سفيان ونذير... عامان على الاختفاء

08 سبتمبر 2016
الأمل لم يفقد بأنهما على قيد الحياة (أمين الأندلسي/الأناضول)
+ الخط -
تصادف، اليوم، الذكرى السنويّة الثانية لاختفاء الصحافيَين التونسيين، سفيان الشورابي ونذير القطاري في الأراضي الليبية، بعد أن قصدها الاثنان في سبتمبر/أيلول عام 2014، لإجراء تحقيق صحافي حول المنشآت النفطية في منطقة أجدابيا الليبية، لقناة "فارست تي في" التونسية الخاصة.
خلال سنتين، وصلت أخبار سيئة كثيرة حول مصير الصحافيين، لكنها تبقى أخباراً غير مؤكدة، حتى يصل الخبر اليقين الذي بدأت ملامحه تتشكل في شرق ليبيا، حيث تتواجد حالياً عائلة القطاري للبحث عن المختفيَين. الرحلة المضنية للعائلة التي تتألم بسبب فقدان ابنها، قد تتوج بأخبار سارّة.
ويكاد يكون الإجماع من قبل المتدخلين التونسيين والليبيين في هذه القضية على أن الصحافيين على قيد الحياة، وأن مسألة عودتهما مسألة وقت لا غير. سنتان مرتا على اختفائهما، سنتان من الألم والأمل لعائلتهما وللإعلاميين التونسيين فهل يشهد هذا الملف انفراجة قريبة؟


عائلة القطاري في ليبيا
تحاول عائلة القطاري خلال زيارتها إلى ليبيا للبحث عن ابنها وزميله، تركيز البحث في السجون الموجودة شرق ليبيا، بعد أن وصلتها معلومات من تونسيين كانوا محتجزين في السجون الليبية، أكّدوا رؤيتهم للصحافيين في أحد هذه السجون، وفقاً لتصريح خال نذير القطاري، سفيان رجب، إلى "العربي الجديد". ورفض رجب الإفصاح عن تفاصيل أكثر بخصوص السجن، لدواعٍ أمنية.
واعتمدت عائلة القطاري على هذه المعلومة، للتأكيد على أنّ الصحافيين على قيد الحياة، وأنّ مسألة الوصول إليهما مسألة وقت لا غير، خاصة في ظلّ التجاوب من قبل حكومة طبرق الليبية، وعزم الأخيرة على المساعدة في الوصول إلى حلّ لهذه الأزمة التي طال أمدها، وفقاً لتصريح والدة القطاري، سنية رجب.


التحديد الجغرافي أول خطوات الحلّ
عندما اختفى سفيان الشورابي ونذير القطاري في 8 سبتمبر/ أيلول عام 2014، لم يكن باستطاعة أي طرف تحديد مكان احتجازهما في الأراضي الليبية الشاسعة، فأكثر المعلومات دقة تفيد أن آخر مكان تواجدا به هو منطقة أجدابيا أو البريقة في ليبيا. لكن، يبدو، الآن، أنّ الحيز الجغرافي المفترض وجودهما فيه هو منطقة ليبيا الشرقية التي تخضع سياسياً، بمعظمها، لسلطة حكومة طبرق الليبية، وعسكرياً لقوات اللواء المتقاعد، خليفة حفتر.
ويعدّ هذا المعطى الجغرافي مهمّا جداً من أجل لتوصل إلى مكان المختطفين، وبالتالي التواصل مع الأطراف الفاعلة في ذلك الحيز الجغرافي. وهذا ما تقوم به عائلة نذير من خلال لقاءات والده ووالدته مع المسؤولين في حكومة طبرق، بانتظار لقائهما مع حفتر الذي يُرتب له.
قد يكون التحديد الجغرافي لمكان سفيان الخطوة الأولى للوصول إليهما في أسرع وقت ممكن، خاصة أنه ألغيت مبدئياً فرضية وجود الإثنين في المناطق الخاضعة سياسياً لحكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج، والمدعومة عسكرياً بقوات درع ليبيا.
والدة القطاري متفائلة جداً بقرب عودة الصحافيين، وقالت إنها تمتلك معلومات ستفصح عنها، بعد مغادرة الأراضي الليبية والعودة إلى تونس، وتأمل أن تعود برفقة المختطفين، لكنها لا تخفي مرارتها من طريقة تعامل السلطات التونسية مع موضوع سفيان ونذير.

