سلاح منفلت في أعراس العراق

31 اغسطس 2020
عادة قبلية متأصلة (علي السعدي/ فرانس برس)
+ الخط -

رغم مخالفته القانون والحملات الشعبية الداعية لوقفه، فإنّ استخدام السلاح في التعبير عن الفرح، ما زال مظهراً معتاداً في أحياء مدن العراق وأريافه

يزداد يومياً عدد الأصوات الداعية لوقف رصاص الابتهاج في العراق، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى سقوط ضحايا بين قتلى وجرحى نتيجة هذه العادة الملازمة للمناسبات، خصوصاً مع مظهر جديد تناقلته مواقع التواصل الاجتماعي يظهر محتفلين يحملون قاذفات "آر بي جي 7".
كثيراً ما تتحول أفراح الأعراس إلى أحزان بعد إصابة أحدهم بطلق نتيجة الرصاص الاحتفالي، وهو ما عاشه فيصل الجواري، الذي فقد ولده أحمد (15 عاماً) قبل نحو عام. يسكن الجواري في محافظة صلاح الدين (شمال) وكان يحضر عرساً في قرية لأقاربه، رفقة عائلته، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ أبناء أعمامه، وأقارب آخرين، كانوا في العرس، فيما يرقص شبان الدبكة على وقع الموسيقى، مع إطلاق للرصاص في الجو بين حين وآخر. يضيف: "ارتفع الصراخ فجأة حين أقبل العريس وعروسه وبدأ أكثر من ثلاثين شخصاً يرمون الرصاص في السماء من أسلحة رشاشة ومسدسات. كان أحدهم قد أهمل حمل سلاحه الرشاش بطريقة صحيحة، فأطلق الرصاص مباشرة على ولدي وأرداه قتيلاً".

مثل هذه الحادثة كثير، وليس جديداً، بل دائماً ما تُتوقع حوادث مشابهة، لكن بحسب هادي القاسم، فإنّ من المعيب حضور مناسبة عرس لأحد كبار القبيلة وأبناء شيوخها أو عزيز لدى آخرين من دون إطلاق الرصاص لأجله. يعترف القاسم، وهو من وجهاء قرية في جنوبي محافظة ديالى (شرق) في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ هناك خطراً في رمي الرصاص في المناسبات، لكنّه يعتقد أنّه "إرث وعادات وتقاليد من العيب أن نتركها". في المقابل، يؤكد أهمية أن يكون الشخص خبيراً في حمل السلاح والرمي به: "مثلي أنا... إذ يجب أن توجه فوهة السلاح إلى الجو وبشكل مائل واعتماد المساحات الفارغة". لكنّ القاسم الذي يتحدث عن إطلاق الرصاص في مناطق ريفية تتوافر فيها مساحات فارغة، لا ينكر أنّه سبق أن أطلق النار في أعراس جرت داخل المدن والأحياء السكنية المكتظة، لكنّه يصر على رأيه بأنّه "تقليد من العيب أن يُترك خصوصاً من قبلنا نحن وجهاء العشائر".
في العراق، بالإمكان شراء مختلف أنواع الأسلحة، لتصل إلى قاذفات "آر بي جي 7" وحتى قذائف المورتر. يقول أبو حيدر إنّ بإمكانه توفير أيّ سلاح لمن يريد الشراء. الرجل الذي يتحدث إلى "العربي الجديد" ويكتفي بكنيته، من دون التصريح باسمه لدواعٍ أمنية، يعمل في تجارة السلاح بالمفرق (تجزئة)، ويؤكد أنّ لديه مصادر عدة توفر له ما يرغب من قطع سلاح. وبحسب قوله فإنّه لا يعمل إلى في بيع المسدسات والبنادق. يضيف: "سعر السلاح هو بحسب نوعه وصناعته" مفيداً أنّ هناك أسلحة بأسعار زهيدة بحدود 50 دولاراً أميركياً، وهناك أسلحة رشاشة يصل سعر القطعة الواحدة منها إلى 10 آلاف دولار.
تفيد تقارير محلية أنّ كميات السلاح خارج سلطة الدولة العراقية، تقدّر بأكثر من 30 مليون قطعة سلاح، غالبيتها بيد المليشيات المسلحة والقبائل في مختلف مناطق البلاد، ويتركز أكثر في الوسط والجنوب. ويعدّ انفلات السلاح وعدم تنظيمه بقوانين محكمة، من أكبر المخاطر التي انعكست على أمن العراقيين، والتي تسببت بكثير من حوادث القتل.
من جهتهم، يطلق ناشطون ومنظمات مدنية باستمرار حملات توعية، الهدف منها الحدّ من هذه العادة. يقول زياد ستار، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، إنّه شارك في نشاطات عدة تركز على خطورة إطلاق العيارات النارية في الأعراس. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ من بين النشاطات التي شارك فيها توزيع مطبوعات على السكان وإلقاء محاضرات في نوادٍ وتجمعات شبابية وعشائرية. يتابع: "هناك رفض كبير لدى المجتمع لهذه العادة لما تسببه من خطر، لكن في المقابل فإنّ السلاح متوفر لدى الجميع، وبإمكان أيّ شخص امتلاكه، وهناك أيضاً جهات وشخصيات يستغلون وظائفهم في جهات أمنية أو مليشياوية ويمارسون هذه العادة في المناسبات بكلّ حرية غير مهتمين بنتائجها الوخيمة".
وكانت وسوم كثيرة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تنبه وتحذر من استمرار هذه العادة في الأعراس والمناسبات الأخرى، منها وسم #سلاحك_عقلك، وبذل القائمون عليه جهوداً كبيرة لتوعية المجتمع من بينها استخدام أفلام توجيهية قصيرة.
يقول الخبير القانوني علي الدراجي، فإنّ القانون العراقي يعاقب على إطلاق الرصاص في المناسبات ويعدها مخالفة توجب الحبس، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "القانون العراقي يعاقب بالحبس لمدة تصل إلى ثلاث سنوات من يطلق العيارات النارية في المناسبات ولا يستثنى من هذا المنتسبون إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية". يضيف أنّ "هذه العقوبة لا يراعى فيها مكان إطلاق الرصاص سواء في المدن أو القرى أو البادية أو أيّ مكان آخر، ويكافأ من يلقي القبض على مطلق الرصاص" مشيراً إلى أنّ القتيل أو المصاب وإن كان جرحه بسيطاً يعدّ وفق القانون أصيب عمداً وليس عن طريق الخطأ.

قضايا وناس
التحديثات الحية

لكنّ ما يزيد من تمادي المواطنين في استخدام السلاح المنفلت عدم ردع الجهات الأمنية لمستخدمي السلاح، والسبب وفق مسؤول أمني رفيع في وزارة الداخلية، يتحدث إلى "العربي الجديد" طالباً عدم الكشف عن هويته. يقول: "يستخدم السلاح في المناسبات رجال أمن وعناصر مليشيات... وهناك أيضاً مقربون من قيادات في المليشيات وقبائل محمية من قبل زعامات سياسية وقادة مليشيات، وكلّ هؤلاء لا تمكن محاسبتهم، وبالتالي يتشجع الجميع على اتباع العادة بوجود من يحميهم من المحاسبة". ويؤكد أنّ "بقاء جهات مثل المليشيات وشخصيات مثل الزعامات الحزبية والسياسية فوق القانون يبقي انفلات السلاح واستخدامه بأيّ شكل وفي أيّ مناسبة".

المساهمون