تحمل زيارة القائد الجديد لـ"فيلق القدس" التابع لـ"الحرس الثوري" الإيراني إسماعيل قاآني، لسورية، التي كُشف عنها يوم السبت الماضي، رسائل عدة، ولا سيما في ما يتعلق باستمرار السيطرة الإيرانية والتحكم بجزء كبير من القرار العسكري في سورية. وزيارة قاآني هي الأولى لسورية منذ مقتل سلفه قاسم سليماني في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، في العاصمة العراقية بغداد. وتناقلت معرّفات وصفحات سورية معارضة وموالية للنظام، صوراً من الزيارة التي يعتقد أنها حصلت في مطلع شهر فبراير/شباط الماضي، لجبهات القتال التي تنتشر فيها مليشيات عدة، فضلاً عن حزب الله. وزار قاآني جبهات ريف حلب الغربي بالقرب من بلدتي نبل والزهراء، والتقى مقاتلين موالين لإيران في الريف الجنوبي من حلب، تحديداً بالقرب من بلدة خان طومان، التي سيطر عليها النظام أخيراً. كذلك زار المسؤول الإيراني قاعدة جبل عزان الإيرانية في ريف حلب الجنوبي، وهي القاعدة العسكرية الأضخم لإيران شمال غرب سورية. وأظهرت إحدى الصور قاآني مع محمد علي بوزادوري، وهو عضو سابق في الجمعية الاستشارية الإسلامية الإيرانية.
ولا شك في أن زيارة القائد الجديد لـ"فيلق القدس"، ولا سيما لجبهات "منطقة خفض التصعيد" التي تضم كامل محافظة إدلب، وأجزاءً من أرياف حلب الغربي والجنوبي وحماة الغربي والشمالي واللاذقية الشرقي، تُعَدّ إشارة واضحة إلى إصرار إيران وتأكيدها لإثبات حضورها بقوة في سورية، وجبهات القتال الشمالية منها، بعد أن كان ذلك محط شكوك بالتراجع والانحسار، إثر مقتل سليماني والاعتقاد الذي ساد حينها، بأن الولايات المتحدة ستعمل على تقويض وجود "الحرس الثوري" والمليشيات الموالية له في سورية، إلا أن من الواضح أن إيران تسير في خط معاكس من خلال تمددها أكثر فأكثر، ضاربة عُرض الحائط بكل التهديدات والتوقعات. مع العلم أنه سبق لقاآني أن ظهر في مقطع مصوّر، إثر إعلان خلافته لسليماني، في مطلع فبراير الماضي، هدّد فيه الولايات المتحدة بـ"قبضات حديدية في أنحاء العالم"، مؤكداً أن بلاده "لن تتصالح" معها و"ستواصل مقاومتها". وعلى الرغم من أن الفيديو نُشر في حينه للمرة الأولى، لكن تاريخه لم يكن واضحاً وقتها، إلا أن الصور تشير إلى أنه ربما ألقى هذه الكلمة خلال حفل تأبين لسليماني أخيراً، حيث قال قاآني إن أميركا باغتيالها سليماني "فتحت أبواب الجحيم على نفسها". وأكد قائد "فيلق القدس" الإيراني، أن "العدو لا يفهم سوى لغة القوة"، مشدداً على أنه "لا يمكن أبداً المصالحة والمساومة" معه، وقال إن "خيارنا هو المقاومة وإنها متجذرة في نفوسنا".
أما عن التزام إيران والمليشيات الموالية لها الاتفاقات الروسية - التركية حول إدلب، فاعتبر هاشميان أن "طهران تفاجأت بالهجوم التركي على قوات النظام وعلى مليشياتها، الذي أفضى إلى سيطرة تركيا وقوات المعارضة على مواقع قاتلت فيها المليشيات. وبعد الاتفاق بين الروس والأتراك، بات من الواضح أن إيران فقدت القرار السياسي حول الملف السوري أو المشاركة في صياغة أُطره، وأصبحت تابعة للقرار الروسي، وأيضاً بشار الأسد في هذه المعادلة الجديدة أصبح أكثر تبعية لروسيا منها إلى إيران. لذلك تسعى طهران إلى تعزيز وجودها في منطقة خفض التصعيد". وأبدى اعتقاده بأن "الإيرانيين في هذا الوقت تحديداً لا يستطيعون مواجهة تركيا عسكرياً في إدلب، ولا مواجهتها سياسياً في المعادلات الإقليمية والدولية الراهنة، لذلك عليهم القبول بالوضع الراهن والصمت لمدة غير محددة".
وشارك الإيرانيون، والمليشيات المحسوبة عليهم بقوة في المعارك الأخيرة لقضم أجزاء واسعة من "منطقة خفض التصعيد" التي بدأت منذ إبريل/نيسان من العام الماضي، وتوقف مساء الخميس ـ الجمعة بعد الاتفاق الروسي ــ التركي حول إدلب. وخسر الإيرانيون وحلفاؤهم خلال تلك المعارك الكثير من المقاتلين، ولا سيما على جبهات سراقب، حيث قتلت الطائرات المسيَّرة التركية نحو 30 عنصراً في يوم واحد في بلدة الطلحية شمال شرق سراقب.
وبعد سيطرة تلك المليشيات على قريتي الخوين والتمانعة جنوب إدلب وشرقها العام الماضي، عززت من وجودها داخل القريتين، واتخذت منهما نقاط انطلاق نحو جبهات أخرى خلال المعارك الأخيرة. كذلك نقلت إيران الكثير من مقاتلي المليشيات إلى إدلب من منطقة السيدة زينب جنوبي دمشق خلال الأشهر الأخيرة، عبر طائرات "يوشن" للشحن، فوصلوا إلى مطار حماة العسكري وانتشروا فيما بعد على الجبهات، وعُزِّز وجود هذه المليشيات في ريفي حلب الجنوبي والغربي. وفي جبهات اللاذقية وجبهة تلة الكبينة تحديداً، يعتبر الثقل البشري للمقاتلين الذين يشاركون المعارك إلى جانب قوات النظام، أساسه من مقاتلي المليشيات الإيرانية، ورغم ذلك لم تستطع قوات النظام ولا تلك المليشيات إحراز تقدم يذكر على تلك الجبهة، نظراً لصعوبة بيئتها الجغرافية.