ساعتان تنهيان زواج أوروبا ولندن... بانتظار رفض البرلمان البريطاني

26 نوفمبر 2018
ماي بعد انتهاء القمة في بروكسل أمس(فيليب لوبيز/فرانس برس)
+ الخط -
أقل من ساعتين أنهتا، أمس الأحد، في بروكسل، زواجاً دام أكثر من أربعين عاماً بين الاتحاد الأوروبي، بمختلف تسمياته، وبريطانيا، عندما أقر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الـ27، ورئيسة حكومة بريطانيا، تيريزا ماي، اتفاقية خروج المملكة المتحدة من النادي الأوروبي، بالإضافة إلى الإعلان السياسي الذي يحدد إطار العلاقات المستقبلية بين الطرفين. لكن ما حصل أمس كان الخطوة السهلة في رحلة الطلاق، إذ تنتظر تيريزا أياماً سوداء وصولاً إلى 10 أو 11 ديسمبر/كانون الأول المقبلين، موعد تصويت البرلمان البريطاني على اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي، في ظل استبعاد نيل الاتفاق غالبية مؤيدة، بما أن أحزاب "العمال" و"الديمقراطيين الأحرار" و"الوطني الاسكتلندي" و"الديمقراطي الوحدوي" تعتزم التصويت ضد الاتفاق، من دون احتساب نواب حزب المحافظين الرافضين للاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد 18 شهراً من المفاوضات، بدأت بعدما حركت بريطانيا المادة 50 نتيجة الاستفتاء الذي صوت فيه البريطانيون صيف 2016 بالأغلبية للخروج من الاتحاد الأوروبي. 

بناء على ذلك، بدت ماي وكأنها تستبق الرفض البرلماني لنص الاتفاقية، فظهرت فناشدت الشعب البريطاني مبكراً بالتصويت إيجاباً في استفتاء شعبي قد تلجأ إليه لتعرض فيه نص اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوروبي. أما مصادقة البرلمان الأوروبي على الاتفاق بأغلبية بسيطة، فهي شبه مضمونة بعد موافقة رؤساء الدول الـ27، أمس، والتي جاءت سهلة إثر تراجع إسبانيا عن اعتراضها على خلفية النزاع على منطقة جبل طارق. ويتوقع أن تخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 29 مارس/آذار 2019. كذلك لم يجر أي تصويت على الاتفاقية في اجتماع القادة الأوروبيين، لأن التصديق في المجلس الأوروبي يتم بالتوافق.

طلاق تاريخي
وتضمن البيان النهائي لإعلان طلاق الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ثلاث فقرات فقط تنص على ما يلي: "يصادق المجلس الأوروبي على اتفاق انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والمجموعة الأوروبية للطاقة الذرية.على هذا الأساس، يدعو المجلس الأوروبي المفوضية والبرلمان الأوروبي والمجلس الوزاري إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان دخول الاتفاق حيز التنفيذ في 30 مارس 2019 ، من أجل توفير انسحاب منظم". وتابع النصّ: "يوافق المجلس الأوروبي على الإعلان السياسي الذي يحدد إطار العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. ويؤكد المجلس الأوروبي عزم الاتحاد على أن يعمل قدر الإمكان من أجل شراكة مع المملكة المتحدة في المستقبل تماشياً مع الإعلان السياسي. وسيستمر تحديد نهج الاتحاد من خلال المواقف والمبادئ العامة الواردة في المبادئ التوجيهية للمجلس الأوروبي المتفق عليها سابقاً".

