سلاح الجو الأميركي بعهدة جنرالٍ أسود: استثمار اللحظة

11 يونيو 2020
سيصبح براون عضواً بهيئة الأركان المشتركة (كيفن ديتش/Getty)
+ الخط -

دخلت موافقة الكونغرس الأميركي، أول من أمس الثلاثاء، على تعيين الجنرال من أصول أفريقية تشارلز براون جونيور، رئيساً لأركان سلاح الجو، التاريخ، بحسب تعبير نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، إذ جاءت مترافقةً مع التظاهرات التي تعمّ الولايات المتحدة تنديداً بمقتل المواطن الأسود جورج فلويد على يد الشرطة. هذا الصخب الإعلامي، والسياسي، الذي ترافق مع تعيين براون، جاء مبالغاً فيه بعض الشيء، إذ إن وزير الدفاع مارك إسبر كان أعلن في شهر مارس/آذار الماضي، ترشيح براون، خلفاً للجنرال دايف غولدفين، الذي يحال إلى التعاقد نهاية شهر يونيو/حزيران الحالي، وكان التعيين ينتظر موافقة الكونغرس، وهو ما جرى أول من أمس. إلا أن قيمة تعيين براون، في هذه اللحظة، تبقى برمزيتها بالنسبة للحراك المناهض للعنصرية، علماً أن الأخير يدخل التاريخ في الواقع كأول ضابطٍ أسود يقود أحد فروع القوات المسلّحة الستّة، وهي سلاح الجو، سلاح البحر، سلاح البرّ، مشاة البحرية، وخفر السواحل والقوة الفضائية. ويسلط هذا الأمر الضوء، على المظلومية التي تتعرض لها كفاءات في القطاع العسكري الأميركي، فقط بسبب لونها.

ووافق مجلس الشيوخ الأميركي بالإجماع أول من أمس، على تعيين الجنرال تشارلز براون جونيور (57 عاماً)، الذي يتولى حالياً منصب قائد القوات الجوية في منطقة المحيط الهادئ، رئيساً لأركان سلاح الجو، ليصبح أيضاً ثاني جنرال أسود في تاريخ البلاد يشارك في عضوية هيئة أركان الجيوش المشتركة. وكان وزير الخارجية الأسبق كولن باول، الجنرال الوحيد الذي سبقه إلى هذه الهيئة، حين ترأسها بين العامين 1989 و1993. وصوّت مجلس الشيوخ بأغلبية 98 صوتاً مقابل صفر على تثبيت براون في هذا المنصب. ورأس نائب الرئيس مايك بنس، جلسة المجلس الذي يتمتع فيه الحزب الجمهوري بالأغلبية، وذلك في ظهور غير معتاد، واصفاً التصويت بـ"التاريخي".


وبراون طيار في سلاح الجو منذ العام 1984، وكان قائداً ومدرباً لمقاتلة "إف 16"، وحارب خصوصاً في منطقتي المحيط الهادئ والشرق الأوسط، وفي سجلّه 2900 ساعة طيران، بينها 130 ساعة أثناء معارك، بحسب سيرته الذاتية الرسمية. وسارع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الترحيب بمصادقة مجلس الشيوخ على تعيينه براون. وكتب ترامب في تغريدة على "تويتر" إنه "يوم تاريخي لأميركا. متحمّس للعمل بشكل أوثق مع الجنرال براون، الرجل الوطني والقائد العظيم".

وكان الجنرال براون أدلى يوم الجمعة الماضي، بشهادة مؤثّرة حول العقبات التي واجهته بسبب لون بشرته أثناء صعوده السلّم الوظيفي في الجيش، مؤكداً أن حياته المهنية "لم تكن دوماً مثالاً للحرية والعدالة". وروى الجنرال المتحدّر من ولاية تكساس، في شريط فيديو، كيف أنه كان يجد نفسه في أغلب الأحيان الطيار الأسود الوحيد في سربه، أو الضابط الأسود الوحيد في غرفة مكتظة بالضباط، وكيف كان هؤلاء يسألونه عما إذا كان فعلاً ضابطاً، مع أنه كان يرتدي الزي العسكري ذاته الذي يرتدونه، ويضع الشارات العسكرية ذاتها. وعبّر براون أول من أمس، عن أمله في أن يكون لتعيينه أثر إيجابي بعد عقود من العنصرية في الولايات المتحدة.

