زندالي

24 أكتوبر 2016
حليم قارة بيبان/ تونس
+ الخط -

يُعدّ "المِزْوِد" النمطَ الموسيقي الشعبي الأبرز في تونس، ولعله استفاد من عقود من محاولات إسكات صوته، حتى تسعينيات القرن الماضي، بمنع بثّه في وسائل الإعلام أو دراسته أكاديمياً، بالرغم من أن مظاهر تذوّقه لم تغب عن المجتمع التونسي في القرن العشرين، وكأن ذلك يشير إلى أنه يلبّي من الحاجيات الفنية للناس مما لا تستطيعه الفنون التي تحت رعاية الدولة.

لـ "المزود" تفريعاته، ومنه نمطُ "الزندالي" الذي يؤلف أغانيه المساجين، وبالتالي فقد كان "أغنية سياسية" سبقت ظهور هذا التوجّه الفني بعقود طويلة، وإن كانت الثيمة الرئيسية في الزندالي هي الغدر (غدر الحبيبة أو الأصدقاء).

حصل بالفعل في نهاية السبعينيات، مع صعود النضال الشعبي، العمّالي والطلابي، استلهامٌ في الأغنية الملتزمة التونسية من موروث الزندالي أو تحيين كلمات بعض أغانيه وتغذيته بواقع الاعتقالات السياسية، كما في أغاني صالح الفرزيط بالخصوص.

قبل أن تمرّ عليه ما سُمّيت بعمليات "تهذيب التراث"، نقع على الكثير من المفردات الجنسية الصريحة في أغاني الزندالي، وهو سبب آخر في قبوعها طويلاً في الهامش. هذه "البذاءة" موضوعية، فـ "منتجو" الزندالي، مساجين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات العشرين، معظمهم من فئات لا تعير التوافقات الاجتماعية أي اهتمام، فنشأ تبعاً لذلك فنٌ بذيء ولكنه صادق. سيلمس هذا الصدق كل من يطّلع على التجربة في لاحق العقود.

لعل حكاية الزندالي تتضمّن محاكاة (عفوية) لمسارات أنماط فنية عدّة قفزت لأسباب اجتماعية وثقافية وسياسية متعدّدة من الهامش إلى مساحات مضاءة حين انفلت كل شيء من قبضة التوافقات والتوقعات.

المساهمون