روسيا توظّف العقوبات لتطوير صناعتها الوطنية

25 فبراير 2015
تصميم بوتين في كرنفال "روز" في ألمانيا قبل أسبوعين(Getty)
+ الخط -
في إطار السعي إلى تأمين بدائل للمعدات والمواد المستوردة المشمولة بالعقوبات الغربية، يبحث عملاق الغاز الروسي "غاز بروم" داخل روسيا عن مصادر تغنيه عن الحاجة إلى المعدات الأجنبية، وتحرره من الضغوط التي تمارس عليه، في إطار المواجهة الجيوسياسية بين روسيا والغرب الأطلسي. فهل تلبي الصناعة الروسية حاجته، فتحرره من قبضة الغرب الأطلسي؟
تقول التقديرات الرسمية إن قيمة ما تستورده شركة "غاز بروم" سنويا من معدات وتجهيزات ومواد مختلفة لازمة لتنفيذ مشاريعها واستمرارها في الإنتاج والتصدير، تزيد عن مليارين ونصف المليار دولار. فهل تكسب الصناعة الروسية هذا الرقم غير القليل؟
من أجل أن يكون ذلك ممكنا، أدخل مجلس إدارة "غاز بروم"، في الرابع من فبراير/شباط الجاري، تعديلا على قانون المشتريات الخاص بالشركة، يتناسب مع سياستها الجديدة.
وتقول مصادر في الشركة: سوف يتم من الآن فصاعدا شراء المنتجات المعدنية والآلات والمعدات من المنتجين الروس بالدرجة الأولى، باستثناء الحالات التي ينعدم فيها إنتاج المعدات المطلوبة أو بدائلها في روسيا. علما بأن منتجات بعض المعدات التي تحتاجها "غازبروم" ولا يوجد لها بديل روسي، لا تزال تشغل نسبة مهمة من احتياجات "غازبروم". وقد تبين ذلك مع تحولها في نهاية العام الماضي إلى العمل على برنامج المصادر المحلية البديلة.
في قائمة مصادر عملاق الغاز الروسي لاحتياجاته نحو 410 شركات أجنبية، أكثر من ربعها شركات أميركية وألمانية وفرنسية وبريطانية ويابانية، ملتزمة بالعقوبات المفروضة على موسكو، بسبب موقفها في أوكرانيا.
وقد أكدت مصادر مقربة من "غاز بروم" لصحيفة "فيدوموستي"، أخيرا، نية الاستغناء نهائيا عن الشركات التابعة للبلدان التي أقرت العقوبات المفروضة على روسيا، أو انضمت إليها. فإذا ما تحقق ذلك تكون الصناعة الروسية قد استفادت من العقوبات الغربية أيما فائدة.
وفي إطار دعم النهج الروسي الساعي إلى تهميش دور الدولار كعملة وسيطة في حسابات روسيا الدولية، تحولت "غاز بروم" إلى الروبل في حساباتها مع بيلاروسيا. فبدءا من نهاية العام الماضي، انتقلت "غاز بروم" إلى بيع الغاز لبيلاروسيا بالروبل. ذلك ما أعلن عنه مدير القسم المالي والاقتصادي في "غاز بروم"، أندريه كروغلوف، خلال مقابلة على قناة "روسيا-24" التلفزيونية. ووفقا لكروغلوف، فإن الانتقال إلى البيع بالعملة الوطنية يعد "نهجا اليوم"، تسعى إليه الشركة مع زبائنها في كل مكان.

