظهر لأول مرة؟
نعم. اختيارها كان أمراً صعباً، لأنني كنت أبحث عن صبية بعمر 16 أو 17 سنة، وكنت أريد فيها نوعاً من جمال خاص، كنت أريد أسئلة في عينيها. كنت أريد لعيونها أن تحكي وتتساءل.
أن يكون فيها سذاجة وطيبة وانكسار، لكن وفي نفس الوقت قوة تحدٍّ، وكل هذه الأشياء مركبة، إذ لا يكفي أن تحب شخصاً ما وهي مكسورة، كيف تهرب معه وتقيم معه علاقة، وهي آتية من تربية متزمتة. يجب أن تتمتع بقوة معينة، وكان يجب أن تشبه قليلاً عماتها. دور ماريا كان صعباً جداً أن أجد له الممثلة، أما الأخوات الثلاث فالأمر كان سهلاً.
هذا الفيلم يعرض للمرة الأولى في البندقية، ومسيرة إنتاجه كانت صعبة رغم محاولاتك، وخصوصاً لجهة أن الفيلم مُوِّل إسرائيلياً، لكنكِ رفضتِ أن يدرج تحت اسم إسرائيل، وخرج الفيلم من دون هوية. هذا ما وافقت عليه؟
فكرة الفيلم كانت قائمة لدي منذ عشر سنوات. بذلت محاولات مستميتة لتمويل العمل. توجهت إلى منتجين ومؤسسات أوروبية وعربية. من أجابني لم يعجبه سيناريو الفيلم، ومما قالوه لي مثلاً إنهم غير معنيين بفيلم عن "المسيحيين". من الأجوبة التي جاءتني أيضاً، أن الفيلم ليس فيه دراما، وأكثر من مرة سمعت أن الفيلم سطحي جداً.
كان هناك توقعات مني كفلسطينية، أن أكتب قصة معينة. بعد ذلك توجهت إلى العام العربي، وكان الجواب "لا"، عدة مرات. اضطررت إلى التوجه إلى الصناديق الإسرائيلية، يعني كمواطنة من سكان 1948. ثم لم نجد منتجاً يقوم بتبني الفيلم بميزانية ضئيلة، فاضطُررت أن أنتجه بنفسي. كانت تجربة جداً صعبة. جئنا بأشياء من بيوتنا. علا طبري جاءت بسجادة أمها وصور أبيها من بيتها. جمعنا الكثير من الأغراض من بيوتنا. كان الأمر صعباً.. أحياناً كنا نقوم بلقطة واحدة ولا نعيدها بسبب ضيق الوقت.
ضاع الفيلم بين فلسطين (المخرجة) وإسرائيل (الممولة)؟
بالنسبة لي الفيلم فلسطيني وسيبقى فلسطينياً. أنا فلسطينية والفيلم فلسطيني، وأحداثه تدور في رام الله. أتعرض لضغوط شرسة منذ شهر ونصف، حتى إذاعة الجيش الإسرائيلي دخلت على الخط... خمس وزارات تدخلت ضدي. كل ذلك لأني رفضت أن أسجل الفيلم باسم إسرائيل.
قالوا لي، "هذا الفيلم لنا وليس لك. نحن مولناه". لكني أصررت على أن التمويل لا يحدد هوية الفيلم. هوية المخرج هي من تحدده. الصراع صراع سياسي، تدخلت فيه وزيرة الثقافة التي تخوض حالياً انتخابات في الليكود. وزير الاقتصاد ادّعى بأنه استدعاني لاستجواب، وأنا لم يصلني أي شيء من هذا القبيل.
تعرضت لمضايقات بسبب موقفك؟
قبل مجيئي إلى هنا بيوم أرسلوا إلي رسالة من قبل محامٍ، طالبوني فيها بأن أغير الشريط إلى فيلم إسرائيلي في 24 ساعة. فقلت لنذهب إلى المحكمة، ليس هناك في عقودي أي بند ينص على أن فيلمي إسرائيلي.
من حقي أن آخذ هذه الأموال، وفي حالتي حاربت على ثلاثة جبهات: حاربت دفاعاً عن هويتي. حاربت حمايةً عن حقوقنا، نحن -فلسطينيي الداخل- ندفع الضرائب لهذه الدولة، نحن نشكل عشرين بالمئة من سكان (دولة إسرائيل)، وحقنا من ميزانية وزارة الثقافة عشرين في المئة، فيما نحن نأخذ أقل من واحد في المئة. من ينجز الأفلام على حسابنا هم المخرجون الإسرائيليون، وليس نحن.