في انتظار التنفيذ
وإذا كان كبير المفاوضين في الاتحاد الأوروبي، ميشيل بارنييه، قد اعتبر أن الاتفاق هو "أفضل صفقة ممكنة في الظروف الحالية"، فإن وثيقة الاتفاق التي تتكون من حوالي 600 صفحة، و185 باباً، بما في ذلك مجموعة من البروتوكولات والمرفقات، لا تحدد سوى النقاط العامة للطلاق، تاركة الباب مفتوحاً لمواصلة المفاوضات بشأن مجموعة من النقاط العالقة. فبخصوص الفترة الانتقالية بعد خروج بريطانيا، في 29 مارس 2019، تنص الاتفاقية على أن تستمر لمدة "21 شهراً، من 30 مارس إلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2020" مع "الحفاظ على الوضع الحالي عندما يتعلق الأمر بالسوق الداخلية والاتحاد الجمركي والسياسات الأوروبية بحقوقهم والتزاماتهم". وسيكون على بريطانيا أيضا مواصلة دفع مساهمتها المالية في الاتحاد لكن من دون أن تكون ممثلة في مؤسساته أو أن تشارك في قراراته مع الاتفاق على إمكانية تمديد هذه الفترة الانتقالية مرة واحدة وبموافقة كل منهما، لمدة يمكن أن تصل إلى "عام أو عامين" وحتى 2022 على أبعد حد. بالتالي، فإن مستقبل العلاقات بين الطرفين لم تحدد بعد بشكل دقيق. كما أن ملفات أخرى شائكة كملف الصيد البحري والمنافسة الاقتصادية تحتاج إلى اتفاق نهائي. وينص الاتفاق على أن يحتفظ صيادو السمك الأوروبيون بإمكانية دخول المياه الإقليمية البريطانية وأن يبقى البريطانيون خاضعين لحصص الصيد الأوروبية خلال المرحلة الانتقالية. لكن الاتفاق ينص على ضرورة إبرام اتفاق قبل منتصف 2020 على أبعد حد لتسوية هذه القضية بالغة الحساسية.

المنافسة وإيرلندا
كما تشكل مسألة المنافسة العادلة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، مصدر قلق للعديد من الدول الأعضاء. ففي اتفاقية الانسحاب، طُلب من بريطانيا أن تتوافق مع القواعد الاجتماعية والمالية والبيئية للاتحاد. ولكن لا يوجد أي تحديد للمدة الزمنية. كما أن الشك يراود الكثير من المسؤولين الأوروبيين حول الامتثال الفعلي من قبل لندن لهذه الإجراءات المتفق عليها في المستقبل. وإذا كان الاتفاق ينص على إنشاء ما أطلق عليه بـ"شبكة أمان" لمنع عودة النقاط الحدودية الفعلية بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا مع إقامة منطقة جمركية موحدة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، على أن تطبق إيرلندا الشمالية قواعد السوق الأوروبية الموحدة في ما يتعلق بحركة جميع البضائع بما فيها الزراعية، فقد حدد الطرفان مهلة أقصاها 1 يوليو/ تموز 2020 لوضع أطر اتفاق بديل لهذه الصيغة من "شبكة الأمان". وفي حال لم ينته إعداد اتفاق بحلول هذا التاريخ، فسيكون من الممكن العمل عليه خلال الفترة الانتقالية، وهو ما يعني أن الطرفين سيدخلان في مفاوضات شاقة.

مستقبل غامض
تقول إيلودي لومار، الخبيرة في الشؤون الأوروبية لـ"العربي الجديد" إن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، "لم يكن مخطئاً عندما قال إن بريكست يشكل دليلاً على أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى إعادة تأسيس، أو عندما وصف رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بالمأساة". وتضيف لومار: "هدد بريكست الكيان الأوروبي وشكك في جدواه. فخروج بريطانيا شكل ضربة قوية لهذا المشروع. كما أن الاتحاد الأوروبي يواجه الآن ضربات الشعبويين الذين استفادوا من هذه الأزمة". وبالتالي فإن الاتحاد "بحاجة إلى إعادة النظر في مجموعة من المسلمات إذا أراد الاستمرار في الوجود، خاصة في ما يتعلق بالإنصات لمطالب الشعوب وليس الاهتمام فقط بمصالح الشركات" على حد تعبير الخبيرة الأوروبية. وكان الرئيس الفرنسي قد جعل من إعادة اطلاق المشروع الأوروبي إحدى النقاط الرئيسية لبرنامج رئاسته، من دون نجاح واضح حتى الآن. وفي تعليقها على اتفاق خروج بريطانيا، تشير لومار إلى أنه "اتفاق الحد الأدنى في انتظار استمرار المفاوضات وسط شكوك في الحصول على موافقة البرلمان البريطاني، وهو ما يُظهر كم أن مستقبل الاتحاد غامض، على حد تعبيرها. وتلفت لومار إلى أن تأثير بريكست سيكون عميقاً سواء في أوروبا أو المملكة المتحدة، "وهو ما قد يفرض عليهما الوحدة مرة أخرى، وإن بأشكال أخرى، لمواجهة الصعاب المشتركة".

المساهمون