يوماً ما سأتعلّم الصفير
سأتعلّم الصفير لأصفِّر لكم
بسبّابتَيْن معقودتَين
بإصبعين صغيرتين متّحدتيْن
بالسبّابة وإبهام اليد الواحدة
تحت لساني المطويّ كورقة مديدة
سأتعلّم الصفير لأصفّر لكم
أنتم الذين أدرتم ظهوركم
لحروف ندائي
بإمعان خطواتكم في الابتعاد
للّحاق بظلالكم المتصدِّعة
تحت مطرقة المغيب
بإمكاني اختراق طبلات آذانكم
كعجلة قمرٍ جرّارٍ حارث للبراري
بالصفير الأخير الذي يلي كل شيء
الصفير الأخير لقطارٍ ليلي يغادر
محطّة المسافرين التي لن يعود إليها
سأتعلّم الصفير لأصفّر لكم
أنا شغف قصب الضفاف
بتربية الفراغ في الخراطيش
أنا ضفاف من القصب الشغوف
بتربية الخراطيش في الفراغ
سأتعلّم الصفير لأصفّر لكم
عندما لا يسعنا سوى لغة الصفير
للاستئناس في ما بيننا نحن القرويين الطيبين
بفؤوسنا المتناثرة على امتداد الصباحات
عالياً تهوي على رخام مقالع الشموس
لينزلق الصفير رشيقاً على تلال الصمت
كما لو ما زلتُ الطفل الذي حثيثاً يدحرج
بغصن يابس النهارَ دراجةً في المنحدرات
عندما لا يسعنا سوى لغة الصفير
للتواعد السكري فيما بين عشاق قدامى
متعاقدين على اللقاء في لغة العصافير
التي تتناقل بكل ثقة شيفرة أحرف رسائلهم
مندلقة من أفواهها المفتوحة كحقائب سعاة البريد
كما لو ما زلت العاشق الذي أخفق
مع صبية تصغرني بالحساب المنقوص لسنواتي
فيما تكبرني بالحساب المضاف
لصليل صفيرها في الأرجاء
سأتعلّم الصفير يوماً ما
على غرار عصفورة الطفولة
التي كانت تحطّ على حبل غسيلنا
بانتظام كل مساء
بصافرة معلّقة على العنق النحيل
حالما تنفلق حنطة الفم طافحة الاصفرار
حالما يشقشق النهار من جديد في حنطة الفم المنفلقة
تستحيل العصفورة إلى صافرة مجنّحة
يستحيل اخضرار الريش إلى انهمار أخضر
فينزلق الصفير سخياً
على عجلة الحوصلة المنفوخة
التي تتدحرج جيئة وذهاباً
تتدحرج حول محور الحوصلة
في تجويف أنبوب الحنجرة المفتوحة
بالأمواس الحادّة للصفير
في المشهد الاعتيادي للعمود
يختتم الزيارة القصيرة المتكرّرة للزقزقة
بانسدالٍ رشيق للذيل الطويل
على بصقة متلألئة على المناديل البيضاء
قبل أن تسترجع الصافرة المبحوحة
عصفورة الأجنحة الطائرة
سأتعلّم يوماً ما الصفير
سأتعلّم الصفير لأصفِّر لكم
أنتم الذين أدرتم ظهوركم
لحروف ندائي
بإمعان خطواتكم في الابتعاد
للّحاق بظلالكم المتصدّعة
تحت مطرقة المغيب
بإمكاني اختراق طبلات آذانكم
كعجلة قمرٍ جرّار حارث للبراري
بالصفير الأخير الذي يلي كل شيء
الصفير الأخير لقطار ليليّ يغادر
محطّة المسافرين التي لن يعود إليها
بوردة مديدة عالقة تتناثر شراراتها
على امتداد سكّة الحديد
* شاعر من المغرب