عند قياس الناتج المحلي الاجمالي للمقارنة بين الدول، يتجاهل بعضهم اختلاف تكلفة المعيشة في الاقتصادات محل المقارنة. وللتغلب على هذه المشكلة، استخدم بعض الاقتصاديين مفهوم تعادل القوى الشرائية Purchasing Power Parity PPP، والذي يأخذ في الاعتبار مستويات الأسعار في البلدان المختلفة، من أجل الوصول إلى تقدير صحيح لحجم كل اقتصاد.
ولما كانت هناك فروق كبيرة في مستويات الأسعار بين الولايات المتحدة والصين، بدءاً من ثمن رغيف الخبز أو كيلو الأرز، وحتى أجر الطبيب أو المحامي، فقد ظهر تفاوت واضح في حجم الاقتصادين، لمصلحة الولايات المتحدة، وهو ما أرجعه الكثيرون إلى تجاهل مفهوم تعادل القوى الشرائية.
وبهذه الحسابات المنقوصة، توقف حجم الاقتصاد الصيني عند 12 تريليون دولار بنهاية العام الماضي 2017، بينما بلغ حجم الاقتصاد الأميركي حوالي 17 تريليون دولار.
لكن الحسابات الدقيقة لحجم الاقتصاد الصيني، والتي تقيس ما أنتج من سلع وخدمات في الصين بأسعارها في الولايات المتحدة، تقفز بالاقتصاد الصيني إلى أكثر من 19 تريليون دولار، وهو ما يجعل الاقتصاد الصيني الأكبر في العالم.
اقــرأ أيضاً
وتؤكد الإحصاءات المنشورة أن عام 2017 لم يكن أول عام يشهد تفوق الاقتصاد الصيني الحقيقي على الاقتصاد الأميركي، وإنما بدأ ذلك منذ عام 2013، وذلك رغم الاستمرار في اعتبار الاقتصاد الصيني من الأسواق الناشئة في أغلب الأحيان، ورغم ما يثار عن تضخم في حجم الديون الخارجية التي حصلت عليها الشركات الصينية، الخاصة والحكومية، من العالم الخارجي، خلال العقد الأخير.
ولم تكن معدلات النمو الكبيرة في حجم الاقتصاد الصيني هي الإنجاز الوحيد، وإنما جاءت تلك المعدلات لتتفوق على معدلات النمو السكاني في أكبر بلد في العالم من حيث تعداد السكان لتضيف بعداً آخر لهذا الإنجاز، حتى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين نما بمعدل يزيد على 900% خلال الفترة من العام 1990 وحتى العام الماضي 2017.
وفي محاولات استكشاف العوامل التي كانت وراء الإنجاز الكبير في الاقتصاد الصيني خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث تجاوز حجم الاقتصاد العام الماضي عشرة أضعاف ما كان عليه في عام 1990، لم يخل تحليل من اعتبار التعداد السكاني الكبير أحد أهم العوامل التي ساهمت في تحقيق الإنجاز.
وبينما كان حكامنا يلقون باللوم على زيادة حجم السكان في بلداننا العربية، ويعتبرونها أحد العوامل المتسببة في فقر الشعوب التي تمتلئ أراضيها بالثروات، استمد الصينيون قوتهم من تعدادهم السكاني الكبير.
وفي الوقت الذي استُخدِمَ فيه الشباب الصيني، الذي شكل النسبة الأكبر من السكان في الصين بعد الحرب العالمية الثانية، في دفع عجلة الاقتصاد وزيادة الإنتاجية، تجاوزت معدلات البطالة بين الشباب في دولنا العربية نسبة 30% من القوى القادرة والراغبة في العمل.
عمد الصينيون إلى استغلال الأنماط الاستهلاكية حول العالم، وتحديداً في الولايات المتحدة، ودرسوا كل عادات وطقوس الدول الأخرى، حتى وجدناهم يصدرون سجاجيد الصلاة وفوانيس رمضان، وآلاف من المنتجات الأخرى، لنا ولأغلب بلدان العالم.
اقــرأ أيضاً
واعتبر الاقتصاديون أن الصادرات الصينية أحدثت ثاني أكبر عملية نقل للثروات تجاه الشرق، بعد ما نتج عن تصدير النفط من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا.
ولعبت سرعة استغلال الصين لتغيرات الظروف الجيوسياسية حول العالم دوراً بارزاً أيضاً في تحقيق الإنجاز الاقتصادي الكبير خلال العقود الماضية، ومازالت.
ومع اقترابنا من الرابع من نوفمبر / تشرين الثاني الموافق الأحد المقبل، والذي يبدأ فيه تطبيق العقوبات الأميركية على إيران، وحظر استيراد نفطها، كثفت الصين وارداتها من النفط الإيراني، في تحدٍ واضح للعقوبات الأميركية.