إنها قصة كل فلسطينيي الداخل. نحن في آخر فترة تعرضنا لحملة عنصرية غير مسبوقة. العدوان على غزّة أخرج الشياطين، و"شفنا الويلات". العنصرية هذه المرة كانت أشد شراسة وضراوة. في مظاهرات الإسرائيليين كان صراخ "الموت للعرب" في كل مكان.
تعرضت لمضايقات بسبب موقفك؟
قبل مجيئي إلى هنا بيوم أرسلوا إلي رسالة من قبل محامٍ، طالبوني فيها بأن أغير الشريط إلى فيلم إسرائيلي في 24 ساعة. فقلت لنذهب إلى المحكمة، ليس هناك في عقودي أي بند ينص على أن فيلمي إسرائيلي.
من حقي أن آخذ هذه الأموال، وفي حالتي حاربت على ثلاثة جبهات: حاربت دفاعاً عن هويتي. حاربت حمايةً عن حقوقنا، نحن -فلسطينيي الداخل- ندفع الضرائب لهذه الدولة، نحن نشكل عشرين بالمئة من سكان (دولة إسرائيل)، وحقنا من ميزانية وزارة الثقافة عشرين في المئة، فيما نحن نأخذ أقل من واحد في المئة. من ينجز الأفلام على حسابنا هم المخرجون الإسرائيليون، وليس نحن.
إنها قصة كل فلسطينيي الداخل. نحن في آخر فترة تعرضنا لحملة عنصرية غير مسبوقة. العدوان على غزّة أخرج الشياطين، و"شفنا الويلات". العنصرية هذه المرة كانت أشد شراسة وضراوة. في مظاهرات الإسرائيليين كان صراخ "الموت للعرب" في كل مكان.
أنت تتناولين الأقلية المسيحية في المجتمع الفلسطيني، هل هذا نابع من تجربة خاصة، أم بسبب أن هذا الموضوع لم تتطرق إليه السينما الفلسطينية؟
حين كتبت الفيلم لم تكن مشكلة المسيحيين قد برزت في العراق، ولا كانت هناك "داعش". لم أفكر بعمل فيلم مسيحي، أنا غير متدينة، لكنني أحترم كل شخص متدين. وفي رام الله الستينيات كانت نسبة المسيحيين تشكل أكثر من تسعين في المئة، اليوم هذه النسبة هي أقل من عشرة في المئة، هذا ما عثرتُ عليه خلال عملية بحثي، كما كان فيها طبقة أرستقراطية كبيرة جداً.
يعني أنا مهم بالنسبة لي ، أن تعرف أوروبا ذلك. أغلب الناس لا يدرون بوجود عرب مسيحيين، ولا فلسطينيين مسيحيين. كان يهمني ان أظهر هذه الصورة، لم يكن هناك قرار وتخطيط مسبق للأمر.
قبل هذا الفيلم حققتِ نجاحاً في كتابة السيناريو لأكثر من فيلم. هل الكتابة بالنسبة لك غير كافية؟
أنا أريد أن أكمل في كتابة السناريوهات، وأكتب حالياً لغيري. أكتب سيناريو للمخرج البوسني دانيس تانوفيتش، وأكتب للمخرج الإسباني خوليو سوتو. لكنني في الوقت نفسه حين كتبت "فيلا توما" عرفت أنني أكتب السيناريو لأخرجه بنفسي.
ماذا تركت لكِ هذه التجربة من أثر؟
أقدر كل امرأة تقوم بصنع فيلم، حتى ولو لم يكن عملها موفقاً. بعد هذه التجربة اكتشفت كم هو صعب أن تقوم امرأة بعمل فيلم، وبتُّ أفهم اليوم لماذا ليس عندنا الكثير من المخرجات. أكتب حالياً سيناريو فيلم "جفاف"، هناك منتج، وأحب أن أصوره في الأردن، وسأعمل مع جمال سليمان بعد أن التقينا في الدوحة، وأبدى موافقته على أن يكون بطل فيلمي القادم.