سليمان دميريل... "الثعلب التركي" وملك الحكومات الائتلافية

18 يونيو 2015
كان دميريل ماهراً بالتعامل مع العسكر التركي(الأناضول)
+ الخط -
طوى الرئيس التركي السابق، سليمان دميريل، بوفاته فجر أمس الأربعاء، في العاصمة التركية أنقرة عن عمر ناهز الـ91 عاماً، صفحة آخر مشايخ اليمين التركي بل والساسة الأتراك عموماً، الذين شهدوا تقريباً جميع المفاصل التاريخية التي مرت بها الجمهورية التركية منذ دخولها التعددية الحزبية في خمسينيات القرن الماضي.

بعد حصوله على الدراسات العليا من الولايات المتحدة الأميركية في هندسة السدود في الخمسينيات، دخل دميريل السياسة في العام 1960 بوصفه أحد أعضاء اللجنة المركزية لحزب العدالة الذي يعتبر وريث الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس، والذي أعدم بدوره بانقلاب عسكري في العام 1961. اعتزل دميريل السياسة بعد أقل من ثلاثة أعوام على هذه الأحداث، إثر التظاهرات التي اندلعت أمام مقر الحزب، بعد إفراج العسكر المشروط عن الرئيس السابق جلال باير أحد رفاق مندريس، قائلاً كلمته الشهيرة التي بدت وكأنها نبوءة "لن يكون هناك ديمقراطية في تركيا إلا بعد خمسين عاماً". وهذا تقريباً ما حصل، فلم يتم إنهاء وصاية العسكر إلا منذ أعوام بعد عمليتي "أرغنكون" و"المطرقة" ضد قيادات الجيش في العام 2012، في عهد حكومة العدالة والتنمية بقيادة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.

اقرأ أيضاً: مناورات للمعارضة التركية لإزاحة "العدالة والتنمية"

عاد "الثعلب التركي" إلى الحزب الديمقراطي في العام 1964، واستطاع الحصول على زعامة الحزب، على الرغم من المنافسة الشديدة التي شهدها من قبل سعد الدين بيلغيج، الذي كان يلقب بـ "الرئيس الكبير"، والذي قاد ضد دميريل حملة اتهمه خلالها بالانتماء للماسونية. وهو الأمر الذي لم يرد عليه الأخير، فانتشرت الإشاعة بين صفوف الحزبين وجعلته مشهوراً، ليدفع بأحد المقربين منه إلى إرسال سؤال لأحد قيادات المجمع الماسوني في تركيا حول عضوية دميريل، فكان الجواب بالنفي، لتنقلب الإشاعة لصالحه ويحصل على رئاسة الحزب.
لم ينتظر الحزب الديمقراطي كثيراً في عهد دميريل ليحصل على الأغلبية البرلمانية في انتخابات 1965 ويشكل حكومة أغلبية، وبالتالي أصبح دميريل أصغر رئيس وزراء في تاريخ تركيا، وثالث رئيس وزراء ينتخب بشكل ديمقراطي، والممثل الأول لجيل ما بعد مؤسسي الجمهورية وأبطال حرب الإنقاذ، إثر انسحاب جلال باير من السياسة، وانخفاض شعبية زعيم حزب الشعب الجمهوري عصمت إينونو بعد مساندته انقلاب 1960.

كان دميريل ماهراً بالتعامل مع العسكر التركي. وخوفاً من قيام الجيش بانقلاب آخر، ضغط دميريل لتخفيف معارضة الحزب لاختيار رئيس من عسكر انقلاب 1960، دافعاً بالجنرال التركي جودت سوناي لمنصب الرئاسة في العام 1966، خلفاً للجنرال جمال غورسل. وعلى الرغم من إدراك "الثعلب التركي" العالي لتوازنات القوى في الجيش التركي، لكنه شهد في ما بعد ثلاثة انقلابات عسكرية خلال وجوده في رئاسة الوزراء أو رئاسة الجمهورية.
شهدت الحقبة الأولى لدميريل في رئاسة الوزراء بين عامي 1965-1971 واحدة من أهم الدفعات للاقتصاد التركي الذي حقق نمواً ملحوظاً، وانخفاضاً كبيراً في نسبة التضخم وصلت للخمسة في المائة، ونمواً بنسبة 7 في المائة، بما كان يجعل تركيا على قدم المساواة مع اليابان في تلك الحقبة، لتنتهي هذه الحقبة بانقلاب 1971.
أجبر دميريل على الاستقالة بعد انقلاب العام 1971، ولم يستطع حزبه الحصول على الأغلبية الكافية لتكوين الحكومة وحده في انتخابات 1973، لتبدأ بعدها مسيرة مختلفة تماماً من الحكومات الائتلافية، لُقِّب دميريل على أثرها بـ "ملك الحكومات الائتلافية" لما عرف عنه من قدرة عالية على قيادة مختلف الأحزاب في حكوماته المتعاقبة.
منع دميريل كباقي القيادات السياسية من العمل السياسي إثر انقلاب 1980، ليعود إلى السياسة بعد ست سنوات، ويتزعم حزب الطريق القويم الذي خلف حزب العدالة، ليترأس حكومة ائتلافية مرة أخرى مع حزب الشعب الديمقراطي الاشتراكي (وريث حزب الشعب الجمهوري حينها) بين عامي 1991 و1993، ليخلف الرئيس التركي السابق تورغت أوزال، ويشغل منصب الرئاسة بين عامي 1993 و2000.

اقرأ أيضاً تركيا: اللوبيات الاقتصادية تستنفر على خط مفاوضات تشكيل الحكومة

دلالات
المساهمون