سؤالان برسم الجولاني

09 يونيو 2015
+ الخط -
تابعت، كما غيري، المقابلة التي "ظهر" فيها أبو محمد الجولاني (أو ربما لم يظهر كما شاهدت) على قناة الجزيرة. وذكر فيها مقولة على غاية من الأهمية، وهي أن أي دعم من أية جهة خارجية، ومهما كانت تلك الجهة، "صديقة" أو حتى "مسلمة"، لأي فصيل مسلح على الأرض، لا بد أن تكون مشروطة بتنفيذ (أو الامتناع عن تنفيذ) بعض المهام التي من أجلها يناضل هذا الفصيل المسلح، وهو العمل على إسقاط النظام. وضرب مثالا: إذا رغب أحد الفصائل في التوجه إلى معركة حلب، مثلاً، فتأتي الأوامر "من الداعم الخارجي" للتوجه إلى جبهة أو منطقة أخرى، بحجج مختلفة. وهكذا، تصبح هذه الفصائل أسيرة، بقراراتها وتوجهاتها، لدى جهاتها الداعمة والممولة. ولا شك أن لهذه الجهات أجندات ومصالح توجه بموجبها من تدعمهم نحو هذه الأجندات والمصالح.
السؤال الأول: فوجئت به في سياق الحديث يقول ما معناه إنه تلقى "التوجيهات" من الدكتور أيمن الظواهري، بعمل كذا والامتناع عن كذا؟ وأسأل الجولاني: من هو أيمن الظواهري لكي تأخذ منه الأوامر والتوجيهات؟ وماذا يمثل للثورة وللشعب السوري؟ وماذا يعرف أصلاً عن الثورة ومطالب الشعب السوري؟ ومن نصبه من الشعب حتى يملي أوامره ونواهيه فيما يصح وما لا يصح لهذا الشعب؟
وهل خرج الشعب السوري بثورته نصرة للظواهري، أو لبن لادن زعماء تنظيم القاعدة، أم خرج مطالباً بحريته وكرامته التي داسها البعث وآل الأسد بأحذيتهم نصف قرن من الذل والهوان والقمع والقتل؟
يكفي ما تسبب به تنظيم القاعدة من تشويه لصورة الإسلام في العالم، وإساءة للعرب والمسلمين، وإلصاق تهم القتل والإرهاب بهم. هل حرر هذا التنظيم فلسطين، بعد أن دمر البرجين في الولايات المتحدة، وفجر أنفاق المترو في أوروبا، وقتل من المسلمين الأبرياء أضعاف أضعاف ما قتل من سواهم!؟ هل أطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، أو قتل صهيونياً واحداً بعد تبجحه منذ أكثر من ثلاثين عاماً بعدائه لإسرائيل، والتوعد لها بالتدمير والثبور وعظائم الأمور؟ لماذا تعلن ولاءك لهكذا تنظيم، يشك المسلمون، قبل غيرهم، باتجاهاته وأهدافه؟
هكذا وبالمجان يا الجولاني وصمتَ الثورة السورية كلها بالإرهاب، حينما أعلنت ولاءك لهذا التنظيم المشبوه والمنبوذ، وأنت قائد واحد من أقوى الفصائل المسلحة المعارضة، إن لم يكن أقواها، وأعطيت الحجة والذريعة للنظام وأعوانه، بل حتى لمن يدعون نصرة الثورة السورية ودعمها، أعطيتهم الحجة لضرب الثورة والغدر بها، كونها ثورة يقودها "إرهابيون"!
المضحك المبكي في موقفك أيها السيد الجولاني إدعاؤك أنك لا تقبل أي دعم خارجي من أية جهة كانت، في حين تتلقى الأوامر والتوجيهات الآتية إليك من الخارج. فلو أنك قبلت الدعم الخارجي لعلمنا مصدره، ولكان لك أن تقبل أو ترفض "نصف ما يملى عليك" على الأقل، عن طريق المراجعة والمساومة. أما في حالتك هذه، فأنت، مع الأسف، تنفذ "كل ما يملى عليك" من أوامر من دون أي اعتراض، وممن؟ ممن لا يعلم عنه السوريون "أصحاب الشأن" شيئاً.
إذن، ما الفرق بينك يا سيد جولاني وبين بشار الأسد الذي يتلقى أوامره من إيران؟
والسؤال الثاني: ذكرت، في معرض حديثك عن الأقليات، أن ليس هناك ثأر معهم، طالما لم يرفعوا السلاح ضد شعبهم، وحتى العلويون هم في أمان، طالما منعوا أبناءهم من القتال وتبرأوا من أفعال آل الأسد وعصابتهم. وهذا كلام إيجابي ومحط تقدير من الشعب السوري، بغالبيته على ما أظن.
ولكن، لفتني قولك عمن خرج عن دائرة الإسلام (العلويون والدروز)، و"وجوب" إعادتهم إليه وتصحيح عقائدهم شرطاً لضمان أمنهم وسلامتهم، وكذلك عن وجوب دفع (النصارى) الجزية وغيرها من "الفتاوى". من نصبك يا سيد جولاني "وليا فقيهاً" على السوريين، لكي تقرر مَن المسلم منهم ومن الخارج عن دائرة الإسلام، وأنت ادعيت بأن جبهتك (جبهة النصرة) لا تكفر أحدا، وأنك نفيت عنها تلك العقيدة التكفيرية؟ أم أن هذه أيضا توجيهات وأوامر أيمن الظواهري في كيف سيتعامل الشعب السوري بعضه مع بعض؟
اسمع. ليس لك الحق فيما ذهبت إليه من مصادرة حق تقرير المصير للشعب السوري بكل أطيافه وتنوعه، لأن هذا الحق هو فقط بيد هذا الشعب. هو من سيقرر مصيره. وإن دوركم كقادة ومقاتلين ميدانيين هو في تحريره وتمكينه من اختيار وسائل الحكم وأجهزته ومؤسساته. وإن الشعب السوري لن يقبل بتلقي الأوامر من خارج حدود وطنه من أي كان. بل ويرفض منح ولائه لأية جهة خارجية، مهما كانت شعاراتها وتوجهاتها. إن ولاءك لتنظيم القاعدة أو لغيره سيلغي ولاءك للشعب السوري، مهما قدمت من أجله. ثار الشعب السوري ليقول كلمته، لا لينفذ كلام الآخرين.
avata
avata
رائد الجندي (سورية)
رائد الجندي (سورية)