صمت حكومي غريب
واجهت الحكومة التونسية سيلاً من الاتهامات التي وجهها العديد من التونسيين، بإهمال ملف الصحافيين وعدم إيلائه ما يستحق من عناية، خاصة أنّ الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، تعهّد عند بداية ولايته بالاهتمام بالموضوع والتواصل مع كل الأطراف الليبية من أجل التوصل إلى حلّ لهذا الملف، بل وصل الأمر به إلى حدّ اعتبار يوم 8 سبتمبر/أيلول من كل سنة يوماً وطنياً لحماية الصحافيين.
لكن درجة حماسة السبسي للملف تضاءلت مع الوقت، وقد يكون السبب تعقد الملف، فاكتفت وزارة الخارجية التونسية بمتابعة الملف من خلال تواصلها مع الحكومات الليبية المتعاقبة وبعض الأطراف الفاعلة هناك من شيوخ قبائل وجمعيات.
وكان وزير الخارجية التونسي، خميس الهيناوي، قد أكد في نهاية الأسبوع الماضي أن الحكومة التونسية تبذل كل الجهود الممكنة لعودة سفيان ونذير سالمين من الأراضي الليبية، من دون تقديم تفاصيل عن الخطوات التي قامت بها الدبلوماسية التونسية في هذا المجال.
في المقابل، تبدو "الدبلوماسية الشعبية" أكثر تحركاً في هذا المجال، خاصةً النقابة الوطنية للصحافيين ومركز تونس لحرية الصحافة.


تدويل القضية
تسعى بعض منظمات المجتمع المدني في تونس، خاصة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، إلى التواصل مع المنظمات المحلية الليبية والمنظمات الدولية من أجل المساعدة على حلّ قضية الشورابي والقطاري، وهي جهود متواصلة، لم تظهر نتائجها بعد. لكن نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، أكّد أن هذه المحاولات لن تتوقف حتى معرفة مصير سفيان ونذير.
وفي السياق نفسه، أرسل "مركز تونس لحرية الصحافة" لجنة لمتابعة الموضوع، وقرر تدويل القضية من خلال شكوى إلى مقرري الأمم المتحدة الخاصين بحقوق التعبير وبقضايا الاختفاء القسري وحقوق الإنسان. وكلف المركز عضويه، الرئيسة السابقة للكونفدرالية الدولية لحقوق الإنسان سهير بلحسن، والحقوقي جلال الماطري بمتابعة الملف في الأمم المتحدة، وممارسة كل أنواع الضغط الممكنة من أجل الوصول إلى الحقيقة.
ورأى "مركز تونس لحرية الصحافة" أن هذه الخطوة تأتي في إطار سعي اللجنة إلى لفت انتباه الرأي العام الدولي، والضغط من أجل دفع الأطراف المتدخلة والمؤثرة في هذه القضية إلى تحمل مسؤوليتها واتخاذ إجراءات عملية وفق القانون والأعراف الدولية، خاصة أن الأطراف كلها لم تتخذ مثل هذه الإجراءات حتى الآن، رغم استمرار انتشار الإشاعات حول مصير الصحافيين.


هل أعدم "داعش" نذير وسفيان؟
صدم الرأي العام في تونس، يوم 8 كانون الثاني/ يناير 2015، عندما أصدر المركز الإعلامي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في منطقة برقة الليبية، أخباراً وصوراً أعلن فيها إعدامه للصحافيين التونسيين سفيان الشورابي ونذير القطاري.
لكن الخبر الذي شكّل صدمة كبيرة لأسرتي الصحافيين والإعلاميين في تونس، اتضح لاحقاً أنه يخلو من أي مصداقية، ويعدّ شكلاً من الدعاية لـ"داعش" في ليبيا. إذ تبين أن الصور غير صحيحة، وعُدلت على برنامج "فوتوشوب".
وبعد مرور شهرين على هذا البيان، أعلنت وكيلة شؤون حقوق الإنسان بوزارة العدل بحكومة طبرق الليبية، سحر بانون في 29 أبريل/ نيسان 2015، عن مقتل سفيان ونذير على يد مجموعة مسلحة تتكون من ليبيين ومصريين، وقالت إنّه تمّ القبض على المجموعة، واعترف أفرادها بقتل الصحافيين التونسيين من دون تحديد مكان دفنهم. لكنّ السلطات التونسية نفت الخبر، بعد أن أرسلت ممثلاً قانونياً لها إلى الأراضي الليبية، ولم يتوصل الأخير إلى نتائج عملية تؤكد خبر مقتل سفيان ونذير.




المساهمون