سحب "نوبل" من سو تشي أم محاكمتها؟

17 سبتمبر 2017
+ الخط -
إذ تتسع دائرة المطالبة بسحب جائزة نوبل للسلام من مستشارة الدولة البورمية، أونغ سان سو تشي، ويطالب بذلك أكاديميون وكتَّاب ونشطاء سلميّون وجمعياتٌ أهليةٌ وشخصيات عامة وأفراد، علاوة على انتشار هذه المطالبة في وسائل الإعلام، وتوقيع عريضة بشأنها، فإن هذه المرأة أصبحت تُعتبر، في العرف الاجتماعي، ومن الناحية الأخلاقية، فاقدةً الجائزة بسبب صمتها حيال الجرائم بحق مسلمي الروهينغا. وبينما تبيِّن هذه المطالبات مدى السخط الذي لاقته تلك المجازر ومتجاهليها، وتطرح مسألة إن كانت الجوائز تعطى لمن يستحقها، فإنها يجب أن ترقى إلى المطالبة بمحاكمة هذه المرأة نظراً لموقعها الذي يخولها التحكم بتحرك الجيش في بلادها، واقترافه الجرائم.
تعرِف سو تشي، أكثر من غيرها، ما تعنيه الجرائم التي ترتكبها قوات الجيش البورمي، منذ سنوات، بحق مسلمي الروهينغا في بلادها، وهي التي كانت قد عملت في الأمم المتحدة. فهي على درايةٍ بتصنيفات الجرائم، وبما يجعل أي أعمالٍ جرميةٍ ترقى لتصبح جريمة إبادة جماعية، وهو ما يعتبر بنداً يُضاف إلى البنود التي تدينها. فمن موقعها، في أعلى مراتب السلطة، تستطيع أن تتخذ التدابير القانونية والعملية لوقف الجيش وقوات الأمن، ومنعهم من اقتراف المجازر المستمرة. وإن تعذَّر عليها ذلك، فهي قادرةٌ على الكلام والتمنِّي، على أقل تقديرٍ. لكنها آثرت الصمت، بل وساهمت بإخفاء أدلة على تلك الأعمال، وعرقلت وصول معونات إنسانية للمستحقين من أقلية الروهينغا، ما يجعلها متواطئة.
وإذا لم تصدِّق سو تشي ما يقوله الإعلام، فلا بد أنها قرأت تقرير مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الصادر، في 3 فبراير/ شباط الماضي، وتحدّث عن فظائع وجرائم اغتصاب جماعية وذبح الأطفال الرضع والصغار بالسكاكين، مشيراً إلى أن "القسوة الرهيبة التي تعرض لها أطفال الروهينغا لا تطاق"، علاوة على ذكره نزوح آلافٍ منهم، منذ 9 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حين هاجمهم الجيش. كما أنها قرأت التقارير عن أعمال التطهير العرقي بحقهم، بقتلهم وحرق قراهم وبلداتهم، قبل ذلك بسنوات، حتى استحقّوا ما قالت الأمم المتحدة عنهم، سنة 2012، إنهم "الأقلية الأكثر تعرُّضاً للاضطهاد في العالم". ولم يتغير هذا الاضطهاد منذ
شغلت سو تشي منصبها، سنة 2015، ولم تعمل على تغيير حاله، بل وصلت إلى مرحلة الإنكار حين شكّكت، مراراً، بأن هذه الأقلية تنتمي لبلادها.
إضافة إلى إنكارها هذا، تطلب من الآخرين حذو حذوها، وهي التي قالت، في خطاب استحقاقها جائزة نوبل للسلام (1991) ولم تتمكن من إلقائه سوى سنة 2012: "حيثما يجري تجاهل المعاناة، سيكون هنالك بذور للنزاع"، لا تتجاهل معاناة الروهينغا فحسب، بل تطلب من السفير الأميركي في بلادها "عدم استخدام كلمة روهينغا"، في مشهدٍ من الإنكار قلّ مثيله.
