سباق لبناني ـ عراقي

23 مايو 2014

تصويت في البرلمان اللبناني لانتخاب الرئيس (إبريل 2014 أ.ف.ب)

+ الخط -
على الرغم من التوقعات التي استبقت الإعلان الرسمي لنتائج الانتخابات التشريعية العراقية، والتي كانت تشير إلى فوز قائمة ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الحكومة العراقية، نوري المالكي، إلا أن مراقبين عديدين كانوا يأملون أن يكون الفوز ضعيفاً، وبالتالي، يمكن أن يؤدي إلى إحداث تغيير في اسم المالكي الذي يثير استياء خصومه ومنافسيه الذين أملوا بإبعاده عن موقع رئاسة الحكومة. هو الممثل للكتلة الشيعية الأكبر، حصل وحده على أكثرية 95 نائباً منها 32 مقعداً في العاصمة بغداد في النتائج الأولية، ولا يزال في حاجة إلى تحالف مع أطراف وقوى سياسية من الكتل السنية والكردية من أجل تشكيل الحكومة.
هذه الأجواء التي عكستها النتائج ستخلط الأوراق على الأرض، مع استمرار التوتر الأمني، كما السياسي، لا بل استدعى الأمر إجراءات أمنية إضافية، تخوّفاً من ردود فعل على النتائج، ما استدعى موقفاً من الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، نيكولاي ميلادينوف، الذي طالب المرشحين ومؤيديهم بالحفاظ على الروح السلمية والديموقراطية. وستدعو هذه التطورات في الميدان إلى مزيد من الوقت، وربما أشهر، قبل التوصل إلى تشكيل الحكومة، من أجل التواصل، والتوافق على تركيبةٍ لن تكون بعيدة عن التطورات في المنطقة وتأثيراتها في المشهد الإقليمي، لا سيما في لبنان وسورية.
تعبير "اللبننة"، حاول عديدون إسقاطه على المشهد العراقي، في محاولة لمقاربته بالمشهد اللبناني خلال الحرب الأهلية، كما في التسوية السياسية التي حصلت بعد الحرب العراقية في العام 2003، وهو الاتفاق الذي سمي طائف العراق أيضاً، في مقاربة للوضع اللبناني. في المقابل، جرى توصيف الأحداث التي شهدها لبنان بعد العام 2005، لا سيما الاغتيالات والانفجارات، بالعرقنة للمشهد اللبناني.
كتب الكثير، وقيل أكثر عن الترابط في المشهدين العراقي واللبناني، على خلفية التدخلات الإقليمية والدولية في البلدين، خصوصاً أن اللاعبين هم أنفسهم من السعودية وإيران والولايات المتحدة وصولاً إلى فرنسا وروسيا، في مشهد ربما لا يزال يحتاج إلى مزيد من الوقت لترتسم ملامحه الجديدة.

في لبنان، سادت حالة من الاستقرار الأمني، بعد تشكيل حكومة برئاسة الرئيس تمام سلام، وهي جاءت نتيجة توافق بين القوى داخلياً، وبتأثيرات إقليمية ودولية، وهي استطاعت إنجاز خطط أمنية في طرابلس وعرسال، إضافة إلى تعيينات في مراكز شاغرة في إدارات الدولة، وهو ملف ما كان ليُنجز لولا التوافق بين القوى السياسية الأساسية. ويبدو أن هذا التوافق لم ينسحب على ملف الرئاسة، فمع قرب نهاية ولاية الرئيس الحالي، ميشال سليمان، في 25 مايو/ أيار الحالي، لم يتم التوافق على اسم مرشح، يمكن انتخابه في الموعد الدستوري، ما سيدخل البلاد في الفراغ، بانتظار تسوية من الخارج، ينشط اللاعبون الدوليون والإقليميون لإنضاجها في وقت ليس بعيداً.
نشطت حركة السفراء في لبنان بين السياسيين، في محاولة لإيجاد مخرج وتفادي الفراغ، وقد عبّر السفير الأميركي، ديفيد هيل، عن الرغبة الدولية بإجراء الاستحقاق في موعده، من دون أي تأثير، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يريد المساعدة في هذا المجال، معترفاً بالتحديات الكثيرة التي تواجه اللبنانيين. في المقابل، كان السفير الإيراني، غضنفر ركن أبادي، والذي يغادر قريباً بعد انتهاء عمله في لبنان، صريحاً عندما شرح مستجدات التعاون الذي تبذله بلاده إقليمياً، مؤكداً أن "للتقارب بين دول المنطقة بالغ الأثر على أمن المنطقة واستقرارها، بما في ذلك لبنان". وجال السفير السعودي، وهو الذي هندس زيارة رئيس الحكومة، تمام سلام، للقاء العاهل السعودي وكبار المسؤولين في جدة، على المسؤولين اللبنانيين، وأكد دعم المملكة لإجراء الاستحقاق، مركزاً على أن ملف الرئاسة مسؤولية المسيحيين بالدرجة الأولى.
دخل لبنان في غرفة العناية الإقليمية والدولية، وهو في انتظار التفاهمات الأخيرة، والتي تدرس على إيقاع اللقاءات السعودية ـ الإيرانية، إنْ عبر تلبية وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، الدعوة من نظيره السعودي، الأمير سعود الفيصل، أو عبر الاتصالات التي يحيكها الرئيس الأسبق، هاشمي رفسنجاني، مع المسؤولين السعوديين. وبالتوازي، تنسج إيران هذه التسويات بحياكة هادئة، تنتظر نتائج لقاءات مجموعة 5 + 1 في فيينا ونتائج الحوار مع اللاعب الأميركي.
هي مرحلة دقيقة وحساسة في آن، العراق ينتظر تركيبته النهائية، بعد إنجازه الانتخابات التشريعية، فهل يعيد رسم صورة مالكي جديد، بما يعنيه من إدخال لاعبين جدد على التقاسم الأميركي ـ الإيراني؟ أم ينتج "مالكياً" بصورته المكررة من استمرار للصراع الداخلي، وبالتالي تمديد الأزمة؟
يرخي الواقع العراقي بظلاله على الواقع اللبناني الذي ينتظر، أيضاً، تركيبته النهائية لانتخاب رئيس جديد، فهل يعيد إنتاج سليمان آخر، بما يعنيه من تقاسم فرنسي ـ سعودي ـ أميركي (وسابقاً سوري)؟ أم سينتج سليمان جديداً يتجاوز إدارة الأزمة إلى حلول وتسويات تبني استقراراً لمرحلة طويلة، ولو بمشاركة وتقاسم ـ إيراني ـ سعودي ـ فرنسي ـ أميركي؟
على الرغم من أننا دخلنا مرحلة السباق العراقي واللبناني، من أجل إنجاز الاستحقاقات الحكومية والرئاسية، إلا أن السيناريو النهائي لإخراج هذا الفيلم المأساوي العربي الطويل لم ينجز بعد، وهو مفتوح على عدة نهايات، يتمناها كثيرون "سعيدة".