لم تمر أسابيع على فوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة الأميركية، والذي وصفته منافسته الديمقراطية الخاسرة، هيلاري كلينتون، باعتباره "دمية بوتين"، حتى فاز "صديق بوتين"، رئيس الحكومة الفرنسية الأسبق، فرانسوا فيون، في الانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي يوم الأحد الماضي، وليصبح بالتالي مرشح اليمين لانتخابات الرئاسة الفرنسية في ربيع 2017.
وإذا كان ترامب قد لوح بإمكانية الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وأعرب خلال حملته الانتخابية، مراراً، عن نيته تحسين العلاقات مع موسكو، فإن فيون معروف بعلاقته الوطيدة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ودعواته إلى الاعتراف بضم القرم، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا بسبب الوضع في أوكرانيا منذ عام 2014. إلا أن الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ألكسندر كوكييف، يقلل من عامل شخصيات القادة الغربيين الجدد في مسألة إلغاء العقوبات وتحسين العلاقات الروسية الغربية. ويعتبر أن الأمر مرهون بالدرجة الأولى بالتقدم في تنفيذ اتفاقات مينسك للتسوية في منطقة دونباس شرق أوكرانيا، والرغبة في استعادة العلاقات وإيجاد حلول وسط من الجانبين. ويقول في حديثه لـ"العربي الجديد": "شهدت العلاقات الروسية الأوروبية تدهوراً كبيراً في السنوات الماضية جراء صدام نموذجين مختلفين. من جهة، واصل الاتحاد الأوروبي تطبيق برنامج الشراكة الشرقية الذي يشمل عدداً من الجمهوريات السوفييتية السابقة من دون مراعاة مصالح موسكو، ويواصل حلف شمال الأطلسي توسعه شرقاً، في حين توجهت روسيا نحو التكامل الأوراسي على الرغم من أنها بلد أوروبي تاريخياً، وتحتاج إلى الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ولن تبني علاقة متكافئة مع الصين".
في هذا السياق، يرى نائب مدير معهد الولايات المتحدة وكندا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فيكتور كريمينيوك، أن الأزمة في العلاقات الروسية الأميركية ناجمة عن رفض كل طرف التعاون مع الطرف الآخر. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "وصول شخصية جديدة إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، يفتح آفاقاً جديدة لتطبيع العلاقات"، مشيراً إلى أن "المشكلة الحالية تعود إلى عدم الرغبة في العمل سوية وإصرار كل طرف على أنه وحده على حق". وحول وجود "لوبي" قوي في الولايات المتحدة للإبقاء على العقوبات، يضيف: "لا أعتقد أنه قوي، إذ طفح كيل الجميع، والعقوبات في حد ذاتها هي إجراء لا يؤدي إلى حل نهائي"، بحسب تعبيره.
على مدى أكثر من عامين، كان للأحداث الدراماتيكية على الساحة الدولية تأثير كبير على المشهد الداخلي الروسي. وارتفعت شعبية بوتين إلى أعلى المستويات منذ ضم القرم، متجاوزة عتبة 80 في المائة. وكان الخطاب الرسمي والإعلامي الروسي يشدد على وجود خطر خارجي على البلاد تشكله قوى خارجية عن طريق إضعاف الاقتصاد ثم تحريك "الطابور الخامس" داخلياً لتدبير "ثورة ملونة".
وتشير رئيسة قسم التحليل بمركز التكنولوجيا السياسية، تاتيانا ستانوفايا، في مقال بموقع "ريبابليك.رو" الليبرالي، إلى أن "السياسة الخارجية الروسية كانت عاملاً حاسماً لتحديد السياسة الداخلية ومزاج الرئيس الروسي وخطابه". وتساءلت حول ما إذا كانت سلسلة النجاحات في السياسة الخارجية المتمثلة في فوز ترامب وتقدم فيون وانتخاب رئيسين "صديقين" في بلغاريا ومولدوفا، ستؤثر على المشهد الداخلي. وتوضح أن "الأزمة في العلاقات مع الغرب أدت إلى توجه روسيا نحو الانعزال، مما تمثل في إعلان المنظمات غير الربحية بوصفها عميلة للخارج، واستبدال الاستيراد، وتعزيز أجهزة القوة من جهاز الأمن الفيدرالي ووزارة الدفاع ومجلس الأمن، وفرض قيود على شركات الإنترنت وتشديد الرقابة على وسائل الإعلام، وتشديد قوانين مكافحة التطرف والإرهاب"، بحسب قولها.
إلا أن ستانوفايا تشكك في إمكانية تغير المشهد الداخلي في روسيا حتى في حال إلغاء ترامب لحلف "الناتو" وعدوله عن برنامج الدرع الصاروخية في أوروبا وتوقيع كافة الاتفاقات مع موسكو. وتخلص إلى القول: "لقد تراكمت عوامل كثيرة داخل روسيا ستعيق تخفيف السياسة الداخلية وستعرقل خفض المنحى التصادمي الذي تتسم به السياستان الخارجية والداخلية الروسيتان".