سلفيو جنوب اليمن على مشارف عهد سياسي

31 يوليو 2015
خسر سلفيو الشمال موقعهم في صنعاء (فرانس برس)
+ الخط -
أجبرت الأحداث المتلاحقة التي شهدها اليمن والمنطقة العربية، التيار السلفي في جنوب اليمن على خوض غمار السياسة. الباب الذي كان محرّماً الولوج منه قبل سنوات. ويحضر سلفيو جنوب اليمن في الأزمة الحالية، التي تمرّ بها البلاد بشكل بارز، من خلال التواجد الكثيف لمقاتليهم في مختلف جبهات القتال ضد الحوثيين، أو من خلال العمل السياسي لتفعيل دورهم سياسياً بين الأطراف السياسية التقليدية في البلاد.

ويقود شيوخ دين سلفيون عدداً من جبهات القتال ضد الحوثيين في الجنوب، كما يتواجد مئات الشباب السلفيين في مختلف الجبهات لحماية مدن الجنوب، من تمدد الحوثيين، العدو التاريخي والخصم اللدود للسلفيين، الذين يرون في تمدّده خطراً على مدن الجنوب.

وبين حين وآخر تظهر على مواقع التواصل الاجتماعي صور لشهداء سلفيين، معظمهم من طلاب المعاهد الدينية، سقطوا في جبهة عدن أو لحج وغيرها من المحافظات، مما يُشير إلى أن السلفيين يخوضون الحرب على أنها دينية.

كما افتتحوا في السياق، عدداً من المعسكرات التدريبية لمدّ الجبهات بمقاتلين، ويقفون في حضرموت، شرقي البلاد، بكل ثقلهم خلف "المجلس الأهلي الحضرمي"، الذي يدير شؤون مدينة المُكلّا، ويرون في نجاحه "مكسباً مستقبلياً لهم".

وبعد سقوط معقل السلفيين في دماج، بصعدة، شمالي البلاد، في الحرب التي استمرت لأشهر مطلع العام الماضي، اتجه مئات السلفيين إلى مدن الجنوب، حيث الحاضنة المناسبة لهم، ليُصبحوا رقماً صعباً الآن في صفوف "المقاومة الشعبية" في الجنوب.

اقرأ أيضاً المهرة خارج السياق اليمني: المحافظة الأكثر هدوءاً

لم يخرج السلفيون من "لا شيء"، فهم يمتلكون مئات المراكز التعليمية والجمعيات والمؤسسات الخيرية، حظي بعضها بدعم سخي من دول خليجية خلال السنوات الماضية. مع العلم أنهم يتنافسون مع التيار الصوفي في استقطاب الشباب لكن هذا التنافس لا يزال سلمياً ولم يصل لدرجة الصراع أو المواجهة. ولسنوات كان الحديث عن السياسة بالنسبة للسلفيين، محصوراً في "طاعة ولي الأمر" و"تحريم الانتخابات"، قبل أن تصبح السياسة محوراً رئيسياً في خطابهم الديني خلال السنوات الأخيرة.

وبدأ السلفيون العمل السياسي في الجنوب في العام 2007، مع بروز "الحراك الجنوبي" الداعي لـ"انفصال الجنوب عن شماله"، حينها انخرط كثير من الدعاة السلفيون في الحراك، وشكلوا في مايو/أيار 2012، هيئة شرعية جنوبية تحظى باحترام مختلف فصائل الحراك.

ورأى مراقبون في تلك الخطوة، بأنها "كانت تهدف لحماية الحراك من أي اختراق أيديولوجي، يؤثر على مسيرة الحراك، كما تُتيح بروز قيادات شابة جديدة، تسحب البساط من تحت بعض القيادات التاريخية المعروفة، إبان حكم الحزب الاشتراكي في جنوب البلاد في الفترة بين عامي 1970 و1990". وغالباً ما تكون الهيئة مرجعاً لحلّ بعض الخلافات التي تحصل بشكل متكرر في صفوف الحراك الجنوبي.

وفي الملف الأكثر جدلاً، أي ملف "القضية الجنوبية"، لا تمانع فصائل سلفية كثيرة في فصل الجنوب عن الشمال، وإقامة دولة مدنية في الجنوب، ولا يرون في ذلك مانعاً شرعياً، بخلاف بعض التيارات التي ترى بقاء الوحدة "واجباً دينياً".

