"أكثر الناس مهارة في دق ونقش الحجارة هم أهل صفد"، يظهر الفنان الفلسطيني سمير سلامة (1944) في فيلم وثائقي "ملح الأرض" والذي أنتج ضمن مشروع بعنوان "سبعة أساتذة في الفن الفلسطيني"، ابن صفد تحدث مسروراً عن الناس الذين ينتمي إليهم في مدينة هُجّر منها، لينتقل طفلاً لاجئاً مع عائلته إلى سورية ويكبر فيها ويدرس في كلية الفنون الجميلة في دمشق، ثم منها ينتقل شاباً إلى بيروت فباريس ليكمل دراسته في الفن هناك.
اليوم وسلامة يصارع المرض بشجاعة، تقام له أربعة معارض متزامنة في صالات مختلفة في فلسطين، في "غاليري زاوية" و"غاليري وان" في رام الله، وفي "حوش الفن الفلسطيني" في القدس، وفي "باب الدير" في بيت لحم، وتتواصل جميعها حتى 15 آب/ أغسطس المقبل، لتجمع 150 لوحة رصد فيها المكان الأول والطبيعة والريف والأحياء الشعبية والقرى السورية ومجمل التجربة الفلسطينية، بلغة بصرية تجريدية وألوان شديدة التنوع والثراء.
حضر سلامة إلى "غاليري وان" حيث كان الافتتاح، يلف أنبوب التنفس حول وجهه وعنقه يمتد موصولاً إلى آلة تستنشق بدلاً منه الهواء وتضخه، يقول وهو جالس في معرضه "أيها الموت هزمتك الفنون كلها"، هو الذي رسم أربعين عملاً في عام 2015 رغم أنف المرض، بعضها يصل في الحجم إلى متر ونصف.
يلتقط سلامة في أعماله صفات الطبيعة الزائلة ويثبّتها، الجمال اللوني والمساحات الخضراء تتسع في أعماله وتصبح أكثر خضرة وامتلاء، يقترب في ذلك من ريشة الانطباعيين دون أن يتماهى معها، بل إنه تجريدي بامتياز، لذلك نجد عنده التصوير الواضح للأشكال والمنظور الخطي واللون الجريء والتركيبات غير التقليدية اللافتة للنظر، والتي تعطي تدرّجات كثيرة من الضوء والظل والطقس داخل المشهد في لوحاته المصرّة على البقاء في الهواء الطلق.
يقول سلامة -في حديث سابق معه- إنه بدأ فناناً واقعياً؛ "المفردات البصرية تجعل الفنان يذهب باتجاه معين فحتى في الواقعية كنت أميل إلى تبسيط الأمور لكي تكون فيها حياة. عندما وصلت إلى معلولا، وهي قرية على بعد 50 كيلومتراً من دمشق، اكتشفتُ فيها شيئاً جميلاً، ويبدو بأنها أثرت بي حتى اليوم فقد بدت وكأنها مبنية مثل هذه اللوحة التي أرسمها الآن- بيوت مركبة فوق بعضها البعض، هنا شباك وهناك خشب، وكأنها تجريد". يضيف "كأنني "انختمت" أو "انطبعت" وتأسست بالتبسيط لمستوى معين، وفهمت بعد ذلك بأن عليّ أن أبحث لكي أتطور كفنان لا أن أكون أسير فكرة أو أسلوب وأن أضع نفسي بهكذا قفص فظللت أطوّر نفسي".
تدرّج سلامة من الواقعية إلى التبسيط وحتى التجريد الذي يقول عنه "لم أصله فجأة أو بدون جهد أو كهروب كما يعتقد البعض". يأتي سلامة إلى افتتاح معرضه ويتحدث بما يملك من أوكسجين، يأتي متعباً، إلى فلسطين التي زارها أول مرة "تهريب" عام 1960 حين تقمص هوية طالب سوري مع رفاق له وزاروا القدس ثم رام الله ثم تجولوا في الضفة الغربية قبل العودة إلى اللجوء. لنقل إن الفنان الفلسطيني يسكن في لوحته منذ أن أتقنت يداه الرسم، وأنه بنى مكاناً فيها لن يسلبه منه أحد.