من الواضح، من الإعلام وكتابات المثقفين الغربيين حول ما يجري في ميانمار، أن صدمةً حلت بهم بسبب صمت سو تشي حيال الفظاعات التي ترتكب بحق الروهينغا هذه الأيام، وهي التي كانت بالنسبة لهم رمزاً وملهمة بفضل نشاطها السلمي. ومعروف أنه لأمرٌ عظيمٌ بالنسبة للمواطن الغربي، والأوروبي خصوصاً، الذي يحترم المؤسسات، ويسلِّم بما يخرج عن تلك التي تتمتع بسمعةٍ طيبةٍ، حال مؤسسة نوبل، لكنه سرعان ما يصاب بخيبة، ويبدأ الشك يساوره بشأن فسادٍ حلَّ بها، بعد أن تتواتر إليه أخبار مخجلةٌ عن شخصٍ استحقها. ويصبح بمثابة الفضيحة، منحُ جائزة نوبل للسلام لشخصٍ، استحق صفة المتواطئ، في أعمال تطهيرٍ عرقيٍّ وإبادةٍ جماعيةٍ بحق أقليةٍ في بلاد يضطلع هو بمهام رسمية عليا فيها، وهذا حال أونغ سان سو تشي التي منحت هذه الجائزة، لدعمها النضال اللاعنفي ضد الديكتاتورية التي حكمت بلادها بين 1962 و2011، وقيادتها الحركة الديمقراطية فيها.
وكانت لافتة، إدانة القس وداعية السلام الجنوب إفريقي، ديزموند توتو، صمت سو تشي عن الجرائم، ودعاها إلى وقف اضطهاد الأقلية المسلمة في بلادها. وتوتو، الحائز جائزة نوبل للسلام سنة 1984، والمعروف بمواقفه المناهضة للظلم، قال مرة: "إذا كنتَ محايداً في حالات الظلم فقد اخترتَ أن تكون بجانب الظالم"، وهو ما رآه في موقف سو تشي، فكتب إليها في رسالة، عبر سفارة بلادها في بريتوريا، في 7 سبتمبر/ أيلول الجاري: "هدَّأ ظهورك في الحياة العامة مخاوفنا حيال العنف الذي تتعرّض له أقلية الروهينغا". وبعد أن قال لها إننا نعرف أنك على دراية بحق الجميع باتباع الدِّين الذي يريدون، وبأن لا أحد أعلى قَدْراً من أحد أو أقل منه، لذلك "يا أختي العزيزة: إن كان صمتك هو الثمن السياسي لاعتلائك أعلى المناصب في ميانمار، فإنه ثمن فادح بالتأكيد".
ومن موقعها في أعلى السلطة، لها الصلاحيات لوقف أعمال الجيش أو توجيهه للقيام بها، فإنها ربما هي من يعطي الأوامر لقوات الجيش والأمن لتنفيذ الأعمال الوحشية التي يقترفونها في إقليم أراكان، ذي الغالبية المسلمة، وليست صامتة على تلك الأعمال فحسب. فهي، لذلك، يمكن أن تُحاكم بتهمة اقتراف أعمال تطهير عرقي، وتنفيذ جرائم ضد الإنسانية. وبالنظر إلى المسؤوليات المضطلعة بها على رأس السلطة في ميانمار، يجب أن ترقى المطالب التي تركِّز على سحب جائزة نوبل منها، إلى المطالبة بتقديمها إلى محكمة العدل الدولية، لمحاكمتها على مسؤوليتها عن هذه الجرائم.
46A94F74-0E6B-4FEC-BFDA-803FB7C9ADA6
مالك ونوس

كاتب ومترجم سوري، نشر ترجمات ومقالات في صحف ودوريات سورية ولبنانية وخليجية، نقل إلى العربية كتاب "غزة حافظوا على إنسانيتكم" للمتضامن الدولي فيتوريو أريغوني، وصدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.