09 يناير 2023
ساندرز .. أميركا يساراً
وائل السواح
باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.
خرج بيرني ساندرز من الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية في ولاية نيفادا بنصر ساحق. سبق ذلك حصوله على أكبر نسبة من الأصوات في ولاية أيوا، وفوز متوقّع في ولاية نيوهامشر، وهو يستعدّ الآن لخوض الانتخابات التمهيدية في ولاية ساوث كارولينا. كان لفوز ساندرز في ولاية نيفادا وقع مختلف، فيما عدا النسبة الكبيرة من الأصوات (47% تقريبا في مقابل 20% تقريبا لنائب الرئيس السابق جو بايدن الذي حلّ ثانيا)، لفت الأنظار تنوّع الأصوات من ناحية العمْر والعرق والجنس والاهتمامات السياسية، إذ إنه حصد أغلبية الأصوات في كلّ الفئات العمرية، ولدى الرجال والنساء ولدى الأميركيين من أصل لاتيني، وحلّ ثانيا بعد بايدن في نسبة أصوات الأميركيين الأفارقة، وهو ما أثار رعب المؤسسة الديمقراطية الأميركية.
بالنسبة لأميركيين، السيناتور بيرني ساندرز مهرطق ومجدّف. سبب ذلك أنه يسمّي نفسه، بدون مواربة، اشتراكيا ديمقراطيا، وهو يريد فرض ضرائب عالية على الشركات العملاقة في "وول ستريت"، لكي يموّل خطته في تأمين الرعاية الصحية للجميع، وتأمين رياض مجانية للأطفال، وفي حماية المناخ، وفي تحويل التعليم الجامعي إلى تعليم مجّاني، وزيادة رواتب المعلّمين وتأمين سكن لائق للأميركيين جميعهم، وليس لنسبة الواحد في المائة منهم.
تعتقد المؤسسة الديمقراطية (القيادة التقليدية للحزب الديمقراطي) أن فوز بيرني ساندرز سيكون
كارثةً على الحزب الديمقراطي، فهم يخشون أنه في حال فوزه في ترشيح الحزب الديمقراطي لن يكون قادرا على هزيمة الرئيس دونالد ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل من جهة، كما أنه سيؤثر سلبا على مرشّحي الحزب في مجلسي الكونغرس، وخصوصا في الولايات المتأرجحة بين الحزبين. ويقول قادة هذه المؤسسة، وبينهم مايكل بينيت الذي سحب قبل أيام فقط ترشّحه للرئاسة، وستيف إسرائيل، وهو عضو سابق في الكونغرس في نيويورك، ترأس لجنة الحملة الانتخابية للكونغرس الديمقراطي، إن السباق الرئاسي سيتم ربحه أو خسارته في سبع ولايات فقط، وهي التي ذهبت إلى كلّ من باراك أوباما ودونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية التي فازا فيها. وهم يخشون أن هذه الولايات لن تؤيّد رئيسا اشتراكيا ديمقراطيا.
وعبر كاتب الرأي، جيمس باردو، في افتتاحية له، عن أن أميركا تحتاج إلى "العودة إلى العقل، وليس التطرّف من أقصى اليسار المثالي، لهزيمة تطرّف ترامب في أقصى اليمين،" بينما قال جيم كليبرن، نائب ولاية ساوث كارولينا، وهو أحد كبار زعماء الحزب الديمقراطي في الكونغرس، إن ساندرز سيكون "عبئًا حقيقيًا علينا في هذه الولايات" مشيرا إلى إنه سيكون من الصعب المحافظة على المكاسب التي حقّقها الديمقراطيون في الكونغرس في انتخابات 2018 في حال ترشَحه.
بيد أن قيادة الحزب الديمقراطي في وادٍ وجماهيره في واد آخر، حيث يعتقد ثلاثة من كلّ أربعة ديمقراطيين أو من يميلون إلى الحزب الديمقراطي أن بيرني هو القادر أكثر من غيره على هزيمة تطرّف ترامب. ولا يزال ساندرز متصدّرا المرشّحين الآخرين في آخر استطلاعات الراي الأميركي بنسبة 33%.
هنالك أزمة حقيقية يمرّ بها الحزب الديمقراطي حاليا تكمن في السؤال: "هل نصوّت أخلاقيا أو براغماتيا؟"، بمعنى هل نصوّت وفق مبادئنا ومثلنا وقيمنا التي نطمح إلى تجسيدها، أم نصوّت لصالح من نعتقد أنه سيفوز في الانتخابات ضدّ ترامب. .. ثمّة من يعتقد أن الهدف الأوحد أمام الأميركيين الديمقراطيين والمحايدين ينبغي أن يكون هزيمة ترامب. في المقابل، يعتقد آخرون، وجلّهم من الشباب، أن الهدف يجب أن يكون مركّبا، فيتضمّن هزيمة ترامب وما يمثّل من سيطرة مطلقة للاحتكارات والشركات العملاقة، واستبدال ذلك بحكومةٍ تكون لجميع الأميركيين، تستعيد دور أميركا في العالم وتلعب دورا قياديا في حماية البيئة والمساواة بين الأعراق والحفاظ على القضاء الأميركي غير مسيّس وإصلاح السجون.