وفي سياق متصل، يبدو واضحا الوزن الاستراتيجي لعملاق الغاز الروسي في علاقات موسكو مع الغرب. والمثال الأكثر وضوحا على ذلك، تحويل خط أنابيب "السيل الجنوبي" لنقل الغاز نحو تركيا، واكتساب المشروع تسمية "السيل التركي"، في تضييق روسي واضح على أوروبا التي تتبنى سياسات واشنطن بما يناقض مصالحها الاقتصادية. علما بأن الكرملين يحاول فتح ثغرة في الجدار الأوروبي عبر المجر، كخطوة أولى.
فقد أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في بودابست، بعد لقائه برئيس وزراء المجر، فيكتور أوربان، إمكانية أن يتحول جزء من "السيل الجنوبي" الذي تم توقيفه إلى جزء مكمل لـ"السيل التركي" نحو أوروبا. فالجزء البري من "السيل الجنوبي" كان يفترض أن يمر عبر أراضي بلغاريا وصربيا والمجر وصولا إلى النمسا.
وقد تم تقدير كلفته بتسعة مليارات ونصف المليار يورو. وكان يفترض أن تشارك في المشروع شركات مشتركة بين "غاز بروم" والشركات الوطنية في البلدان المذكورة، إلا أن ذلك توقف بسبب العقوبات التي تلاها قرار الكرملين إيقاف المشروع الذي ماطلت أوروبا كثيرا في تنفيذه، بحجة عدم توافقه مع "حزمة الطاقة الثالثة".
إلى ذلك، قلصت "غاز بروم"، بدرجة كبيرة، تصدير الغاز إلى أوروبا. فتراجع تصدير الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، خلال عام 2014، بمعدل 13.80% إلى 121.3 مليار متر مكعب. وهذا هو الحجم الأقل من الغاز المصدّر إلى الاتحاد الأوروبي في السنوات العشرين الأخيرة. علما بأن شركة "غاز بروم" هي من يقوم بتقليص التصدير مع تقليل الضخ عبر أوكرانيا. ولا يعود الأمر إلى تراجع الطلب الأوروبي على الغاز الروسي، وفق تقديرات شبه رسمية.

اقرأ أيضا: مصر وروسيا: متأزمان يبحثان التعاون

وفي إطار الدور الجيوسياسي لـ"غاز بروم"، بدأت الشركة، في الأسبوع الماضي، بتزويد إقليم دونباس الأوكراني الانفصالي بالغاز الروسي من دون مقابل، تحت مسمى مساعدات إنسانية، بعدما توقفت كييف عن تزويد الإقليم الذي تخوض حربا شرسة معه بالغاز. وهو ما دفع السجال المزمن بين روسيا وأوكرانيا إلى الظهور مجددا، بعدما أغلقت شركة "نفط غاز" الأوكرانية صنابير الغاز عن الإقليم الانفصالي، بحجة الضرر البالغ الذي تعرض له خط نقل الغاز نتيجة المعارك. وقد أفادت وكالة "ريا نوفوستي" بأن كبير المهندسين في إدارة خطوط نقل الغاز في جمهورية لوغانسك الشعبية، فاديم توبوي، قال: "نعم، الغاز الروسي ما زال يصلنا، الغاز يصلنا بالحجم الطبيعي. أما الغاز عبر أوكرانيا، فلا يصل إلينا حاليا"، حسب تعبيره.
وفي السياق، كتب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري ميدفيديف، على صفحته في فيسبوك، قبل ثلاثة أيام: "وهكذا لم تستأنف كييف تزويد منطقتي لوغانسك ودونيتسك بالغاز، ومن أجل حماية الناس من البرد.
لكن روسيا ستزود هاتين المنطقتين بالغاز عبر خط أنابيب بديل". وأضاف: "تقضي الاتفاقات بأن تدفع كييف مقدما ثمن الغاز الروسي، وتبعا لحجم ما نضخه اليوم، بما في ذلك إلى دونيتسك ولوغانسك، فإن الأموال الأوكرانية لا تكفي سوى لعدة أيام. والغاز يجب أن يُدفع ثمنه".
وأما في الواقع، فإن روسيا تدير الأمور نحو أن تدفع أوروبا وأوكرانيا أثمانا سياسية للغاز الروسي، ويبدو أن هذه الورقة لا تزال فاعلة إلى الآن، وفق المراقبين.

اقرأ أيضا: أميركا تستعد لتوجيه ضربة قاضية لروسيا
اقرأ أيضا: موسكو مطمئنة لاقتصادها رغم مضايقات الغرب
المساهمون