03 اغسطس 2022
زيارة بومبيو وخنوع السلطة في لبنان
أثارت زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك يومبيو، إلى لبنان كثيرا من الصخب والضجيج والتضارب في ردود الفعل التي عكست إرباكا لدى الطبقة السياسية. التقى بومبيو الجميع، بدءا برئيس الجمهورية ميشال عون، مرورا برئيس الحكومة سعد الحريري، وبرئيس مجلس النواب نبيه بري، وبوزيري الداخلية والخارجية، كما التقى لأول مرة زعماء أحزاب، سمير جعجع ووليد جنبلاط، وكذلك قائد الجيش. كانت تصريحاته صادمة، والمروحة الواسعة للقاءاته التي شملت عمليا الجميع تعكس أهمية مضمون الزيارة الذي من أجله جاء وزير خارجية ترامب إلى بيروت: تشديد الحصار على إيران، والتحذير من مغبة وقوع لبنان في قبضة حزب الله الذي لم يتوان عن وصفه بـ"الإرهابي" في المؤتمر الصحافي مع نظيره اللبناني جبران باسيل، وفيه تبنّى رسميا ولأول مرة تهمتين توصيفيتين جديدتين بأن الحزب "يتاجر بالمخدرات ويتعاطى تبييض الأموال"!
وإذا كان هذا ما قاله رئيس الدبلوماسية الأميركية في تصريحاته العلنية، فما عساه قال، يا ترى، في محادثاته مع رئيس الجمهورية الذي خرج بعد انتهاء اللقاء في محاججة يدافع فيها عن حزب الله، قائلا إنه مكون لبناني، ويمثل شريحة واسعة من اللبنانيين، ويمثل إحدى الطوائف الرئيسية في لبنان، ويستعمل سلاحه للدفاع عن لبنان ومؤازرة الجيش. وقد سبق الاجتماع جو من التوتر، اذ أبقى عون ضيفه في الانتظار دقائق قبل أن يطل عليه، وتعمّد عدم مصافحة نائبي بومبيو لشؤون الشرق الأوسط وآسيا اللذين كانا برفقته، واللذين ليسا محل تقدير
لدى عون. وكان الاثنان قد حضرا تباعا في الأسابيع الأخيرة إلى بيروت، للتمهيد لزيارة الوزير. في المقابل، غادر بومبيو من دون أن يسجل أي كلمة في السجل الذهبي للقصر الجمهوري. ولاحقاً اضطرت دوائر القصر أن تصدر بياناً تنفي فيه المعلومات التي تسربت عن عدم مصافحته المساعدين، مؤكدة أن كل ما قام به رئيس الجمهورية يدخل ضمن سياق البروتوكول المعتمد. أما وزير الخارجية وصهر الرئيس فقد سعى، في تصريحاته، إلى أن يكون أقل حدة، محاولاً التوفيق بين دفاعه عن حزب الله، وضرورة أن لا يستفز واشنطن، وهو الطامح لوراثة حميه في رئاسة الجمهورية. ورد على بومبيو، نافياً أن يكون حزب الله إرهابياً بالنسبة للحكومة اللبنانية، لأن "له ممثلين في البرلمان، وهو مشارك في الحكومة، وله قاعدة شعبية عريضة".