وفيما يخصّ العرب الأميركيين، يجب أن نتذكّر أن العرب في الولايات المتحدة كانوا تاريخياً يميلون إلى الحزب الجمهوري، لأسباب عدّة، بعضها اجتماعي وبعضها اقتصادي، فالحزب
الجمهوري محافظ اجتماعيا ودينيا، يجد فيه المحافظون العرب حمايةً لأبنائهم من ليبرالية الديمقراطيين، وهم في معظمهم من الشرائح العليا من الطبقات الوسطى وما فوقها، من أطباء ومهندسين ومستثمرين، وهؤلاء يميلون، ما لم تكن لديهم رؤية ليبرالية أساسا، إلى الحزب المحافظ، لأنه يخفّف ضرائب الأغنياء، ويدعم ازدهارهم.
غير أن سياسة ترامب المعادية للأجانب وقراراته المتعلّقة بالهجرة واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وبمرتفعات الجولان السورية جزءا من إسرائيل جعلت عربا أميركيين يعيدون التفكير في مواقفهم السياسية. ولن يكون غريبا أن يقف قطاع واسع من العرب الأميركيين في صفّ بيرني ساندرز، خصوصا أن مواقفه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي من أكثر المواقف موضوعية في تاريخ السياسيين الأميركيين. وقد أعلن ساندرز، أخيرا، أنه لن يحضر مؤتمر "إيباك" السنوي، بسبب مخاوفه من استعداد أكبر لوبٍ إسرائيلي في الولايات المتحدة لتأييد آراء المتعصبين، ورفضهم حقوق الإنسان للفلسطينيين. وهو لا يخفي اشمئزازه من شخص نتنياهو وسياساته العنصرية ضدّ الفلسطينيين، وقد وقف ضدّ قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة "أبدية" لإسرائيل، كما أنه يعترف بحق الفلسطينيين وأنصارهم في قيادة حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، على الرغم من محاولة بعض أصدقاء إسرائيل اعتبارها غير قانونية في أميركا.
وفيما يتعلّق بسورية، لا يخفي الرجل أيضا احتقاره دكتاتور سورية بشار الأسد، وقد انتقد بشدّة قرار ترامب في العام الماضي سحب قواته من شمال سورية بشكل مفاجئ. وهو لا يؤيّد التدخّل العسكري لإسقاط الأسد، فإذا عرفنا أن هذا هو موقف أوباما وترامب معا، على الرغم من اختلافهما في كلّ شيء آخر، قد يكون من الأفضل أن يكون في البيت الأبيض رجل لا يؤمّل السوريين كما فعل أوباما، ولا يرتفع بهم في النهار ليهوي بهم أرضا في الليل، كما فعل ويفعل ترامب. رجل قوي وعملي ونظيف، سيكون في مصلحة الجميع، تقريبا.
ويبقى السؤال: هل يمكن أن يفوز في معقل الرأسمالية من يسمّي نفسه علنا اشتراكيا ديمقراطيا؟ جوابي أن الأمّة التي انتخبت ديمقراطيا أسود من أب مسلم رئيسا، ثمّ أعقبته برجل مهووس وعنصري يؤمن بتفوق البيض وقريب من الفكر النازي، يمكن أن تفعل أي شيء، وليس غريبا أبدا أن تنتخب رجلا مثل بيرني ساندرز. ولا أحسب أنهم إن فعلوا سيندمون.
تعتقد المؤسسة الديمقراطية (القيادة التقليدية للحزب الديمقراطي) أن فوز بيرني ساندرز سيكون
وعبر كاتب الرأي، جيمس باردو، في افتتاحية له، عن أن أميركا تحتاج إلى "العودة إلى العقل، وليس التطرّف من أقصى اليسار المثالي، لهزيمة تطرّف ترامب في أقصى اليمين،" بينما قال جيم كليبرن، نائب ولاية ساوث كارولينا، وهو أحد كبار زعماء الحزب الديمقراطي في الكونغرس، إن ساندرز سيكون "عبئًا حقيقيًا علينا في هذه الولايات" مشيرا إلى إنه سيكون من الصعب المحافظة على المكاسب التي حقّقها الديمقراطيون في الكونغرس في انتخابات 2018 في حال ترشَحه.