وتشير بيانات وزارة التجارة الأميركية، إلى أن الصين، التي استوردت من الولايات المتحدة الأميركية حوالي 350 ألف برميل نفط يومياً في الشهور السبعة الأولى من العام الحالي، لم تستورد برميلاً واحداً منها خلال الشهرين الماضيين.
وعلى طريقة "كوهين ينعى ولده ويصلح ساعات"، تتجه الصين إلى دفع مقابل وارداتها النفطية من إيران باليوان الصيني، بدعوى تجنب الحظر المتوقع تطبيقه على تعاملات إيران بالدولار الأميركي.
ومع صعوبة دخول إيران سوق تبديل العملات العالمية لاستبدال اليوان بالدولار بفعل العقوبات الأميركية، تكون النتيجة الحتمية هي أن تشتري إيران بكل حصيلة تصدير نفطها منتجات صينية، تدفع قيمتها باليوان.
هذا الأسلوب المعروف بطريقة "من ذقنه وافتل له" لم يكن جديداً على الصين، حيث دأبت على استخدامه في علاقاتها الاقتصادية بكفاءة تحسد عليها.
وفي الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الصين هي أكبر مُصَدِّر للولايات المتحدة، وأنها في العام الماضي صدرت لها أكثر مما استوردت منها بما لا يقل عن 375 مليار دولار، تشكل حوالي 60% من العجز التجاري الأميركي، لم يلاحظ بعضهم أن الصين هي التي تمول الحكومة الأميركية، بل والمواطن الأميركي بصورة غير مباشرة، لشراء البضائع الصينية.
وخلال السنوات الأخيرة، احتلت الصين المرتبة الأولي في الدول المالكة لسندات الخزانة الأميركية، ولم ينازعها الصدارة إلا اليابان، وفي فترات محدودة!
اقــرأ أيضاً
كثير من الحقائق إذاً تشير إلى أن الصين تسير بخطى واثقة إلى أن تكون مركز الجاذبية في عالم الاقتصاد في الفترة القادمة، خاصة بعد أن خفضت معدلات الفقر فيها إلى المتوسط العالمي، بينما تجاوز عدد براءات الاختراع المسجلة ممن هم من أصول صينية مرة ونصف عدد ما سجل منها بواسطة من ينتمون لكافة بلدان العالم الأخرى منذ عام 1990.
ومؤخراً، أصبحت الصين خامس أكبر مصدّر للسلاح في العالم، بعد أن بدأت خطواتها على هذا الدرب بتفكيك ما كانت تستورده من الولايات المتحدة من طائرات ومعدات. فهل نعتبر؟ أم أننا قنعنا بدور المستهلك الذي يتم تهديده بإيقاف المبيعات عند كل خلاف!
ولما كانت هناك فروق كبيرة في مستويات الأسعار بين الولايات المتحدة والصين، بدءاً من ثمن رغيف الخبز أو كيلو الأرز، وحتى أجر الطبيب أو المحامي، فقد ظهر تفاوت واضح في حجم الاقتصادين، لمصلحة الولايات المتحدة، وهو ما أرجعه الكثيرون إلى تجاهل مفهوم تعادل القوى الشرائية.
وبهذه الحسابات المنقوصة، توقف حجم الاقتصاد الصيني عند 12 تريليون دولار بنهاية العام الماضي 2017، بينما بلغ حجم الاقتصاد الأميركي حوالي 17 تريليون دولار.
لكن الحسابات الدقيقة لحجم الاقتصاد الصيني، والتي تقيس ما أنتج من سلع وخدمات في الصين بأسعارها في الولايات المتحدة، تقفز بالاقتصاد الصيني إلى أكثر من 19 تريليون دولار، وهو ما يجعل الاقتصاد الصيني الأكبر في العالم.
وتؤكد الإحصاءات المنشورة أن عام 2017 لم يكن أول عام يشهد تفوق الاقتصاد الصيني الحقيقي على الاقتصاد الأميركي، وإنما بدأ ذلك منذ عام 2013، وذلك رغم الاستمرار في اعتبار الاقتصاد الصيني من الأسواق الناشئة في أغلب الأحيان، ورغم ما يثار عن تضخم في حجم الديون الخارجية التي حصلت عليها الشركات الصينية، الخاصة والحكومية، من العالم الخارجي، خلال العقد الأخير.
ولم تكن معدلات النمو الكبيرة في حجم الاقتصاد الصيني هي الإنجاز الوحيد، وإنما جاءت تلك المعدلات لتتفوق على معدلات النمو السكاني في أكبر بلد في العالم من حيث تعداد السكان لتضيف بعداً آخر لهذا الإنجاز، حتى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الصين نما بمعدل يزيد على 900% خلال الفترة من العام 1990 وحتى العام الماضي 2017.
