سبعة أيام قديمة

01 يوليو 2015
حسن مير / عُمان
+ الخط -

الأربعاء، 11 سبتمبر 1991، سان دييغو/ كاليفورنيا
يا عبدالله: على الأرض أن تكفَّ عن دوارِها المخبول هذا. على الكواكب أن تستكين لوهلة، كيما يُتاح لي (أُتيحُ لنفْسي، مكابرةً، ذلك) أن أقايض الجدار بالبحر؛ أن أغوي بالبحر الرمح؛ أن أرحم بالرمح الرَّحِم؛ أن أعيد الرَّحِم إلى المحَّارة: أن أمَّحي مقترفاً في الحنين أجمله، مغدوراً بالصمت في قصيدته. يا عبدالله: هاك حبل الكلمات فاشنُق به القول، وخذ ولع القلب فاستعن به على القلب طفلاً في قبر، أو كما أُمِّه، فالماضي عليه في الموت ردح وما فني فيه من المرآة امرأتها، وعليه من الله وشاح وحشته، فوالهفي على وجْدِه، تطوف به البرازخ وهو أسير فقدِه، وتفتقده العوالم وهو يقتفي أثر حتفه، كأنه نجم ظلَّ صغيراً فسوَّلت له نفسه ان أمَّه العتمة، أو كأنه أمَّه وقد ظللتها النار في إخوته.


الجمعة، 20 سبتمبر 1991، سان دييغو/ كاليفورنيا
تتفدَّح السماء بالماء
تهطلُ الجبال على البحيرات
فترتطم الشمس بأعمدة الفضاء
وتنبت على جلدي أعشاب الموت
تلفظ الأسماك أمواجاً صدئة
بينما تهاجر الطيور البيضاء إلى غابات الجنوب
هناك يختبىء صيادو المواسم في أعشاش من سُحب
يطلقون الرصاص وترانيم الأبدية
هذا ما باحت به أمطار الظهيرة
وهي تلفظ الروح إلى ورقتي.


الخميس، 3 أكتوبر 1991، سان دييغو/ كاليفورنيا
أيَّة سفينة ستهرِّب البحر إلى قلبي
حين تودِّع قريتها العاصفة
أية مناديل ستعطيني الدموع
عندما يقضي النسيان نحبَه
وتترمل الذاكرة
جزيرةً جزيرةً يريق مجاذيفه دمي
فأية خفقة ستومض للفنار
وأيُّ تِيْهٍ ستسلك البوصلة

الموج توأم الموت
الموتُ صِنوُ اليتم
والأشرعة وصايا الغرقى
تلفظهم صدورهم إلى صدري
ففي أي من رئتي ستتنادم البروق
وما دام الليل في أوله سأسأل:
هل هذه المرة أيضاً
أتدبر أمري حتى الصباح
برئة واحدة؟


الأربعاء، 23 أكتوبر 1991، سان دييغو/ كاليفورنيا
كأعرج يحمل قرية على رأسه
أتقدم إلى الليل
أطوِّح بالولع الذي جمعته من رحلتي حول العالم
على أول شارع
وعلى هدى الأحياء التي تحترق
أحبو مثل البكاء نحو قدميك
قدميك الصغيرتين اللتين اقتفتا أثر عيوني
فاهتدتا إلى عظامي
لترتقيا بها ألسنة الكارثة.


الجمعة، 25 أكتوبر 1991، سان دييغو/ كاليفورنيا
-إلى دايان-
إذ ينكسر البعد في المسافات
ويندثر الزمن
أضمِّدُ بدمي نجمتك الجريحة
وأجبِّر ساق السحابة بلساني
بينما تصرخين بالصمت
فتتأوه بيننا الكلمات حين يهمُّ بإفشائنا الهواء
مثل مُنشِدٍ يسكب الأسرار في الماء
ويأخذه الخرير إلى الغياب.


الإثنين، 28 أكتوبر 1991، سان دييغو/ كاليفورنيا
سأدغدغ الليلة أناملك الصغيرة بأسناني، مصغياً لأسرار هربت من الأرض، والهواء، واختبأت تحت أظافرك، قبل أن أدفنها في دمي. ثم أدفع بوجهي إلى إبطك ليتبرعم في الطين المُسَمَّد. سأكسو عينيك العاريتين بفمي، ثم أقبِّلك على الجبين مستسلماً لشفتيَّ تسافران عكس الاتجاهات التي يمليها لسانك على عنقي، ثم أحكُّ أنفي بخدِّك. ولأني أريد أن يرتعش رأسك قليلاً كرمَّانة من الثلج تحت المقصلة، وأن يتحول جسدك إلى غيمة نار، سأغمز للفضاء، وأعضُّ أذنك برفق قبل أن أسكب فيها زفرة قصيرة ولاهبة. ها قد حان أوان مفاجأتي الصغيرة: سأدفعك برغبة في اللحظة إياها، لحظة تسقطين كشلال على جسدي. سيحيِّرك ذلك قليلاً، لكني سأكون عندها قد أخرجت البندقية من تحت السرير، وإذ تفتحين عينيك كمنجمين يفيضان بالنجوم، سأطلق عليك الذهب.


السبت، 2 نوفمبر 1991، سان دييغو/ كاليفورنيا
لن أحبك الليلة
فالأقمار كفَّت عن المساء
والتجأت إلى ركبتيكِ
ولأني بعد كل ليلة
أكتشف مجدَّداً فقدان بعض أحشائي
على سجادتك
وأن ما تبقى منها الليلة
بالكاد يكفي لإشعال فانوسي الصغير
حين أغادر عينيك إلى العالم.



* شاعر وسينمائي من عُمان 

المساهمون