بيد أن قيادة الحزب الديمقراطي في وادٍ وجماهيره في واد آخر، حيث يعتقد ثلاثة من كلّ أربعة ديمقراطيين أو من يميلون إلى الحزب الديمقراطي أن بيرني هو القادر أكثر من غيره على هزيمة تطرّف ترامب. ولا يزال ساندرز متصدّرا المرشّحين الآخرين في آخر استطلاعات الراي الأميركي بنسبة 33%.
هنالك أزمة حقيقية يمرّ بها الحزب الديمقراطي حاليا تكمن في السؤال: "هل نصوّت أخلاقيا أو براغماتيا؟"، بمعنى هل نصوّت وفق مبادئنا ومثلنا وقيمنا التي نطمح إلى تجسيدها، أم نصوّت لصالح من نعتقد أنه سيفوز في الانتخابات ضدّ ترامب. .. ثمّة من يعتقد أن الهدف الأوحد أمام الأميركيين الديمقراطيين والمحايدين ينبغي أن يكون هزيمة ترامب. في المقابل، يعتقد آخرون، وجلّهم من الشباب، أن الهدف يجب أن يكون مركّبا، فيتضمّن هزيمة ترامب وما يمثّل من سيطرة مطلقة للاحتكارات والشركات العملاقة، واستبدال ذلك بحكومةٍ تكون لجميع الأميركيين، تستعيد دور أميركا في العالم وتلعب دورا قياديا في حماية البيئة والمساواة بين الأعراق والحفاظ على القضاء الأميركي غير مسيّس وإصلاح السجون.
وفيما يخصّ العرب الأميركيين، يجب أن نتذكّر أن العرب في الولايات المتحدة كانوا تاريخياً يميلون إلى الحزب الجمهوري، لأسباب عدّة، بعضها اجتماعي وبعضها اقتصادي، فالحزب
غير أن سياسة ترامب المعادية للأجانب وقراراته المتعلّقة بالهجرة واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وبمرتفعات الجولان السورية جزءا من إسرائيل جعلت عربا أميركيين يعيدون التفكير في مواقفهم السياسية. ولن يكون غريبا أن يقف قطاع واسع من العرب الأميركيين في صفّ بيرني ساندرز، خصوصا أن مواقفه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي من أكثر المواقف موضوعية في تاريخ السياسيين الأميركيين. وقد أعلن ساندرز، أخيرا، أنه لن يحضر مؤتمر "إيباك" السنوي، بسبب مخاوفه من استعداد أكبر لوبٍ إسرائيلي في الولايات المتحدة لتأييد آراء المتعصبين، ورفضهم حقوق الإنسان للفلسطينيين. وهو لا يخفي اشمئزازه من شخص نتنياهو وسياساته العنصرية ضدّ الفلسطينيين، وقد وقف ضدّ قرار ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة "أبدية" لإسرائيل، كما أنه يعترف بحق الفلسطينيين وأنصارهم في قيادة حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، على الرغم من محاولة بعض أصدقاء إسرائيل اعتبارها غير قانونية في أميركا.
وفيما يتعلّق بسورية، لا يخفي الرجل أيضا احتقاره دكتاتور سورية بشار الأسد، وقد انتقد بشدّة قرار ترامب في العام الماضي سحب قواته من شمال سورية بشكل مفاجئ. وهو لا يؤيّد التدخّل العسكري لإسقاط الأسد، فإذا عرفنا أن هذا هو موقف أوباما وترامب معا، على الرغم من اختلافهما في كلّ شيء آخر، قد يكون من الأفضل أن يكون في البيت الأبيض رجل لا يؤمّل السوريين كما فعل أوباما، ولا يرتفع بهم في النهار ليهوي بهم أرضا في الليل، كما فعل ويفعل ترامب. رجل قوي وعملي ونظيف، سيكون في مصلحة الجميع، تقريبا.
ويبقى السؤال: هل يمكن أن يفوز في معقل الرأسمالية من يسمّي نفسه علنا اشتراكيا ديمقراطيا؟ جوابي أن الأمّة التي انتخبت ديمقراطيا أسود من أب مسلم رئيسا، ثمّ أعقبته برجل مهووس وعنصري يؤمن بتفوق البيض وقريب من الفكر النازي، يمكن أن تفعل أي شيء، وليس غريبا أبدا أن تنتخب رجلا مثل بيرني ساندرز. ولا أحسب أنهم إن فعلوا سيندمون.
وائل السواح
باحث سوري في قضايا المجتمع المدني وحقوق الإنسان. عضو في المكتب التنفيذي لرابطة الكتاب السوريين ورئيس تحرير موقع "سيريان أبزرفر" ومسؤول تحرير في موقع الأوان.
وائل السواح
مقالات أخرى
04 ديسمبر 2022
06 نوفمبر 2022
23 أكتوبر 2022