وفي محاولات استكشاف العوامل التي كانت وراء الإنجاز الكبير في الاقتصاد الصيني خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث تجاوز حجم الاقتصاد العام الماضي عشرة أضعاف ما كان عليه في عام 1990، لم يخل تحليل من اعتبار التعداد السكاني الكبير أحد أهم العوامل التي ساهمت في تحقيق الإنجاز.
وبينما كان حكامنا يلقون باللوم على زيادة حجم السكان في بلداننا العربية، ويعتبرونها أحد العوامل المتسببة في فقر الشعوب التي تمتلئ أراضيها بالثروات، استمد الصينيون قوتهم من تعدادهم السكاني الكبير.
وفي الوقت الذي استُخدِمَ فيه الشباب الصيني، الذي شكل النسبة الأكبر من السكان في الصين بعد الحرب العالمية الثانية، في دفع عجلة الاقتصاد وزيادة الإنتاجية، تجاوزت معدلات البطالة بين الشباب في دولنا العربية نسبة 30% من القوى القادرة والراغبة في العمل.
عمد الصينيون إلى استغلال الأنماط الاستهلاكية حول العالم، وتحديداً في الولايات المتحدة، ودرسوا كل عادات وطقوس الدول الأخرى، حتى وجدناهم يصدرون سجاجيد الصلاة وفوانيس رمضان، وآلاف من المنتجات الأخرى، لنا ولأغلب بلدان العالم.
واعتبر الاقتصاديون أن الصادرات الصينية أحدثت ثاني أكبر عملية نقل للثروات تجاه الشرق، بعد ما نتج عن تصدير النفط من منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا وأمريكا.
ولعبت سرعة استغلال الصين لتغيرات الظروف الجيوسياسية حول العالم دوراً بارزاً أيضاً في تحقيق الإنجاز الاقتصادي الكبير خلال العقود الماضية، ومازالت.
ومع اقترابنا من الرابع من نوفمبر / تشرين الثاني الموافق الأحد المقبل، والذي يبدأ فيه تطبيق العقوبات الأميركية على إيران، وحظر استيراد نفطها، كثفت الصين وارداتها من النفط الإيراني، في تحدٍ واضح للعقوبات الأميركية.
وتشير بيانات وزارة التجارة الأميركية، إلى أن الصين، التي استوردت من الولايات المتحدة الأميركية حوالي 350 ألف برميل نفط يومياً في الشهور السبعة الأولى من العام الحالي، لم تستورد برميلاً واحداً منها خلال الشهرين الماضيين.
وعلى طريقة "كوهين ينعى ولده ويصلح ساعات"، تتجه الصين إلى دفع مقابل وارداتها النفطية من إيران باليوان الصيني، بدعوى تجنب الحظر المتوقع تطبيقه على تعاملات إيران بالدولار الأميركي.
ومع صعوبة دخول إيران سوق تبديل العملات العالمية لاستبدال اليوان بالدولار بفعل العقوبات الأميركية، تكون النتيجة الحتمية هي أن تشتري إيران بكل حصيلة تصدير نفطها منتجات صينية، تدفع قيمتها باليوان.
هذا الأسلوب المعروف بطريقة "من ذقنه وافتل له" لم يكن جديداً على الصين، حيث دأبت على استخدامه في علاقاتها الاقتصادية بكفاءة تحسد عليها.
وفي الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن الصين هي أكبر مُصَدِّر للولايات المتحدة، وأنها في العام الماضي صدرت لها أكثر مما استوردت منها بما لا يقل عن 375 مليار دولار، تشكل حوالي 60% من العجز التجاري الأميركي، لم يلاحظ بعضهم أن الصين هي التي تمول الحكومة الأميركية، بل والمواطن الأميركي بصورة غير مباشرة، لشراء البضائع الصينية.
وخلال السنوات الأخيرة، احتلت الصين المرتبة الأولي في الدول المالكة لسندات الخزانة الأميركية، ولم ينازعها الصدارة إلا اليابان، وفي فترات محدودة!
كثير من الحقائق إذاً تشير إلى أن الصين تسير بخطى واثقة إلى أن تكون مركز الجاذبية في عالم الاقتصاد في الفترة القادمة، خاصة بعد أن خفضت معدلات الفقر فيها إلى المتوسط العالمي، بينما تجاوز عدد براءات الاختراع المسجلة ممن هم من أصول صينية مرة ونصف عدد ما سجل منها بواسطة من ينتمون لكافة بلدان العالم الأخرى منذ عام 1990.
ومؤخراً، أصبحت الصين خامس أكبر مصدّر للسلاح في العالم، بعد أن بدأت خطواتها على هذا الدرب بتفكيك ما كانت تستورده من الولايات المتحدة من طائرات ومعدات. فهل نعتبر؟ أم أننا قنعنا بدور المستهلك الذي يتم تهديده بإيقاف المبيعات عند كل خلاف!