وكان واضحاً أن بومبيو تقصد إحراج زميله، لأنه أخرج ورقة من جيبه، وقرأ تصريحه مكتوبا. وقد اختلفت طبيعة اللقاء مع رئيس الحكومة الذي أبقى ضيفه إلى مائدة الغداء، ولكن الحريري اعتصم بالصمت، ولم يدل بأي تصريح بعد انتهاء محادثاتهما. والكلام نفسه قاله بري أمام ضيفه الأميركي دفاعا عن شريكه الشيعي (وغريمه لاحقا؟!). وقد ختم رئيس الدبلوماسية الأميركية نهاره بعشاء في منزل النائب ميشال معوّض (نجل رئيس الجمهورية الأسبق رينيه معوّض)، وهي خطوة فسّرها بعض من كان حاضراً العشاء أن الإدارة الأميركية تقصدت إيصال رسائل داخلية بعيدة المدى إلى الموارنة الطامحين لرئاسة الجمهورية، بدءاً بباسيل نفسه الذي هو حليف انتخابي لمعوّض، وإلى جعجع الذي التقاه بومبيو في السفارة الأميركية، وإلى سليمان فرنجيه خصم الثلاثة معاً، وهو ابن المدينة نفسها التي ينتمي إليها معوّض! كما أن الأربعة هم من محافظة الشمال. وقد تقصد بومبيو أيضا القيام في اليوم الثاني بجولة سياحية على بعض المعالم الأثرية والدينية في مدينة بيبلوس التاريخية، لإظهار ربما نوع من الثقة والارتياح. وبدت لافتةً الزيارة التي قام بها إلى رئيس أساقفة بيروت لطائفة الروم الأرثوذكس، المطران الياس عوده، المعروف بعدائه للنظام السوري، وفتور علاقته مع رئيس الجمهورية. ولم يزر بومبيو البطريرك الماروني الذي جرت العادة أن يزوره السياسيون والمسؤولون الأجانب، لما له من دور تاريخي روحي ووطني جامع.
وفور انتهاء زيارة بومبيو، غادر رئيس الجمهورية في زيارة رسمية إلى روسيا، حاملا معه هم النازحين السوريين الذين باتوا حملاً ثقيلاً على كاهل لبنان، وتحولوا إلى مادة للتجاذب السياسي، ومتاجرة بعض السياسيين في لبنان والخارج بمصيرهم. ولهذه الأسباب، يصر عون على إعادة تطبيع العلاقة مع نظام الأسد، بحجة إمساكه بمفتاح عودة النازحين، وعلى تمتين العلاقة مع طهران التي تمسك عملياً بناصية القرار على الأرض. وهذا ما تعارضه واشنطن
التي فرملت اندفاعة بعضهم نحو دمشق، وهذا ما قالته صراحة للمسؤولين في لبنان. فلذلك بدت زيارة عون موسكو وكأنها تحد لرغبات واشنطن. وكان الرئيس الروسي، بوتين، قد أطلق في العام الماضي مبادرة لإرجاع السوريين إلى بيوتهم، سرعان ما اصطدمت بواقع الصراع القائم على الأزمة السورية بين الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج العربي التي تصر على حل سياسي، يقضي بخروج الأسد من السلطة (قرار مجلس الأمن 2254) قبل البدء بعملية إعادة الإعمار، والمعسكر الآخر الذي تتزعمه روسيا ومعها إيران، والذي يريد عودة النازحين وإعادة الإعمار بمعزل عن الحل السياسي، ولكنه لا يملك الأموال اللازمة.
ولم يكتف بومبيو بما أثاره من إحراج لدى المسؤولين والسياسيين الذين التقاهم، وما صرح به بعد لقاءاته، فقد فجر، قبيل مغادرته، قنبلة من العيار الثقيل، عندما قال، في حديث تلفزيوني لإحدى المحطات العربية، إن جميع القادة اللبنانيين الذين التقاهم أعربوا له، بحسب ما قال بالحرف، عن "ضرورة التخلص من الهيمنة الإيرانية على لبنان". أي أنهم يداهنون القيادة الإيرانية، وخصوصا حلفاءها، وأنهم يضمرون عكس ما يصرحون به. وقد أثار هذا الكلام لغطا وصخبا وإرباكا لدى معظم الطبقة السياسية. والأغرب من ذلك أن أحدا لم يتجرأ بعد مرور ثمانية وأربعين ساعة على نفي ما جاء على لسان بومبيو أو التعليق عليه. علما أنه غادر ووعدنا بمزيد من العقوبات على حزب الله، وحتى على من يتورط من السياسيين الحلفاء في أي محاولة لإيجاد مخارج اقتصادية ومالية له.