أما بما يتعلق بالعلاقة بين السلفيين والتيارات السياسية الأخرى، تشهد الفترة الحالية تقاطع مصالح بين السلفيين وحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن)، بفعل اتفاقهما على الوقوف في وجه الحوثيين. أما بالنسبة لـ"المؤتمر الشعبي العام"، الذي يمرّ بمرحلة صعبة في الجنوب، فيعتبر أن "السلفيين والإخوان مجرد تجّار يسعون للسلطة"، ويتعامل معهم ومع الفصائل الإسلامية برمّتها على هذا الأساس.

وتُبيّن مجريات الأحداث الميدانية، أن السلفيين سيحظون بدور سياسي غير عادي مستقبلاً على حساب "الإخوان المسلمين" في جنوب البلاد. ويعزّز ذلك دخول الإمارات على خط الأزمة بقوة وإسناد ملف تحرير عدن إليها، وهي الدولة المعروفة بعدائها للإخوان المسلمين.

في السياق يؤكد المحلل السياسي ياسين التميمي، لـ"العربي الجديد"، إن "سلفيي الجنوب باتوا قوة سياسية، وتجاوزوا إلى حدّ كبير دورهم التقليدي الدعوي، وبات لهم حضور لافت، من خلال تشكيلهم جزءاً مهماً من القوة التي تكفّلت بمقاومة قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح والحوثيين". ويشير التميمي إلى أن "السلفيين في الجنوب تميّزوا عن سلفيي الشمال، بتأسيس كيان سياسي منفصل عن اتحاد الرشاد، وهو الحزب الذي ينضوي تحته السلفيون/ وأغلب أعضاؤه من شمال البلاد".

ويُعيد التميمي الحضور اللافت للسلفيين في الجنوب، إلى "خضوعهم لأجندة إقليمية لطالما تأثّرت بموجة مواجهة الإخوان المسلمين في فترة الثورات المضادة في بلدان الربيع العربي". ويعتقد أن "السلفيين سيُخضعون أجندتهم السياسية إلى اتجاهات السياسات المقبلة في المحيط الاقليمي، وهو ما سيُشكّل ورقة قوة بالنسبة لهم".

من جهته، يرى الناشط السياسي منصور باوادي، أن "الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن هي التي جعلت السلفيين في الواجهة ومهدت لهم الدخول بشكل لافت، تحديداً في الجنوب، حيث أن السلفية ضاربة بجذورها في العمق وتحتل رقعة واسعة".

ويضيف باوادي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السلفية لم تفكر في خوض غمار السياسة أبداً، ولم تكن السياسة أحد الخيارات والأولويات في مناهجها وأيديولوجياتها، لكن الواقع تحديداً حقبة ما قبل الربيع العربي، هو ما حدا بهم للتركيز على الجوانب الدعوية التربوية وإرجاء التربية السياسية. وهذا كان له الدور الكبير في عدم قراءتهم الأحداث قراءة دقيقة. ويشير إلى أن "الأحداث الأخيرة التي شهدها الجنوب، أكبر بكثير من قدرات السلفيين، مما جعلهم يبدون كالتائهين وسط الزحام".

ويتوقع باوادي مشاركة غير فعّالة للسلفيين في رسم خارطة المرحلة المقبلة، وفقاً له "لسببين: الأول أن ظهورهم لم يكن منظماً أو معداً في السابق، بل جاء بسبب المرحلة الاستبدادية، التي أجبرتهم على خوض غمارها بشكل شبه عشوائي ومن دون ترتيب مسبق. أما السبب الثاني، فهو أن التيار السلفي، وحتى هذه اللحظة، لم يعد صياغة خطاب سياسي يعكس مشروعاً سياسياً متكاملاً. وكل ما نراه مجرّد مشاركات على استحياء، لم ترق بعد لتكون جزءاً فعالاً في العملية السياسية العتيدة". ولفت إلى أن "المنهج السلفي يملك من المرونة والقدرة على التكيّف مع أي مرحلة من دون أن يفقد مرتكزاته وأساسياته. وهذا ما يجعل عودته سريعة إذا أراد السلفيون ذلك".

اقرأ أيضاً: المكلا.. في انتظار الشرعية اليمنية

المساهمون