ويعتبر القطاع العسكري الأكثر تنوعاً عرقياً، في الولايات المتحدة، مقارنة بالوظائف الفيدرالية، والكونغرس، والتوظيف بشكل عام. ويشكل الأميركيون من أصول أفريقية أكثر من 17 في المائة من صفوف القوات المسلحة المسجلة في الخدمة، علماً أنهم يشكلون حوالي 14 في المائة من عدد السكان. ويضم الجيش 21 في المائة من السود، أما قوات المارينز فـ10 في المائة. ويشكل هؤلاء 17 في المائة من القوات البحرية، وأقل من 15 في المائة داخل القوات الجوية. لكن هناك تمييزا عرقيا داخل القوات المسلحة بناءً على الرتبة، فمثلاً يشكل الأميركيون من أصول أفريقية 9 في المائة من الضباط. من هؤلاء، هناك فقط 71 جنرالا أو لواء، يتمتعون برتب من نجمة واحدة إلى أربع نجمات.

ويُعرّف موقع القوات الجوية الأميركية في الهادئ، عن براون، بأنه متآلف مع منطقة آسيا، وبالخصوص شبه الجزيرة الكورية. ويأتي ذلك، بحسب الموقع، نتيجة قيادته لهذه القوات، المؤلف عديدها من 46 ألف جندي في سلاح الجو، منتشرين في نصف الكرة الأرضية تقريباً، ونتيجة إشرافه ودوره في وضع الخطط والتكتيكات التي تضمن نجاح المهمات في منطقة تزداد تعقيداً وخطورة. وقالت وزيرة القوات الجوية باربرا باريت، إن "ميزات براون الرائعة ستخدم القوات الجوية الأميركية، فلديه رؤية استراتيجية وخبرة عملية لا نظير لها".

وكان براون قد أكد خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، في شهر إبريل/نيسان الماضي، "التزامه رؤية القوات الجوية تنجز قوة دفع استثنائية في اتجاه تطبيق استراتيجية الدفاع الوطني، وجعل القوات المشتركة أكثر فتكاً". وخلال الفيديو الذي نشره الأسبوع الماضي تعليقاً على الاحتجاجات، قال براون إنه يفكر "بتعيينه الذي يمنح بعض الأمل، ولكن الذي يأتي أيضاً مع حمل ثقيل"، مقراً بأنه لا يستطيع "إصلاح عقود من التمييز العنصري في البلاد".

ويترافق تعيين براون مع أزمة سياسية داخلية في البلاد، جعل الرئيس الأميركي من الجيش طرفاً فيها، حين حاول إقحامه لمواجهة التظاهرات التي عمّت البلاد. لكن الجيش الأميركي، الذي نأى بنفسه عن الوقوف في وجه المتظاهرين، يعاني بدوره من مشكلة العنصرية المزمنة في الولايات المتحدة، وأصدرت معظم قياداته خلال الأيام الماضية، وكذلك من المتقاعدين، بيانات، دعت فيها إلى تصحيح هذا الخلل المتجذر. كما أن الجيش أعرب عن نيته التفكير في إعادة تسمية عشرات القوات والمنشآت، التي تحمل اليوم أسماء قيادات "كونفدرالية".

وكان السيناتور الجمهوري عن ولاية ألاسكا، دان سوليفان، قد جمّد تعيين براون، بعد موافقة لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب على هذا التعيين، الشهر الماضي، مطالباً بضمان موافقة الأخير، إذا ما عين، على وضع سرب من مقاتلات "كي سي 46 تانكر" في الولاية. لكن سوليفان عاد ومدح أول من أمس، "مزايا" براون، قائلاً إنه "لم يكن يعلم حتى وقتٍ قريب جداً البعد التاريخي لمثل هذا التعيين". وأضاف "أعتقد أنه أمر مهم جداً في هذه اللحظة، مشجعاً على مشاهدة الفيديو الذي نشره الأخير الأسبوع الماضي.

(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)

 

 

 

 

المساهمون