وكان واضحاً أن بومبيو تقصد إحراج زميله، لأنه أخرج ورقة من جيبه، وقرأ تصريحه مكتوبا. وقد اختلفت طبيعة اللقاء مع رئيس الحكومة الذي أبقى ضيفه إلى مائدة الغداء، ولكن الحريري اعتصم بالصمت، ولم يدل بأي تصريح بعد انتهاء محادثاتهما. والكلام نفسه قاله بري أمام ضيفه الأميركي دفاعا عن شريكه الشيعي (وغريمه لاحقا؟!). وقد ختم رئيس الدبلوماسية الأميركية نهاره بعشاء في منزل النائب ميشال معوّض (نجل رئيس الجمهورية الأسبق رينيه معوّض)، وهي خطوة فسّرها بعض من كان حاضراً العشاء أن الإدارة الأميركية تقصدت إيصال رسائل داخلية بعيدة المدى إلى الموارنة الطامحين لرئاسة الجمهورية، بدءاً بباسيل نفسه الذي هو حليف انتخابي لمعوّض، وإلى جعجع الذي التقاه بومبيو في السفارة الأميركية، وإلى سليمان فرنجيه خصم الثلاثة معاً، وهو ابن المدينة نفسها التي ينتمي إليها معوّض! كما أن الأربعة هم من محافظة الشمال. وقد تقصد بومبيو أيضا القيام في اليوم الثاني بجولة سياحية على بعض المعالم الأثرية والدينية في مدينة بيبلوس التاريخية، لإظهار ربما نوع من الثقة والارتياح. وبدت لافتةً الزيارة التي قام بها إلى رئيس أساقفة بيروت لطائفة الروم الأرثوذكس، المطران الياس عوده، المعروف بعدائه للنظام السوري، وفتور علاقته مع رئيس الجمهورية. ولم يزر بومبيو البطريرك الماروني الذي جرت العادة أن يزوره السياسيون والمسؤولون الأجانب، لما له من دور تاريخي روحي ووطني جامع.
وفور انتهاء زيارة بومبيو، غادر رئيس الجمهورية في زيارة رسمية إلى روسيا، حاملا معه هم النازحين السوريين الذين باتوا حملاً ثقيلاً على كاهل لبنان، وتحولوا إلى مادة للتجاذب السياسي، ومتاجرة بعض السياسيين في لبنان والخارج بمصيرهم. ولهذه الأسباب، يصر عون على إعادة تطبيع العلاقة مع نظام الأسد، بحجة إمساكه بمفتاح عودة النازحين، وعلى تمتين العلاقة مع طهران التي تمسك عملياً بناصية القرار على الأرض. وهذا ما تعارضه واشنطن
ولم يكتف بومبيو بما أثاره من إحراج لدى المسؤولين والسياسيين الذين التقاهم، وما صرح به بعد لقاءاته، فقد فجر، قبيل مغادرته، قنبلة من العيار الثقيل، عندما قال، في حديث تلفزيوني لإحدى المحطات العربية، إن جميع القادة اللبنانيين الذين التقاهم أعربوا له، بحسب ما قال بالحرف، عن "ضرورة التخلص من الهيمنة الإيرانية على لبنان". أي أنهم يداهنون القيادة الإيرانية، وخصوصا حلفاءها، وأنهم يضمرون عكس ما يصرحون به. وقد أثار هذا الكلام لغطا وصخبا وإرباكا لدى معظم الطبقة السياسية. والأغرب من ذلك أن أحدا لم يتجرأ بعد مرور ثمانية وأربعين ساعة على نفي ما جاء على لسان بومبيو أو التعليق عليه. علما أنه غادر ووعدنا بمزيد من العقوبات على حزب الله، وحتى على من يتورط من السياسيين الحلفاء في أي محاولة لإيجاد مخارج اقتصادية ومالية له.