سبّابة المسلم"إرهابية" في الدنمارك

16 يونيو 2016
رفع السبّابة يعني الإيمان بالربّ (حسين بيضون)
+ الخط -
"السبّابة تلعب دوراً مركزياً في قضيّة الإرهاب". هذا ما يوحي به "خبراء" ووسائل إعلام في الدنمارك، من خلال تناول موضوع رفع السبّابة وكذلك لغة الجسد عند المسلمين. ولغة الجسد عموماً، لم تشغل محاكم كوبنهاغن مثلما شغلتها حركة السبّابة في محاكمة أربعة شبّان على علاقة بعمر الحسين، مرتكب هجوم كوبنهاغن في فبراير/ شباط العام 2015.

بعيداً عن جوهر التهم الموجّهة إلى هؤلاء الشبّان بـ"دعم الإرهاب والتعاطف معه"، بدأت نظرية استخدام معاني رفع السبّابة تُقحَم في المحاكمة كدليل من "أدلة الارتباط بالبيئة السلفية". وطرح الادعاء تساؤلاً حول "البيئة التي خرج منها عمر الحسين وهجومه على اجتماع حول حرية التعبير ومعبد يهودي فجر 15 فبراير/ شباط 2015. هل هؤلاء من البيئة الجهادية؟ الأشرطة وتسجيلات كاميرا المراقبة سوف تثبت ذلك". بحسب ما يرى الادعاء، فإنّ "عمر وبعد قتله الحارس المتطوع في المعبد في جادة كريستال، دان أوزان، شوهد في مقهى إنترنت في شارع نوربرو في كوبنهاغن يلتقي بالمتهمَين ل.ي. (21 عاماً) وأ. أ. (23 عاماً)... ثمّ انتقل الثلاثة إلى مكان مخصص لكبار الشخصيات في المقهى ورفعوا سبّاباتهم اليمنى في الهواء". بالتالي، فإنّ الشرح الذي يأتي به الادعاء لتثبيت تهمة الانتماء إلى ما يسمّى "البيئة السلفية الجهادية" بات السبّابات التي تأتي "محوريّة في ما التقطته كاميرا المراقبة". وهو ما استدعى أيضاً تدخّل خبراء مفترضين لشرح معاني "السبّابة الإسلامية".

النقاش المتعلق بالسبّابة، أخذ حيّزاً في مجريات المحاكمة المذكورة، وقد استُمِع إلى "خبير من جامعة كوبنهاغن" وهو يشرح ما يعنيه رفع السبّابة في الإسلام. على الرغم من احتجاج المحامين، إلا أنّ شرح الخبير الذي لم يُكشَف عن اسمه، لم يأتِ بجديد حين صرّح بأنّ "رفع السبّابة يرمز إلى التشهّد والإيمان بالله". واستفاض في القول إنّ "السبّابة ترمز أيضاً إلى إرادة الله والاشتراك الفعلي في عمل ما، من خلال رفع السبّابة لفترة قصيرة في الهواء. لكنّني لا أستطيع سماع ما قيل في شريط المراقبة لأنّه بدون صوت. لذا لا يمكنني ربطه ورمزيّته بعمل مقدّس باسم الله". إلى ذلك، ذهب "الشاهد الخبير" بصفته أكاديمياً متخصصاً، إلى أبعد من ذلك. وشرح للقضاة والادعاء أنّ السبّابة "تستخدم أيضاً في البيئة الأكثر تطرفاً، لدى السلفييّن الجهاديّين الذين يُعَدّ الإسلام بالنسبة إليهم أيديولوجيا".

في هذه القضية التي يحاكَم فيها الشبّان الأربعة بتهمة الإرهاب، وقع الادعاء أيضاً في ورطة حين استدعى شاهداً من "مركز تحليل الإرهاب" التابع لجهاز الاستخبارات ليقدّم رأيه كـ"خبير" ويشرح استخدام السبّابة. بحسب مايكل يول إريكسن، أحد محامي الدفاع عن الشبّان، فإنّ ذلك "يُعدّ منافياً لحيادية اختيار خبراء مستقلين عن الأجهزة الأمنية وحياديين". لكنّ مسؤولة القضاة في هذه المحاكمة ماريانا مادسن، لم تأخذ باحتجاج إريكسن.


وذهب شاهد الاستخبارات الدنماركية في شرحه إلى أنّ "رفع السبّابة يعني الإيمان بالربّ". ثم أسهب كـ"خبير في شؤون الجماعات المتطرفة والإرهاب" بالقول: "لكنّ السبّابة تلعب دوراً أساسياً أيضاً في إبراز قضية إسلامية معيّنة. رفع السبّابة له هدف في نشر التوسّع والسيطرة الإسلامية". واستعان الخبير بما جرى في جنازة عمر الحسين، للقول: "لقد رفع أصدقاء عمر أثناء دفنه سبّاباتهم في الهواء كتمجيد لعمل متطرّف"، مضيفاً أنّه "لم يرَ هذا الفعل في مناسبات أخرى". عندها، تدخّل إريكسن سائلاً الشاهد: "هل قرأت القرآن؟ هل تفهم العربية؟". لكنّ "الخبير" ببساطة، لم يكن يعرف شيئاً عن القرآن ولا يلمّ باللغة العربية. وهذا ما أدخل الادعاء في ورطة استدعاء خبراء مماثلين.

من جهته، استعان التلفزيون الدنماركي بخبير في شؤون الشرق الأوسط يُدعى مايكال لوند، للسؤال عن أيّ علاقة محتملة بين السبّابة والتطرف. يُذكر أنّ لوند لم يشاهد التسجيل الذي عرض في المحكمة كدليل اتهام ضدّ الشبّان في قضية تُعدّ خطيرة وفق قانون مكافحة الإرهاب، فقال إنّ "السبّابة تستخدم بكثرة عبر رفعها في الهواء من قبل مجموعات إسلامية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) خصوصاً، وهي ترمز إلى ما يسمّى في الإسلام بالتوحيد، ما يعني أنّ لا إله في هذا العالم إلا إله واحد. والتوحيد تعبير عادي في الإسلام. لكنّ السبّابة ترفع بكثرة من قبل المجموعات المحافظة التي تريد بناء خلافة وفرض الشريعة". أضاف أنّ "داعش من المجموعات التي تستخدم السبّابة بكثرة حين يقتل الأعداء أو يدفن مقاتليه أو حتى في نشر صور مسلّحيه على الإنترنت. بالنسبة إليه، هذا ليس فقط رمزاً دينياً، بل إشارة انتصار أيضاً كما نعرفها عادة على شكل V في الغرب".

لا يبدو أنّ النقاش المرافق للمحاكمة التي تشهدها كوبنهاغن سوف ينتهي عند حدّ رفع السبّابة، ولا عند الجدال بين الادعاء والمحامين حول تحليل لغة الجسد وما تعنيه الإشارات كأدّلة بحق المتهمين. يُذكر أنّ أحد المتهمين م. ر. (31 عاماً)، وقف أمام المدعي وقال: "السبّابة لا تعني شيئاً خاصاً من كلّ ما قيل. لن تجد مسلماً واحداً حول العالم لم يتشهّد ويستخدم سبّابته بطريقة أو بأخرى".
المساهمون