سليم قبلاوي... لم ينس بستان الفلسطينيين

28 يناير 2020
يسعى إلى تسلية نفسه (العربي الجديد)
+ الخط -
يتذكر سليم قبلاوي مدينته عكا. لم يكن لبنان غربة تماماً لأن والدته لبنانية، لكن أحوال الفلسطينيين هي التي تشعره بالخوف

كان والد الحاج سليم قبلاوي المولود في عكا (82 عاماً) يعمل في السفن البحرية، ويتنقل ما بين عكا ومدينة صيدا في جنوب لبنان. وفي إحدى رحلاته، رأى والدته وهي لبنانية صيداوية، فأحبها وتزوجها، وانتقلت معه إلى عكا. يذكر أن والده كان من الأقوياء، أو ما يعرف بـ "القبضاي". لم يكن يخاف شيئاً، وواجه الاحتلال الإسرائيلي قبل اللجوء إلى لبنان.

يقول سليم قبلاوي، الذي يعيش في مدينة صيدا (جنوب لبنان)، والذي عمل حلّاقاً رجالياً: "عندما بدأت المعارك في مدينة عكا، كنت وأمي وجدتي وأبي في البيت. بدأ الصهاينة قصف المدينة بالطائرات. وحين قصفوا سكة الحديد، اشتعلت النار في المنطقة، فطلب والدي منا الذهاب إلى لبنان بالحافلة، إلا أنه رفض المجيء معنا". يتابع: "ركبنا الباص وتوجهنا إلى طريق الجنوب اللبناني، ثم إلى مدينة صيدا حيث كان لنا أقرباء". يضيف: "بعد مرور ستة أشهر على لجوئنا إلى لبنان، لحق بنا والدي، وقد وصل عن طريق التهريب مع مجموعة من الشباب خوفاً من أن يأسرهم الصهاينة أو يقتلوهم لأنهم واجهوا العدو".

يتذكر سليم: "حين جاء والدي مرتدياً بزّته الخاصة بالسفن، كان قد وضع في أطرافها عند الأزرار، وفي الأكمام، بعض الأموال، وأخبر أمي بالأمر، واعتمدت عليها العائلة للعيش. كانت حالتنا المادية جيدة إلى أن بدأ المال ينفد، فصار يبيع القهوة. في تلك الفترة، كان الفلسطينيون يجتمعون في المدينة، وتحديداً في منطقة سميت ببستان الفلسطينيين. كانوا يطهون الطعام ويمضون وقتاً مع بعضهم بعضاً، وقد أصبح المكان اليوم مركزاً لقوى الأمن الداخلي".

يضيف: "شهدت أربع ثورات في حياتي، بدءاً من فلسطين. كما عرفت ثورة كميل شمعون، وما زلت أذكر مدينة صيدا التي طُوّقت بأكياس الرمل، وانقطع الطعام عن المدينة. كنا نخرج على البغال، ونحضر الطعام عليها حتى نساعد في وصول المواد الغذائية للناس".

عمل سليم قبلاوي في الحلاقة لمدة اثنين وخمسين عاماً، وربّى أولاده من هذه المهنة. لكن بعد مرور كل هذا الوقت شعر بالتعب، ولم يعد يستطيع الوقوف لفترة طويلة. أغلق محله وبات أولاده يتولون إعالته. يقول: "في لبنان، ليست لنا أية حقوق. تعمل وتتعب وتضحي بكل ما لديك، لكن في النهاية لا أحد يقف إلى جانبك". وفي ما يتعلّق بالصحة، يشعر أن في الأمر تحدياً. وحين يقصد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، يشعر وكأنه يستجدي المال منهم، بحسب ما يشرح. يتابع: "أعلم أن هناك ضغوطاً على الوكالة، لكن من أين نأتي بالمال من أجل الحصول على الدواء؟ أنا رجل في الثانية والثمانين من عمري، ولم يعد باستطاعتي العمل، وأولادي يقدمون لي المساعدة. هم أيضاً آباء ولديهم أولاد يريدون أن يؤمّنوا لهم حياة كريمة".




يختم: "أنا رجل مناضل، حاربت عام 1975 في لبنان، وواجهت العدو الصهيوني عام 1982 وأُصبت خلال المعارك. كنت وما زلت رجلاً حرّاً، وحاربت من دون أن أنتسب إلى أي تنظيم. كان انتمائي لوطني فقط. في ذلك الوقت لُقبت بالنسر الأخضر. واعتقلت في سجون العدو الصهيوني في فلسطين المحتلة، ومكثت في المعتقل في عسقلان مدة سنتين. ثم نقلت إلى معتقل أنصار (جنوب لبنان)، وبقيت فيه مدة تسعة أشهر، وكان أولادي صغاراً حينها".
المساهمون