يبدو أن الروس أمّنوا وجودهم في سورية لنصف قرن مقبل على الأقل، بعدما أقر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين البروتوكول الملحق باتفاقية نشر القوات الجوية الروسية في سورية، والذي وقّع عليه الطرفان في دمشق في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، والذي جاء بناءً على توجيهات بوتين في ديسمبر/كانون الأول عام 2016 الماضي، والذي منح القوات الروسية البقاء في الأراضي السورية لمدة 49 عاماً بالمجان قابلة للتجديد 25 عاماً، في حال لم يطلب أحد الطرفين الخروج من الاتفاق قبل عام من نهاية الاتفاق. وكان مجلس الشيوخ (الاتحاد) الروسي صادق على البروتوكول في الـ 19 من الشهر الحالي، وسبقه على التصديق مجلس النواب (الدوما) الروسي.
ويعتبر هذا البروتوكول ملحقاً بالاتفاقية الموقعة في أغسطس/آب 2015 بين الروس والنظام، ويرمي إلى توضيح المسائل المتعلقة بنشر مجموعة القوات الجوية الفضائية الروسية في الأراضي السورية والوضع القانوني لأفرادها وأفراد عائلاتهم، والمسائل المتعلقة بالممتلكات التابعة للمجموعة والعقارات، وشروط أنشطتها.
كما يحدد البروتوكول أن الجانب السوري يتولى الحراسة الخارجية لأماكن مرابطة العسكريين الروس والحدود الساحلية لمركز التموين التقني المادي للأسطول الحربي الروسي في طرطوس، فيما سيتولى الجانب الروسي مهمات الدفاع الجوي والحراسة الداخلية والحفاظ على النظام العام داخل أماكن مرابطة القوات. وتحدد بنود هذه الوثيقة مسائل نشر مجموعة الطائرات الحربية الروسية والممتلكات التابعة للقوات الروسية في سورية، وكذلك المسائل المتعلقة بتأمين أنشطة القوات الروسية في سورية.
وتتمركز القوات الجوية الروسية بشكل رئيسي في "مطار حميميم العسكري" الملاصق لمطار مدني صغير، يطلق عليه النظام اسم "مطار الشهيد باسل الأسد" (شقيق رئيس النظام بشار الأسد الذي مات في عام 1994 إثر حادث سير)، وذلك مع بدء دعم الروس للقوات النظامية والمليشيات عام 2015 بالغطاء الجوي الحربي.
ويقع مطار حميميم، الذي تحول إلى قاعدة عسكرية روسية، يمنع على العسكريين السوريين دخولها من دون إذن مسبق، في ريف مدينة اللاذقية، التي يبعد عنها نحو 19 كيلومتراً وأقل بـ15 كيلومتراً عن مسقط رأس رئيس النظام القرداحة، ونحو 4 كيلومترات عن مدينة جبلة.
وتعتبر قاعدة حميميم صغيرة نسبياً لتكون قاعدة جوية، فلا تتجاوز مساحتها السابقة 1.6 مليون متر مربع، بعد أن أنشأها النظام للطيران المروحي، لكن القوات السورية استخدمتها لاحقاً لاستقبال الطائرات المدنية الصغيرة والمتوسطة، إلا أن الروس في أغسطس/ آب 2016 أعربوا عن عزمهم توسيع القاعدة بغرض تحويلها إلى قاعدة جوية عسكرية مجهزة بشكل متكامل، فتم توسيعها 1.4 مليون متر مربع، لتصبح مساحتها 3 ملايين متر مربع. كما تم توسيع مدرجها ليصبح بعرض 100 متر، وطول 4600 متر، ما يسمح بهبوط طائرات "أنطونوف"، أكبر الطائرات الروسية الحاملة للدبابات والمدافع، وطائرات "سوخوي 35"، إضافة إلى السماح بإقلاع 12 طائرة "سوخوي" دفعة واحدة. كما تم تخصيص ساحات لهبوط وإقلاع طائرات النقل "أن 124" (روسلان) الثقيلة. وذلك حتى لا تعرقل عمليات شحن وتفريغ هذه الطائرات العملاقة وصيانتها الحركة الاعتيادية في المطار، إضافة إلى إنشاء مبانٍ خاصة للضباط والمهندسين والتقنيين، كما زودت القاعدة بأنظمة رادار متطورة وأنظمة دفاعات جوية أهمها "إس 400"، التي تُعتبر من أهم القواعد الجوية الروسية خارج أراضيها.
ولا يوجد معلومات رسمية حول عدد الجنود الروس في قاعدة حميميم أو في مختلف المناطق الروسية، وكذلك الحال بالنسبة للأسلحة الموجودة في القاعدة. وتتحدث تقارير عن وجود آلاف من الضباط والجنود ومجموعة من طائرات "سوخوي 34" و"سوخوي 24" و"سوخوي 30" ومروحيات الهجوم وطائرات التجسس، إضافة لعربات مدرعة ودبابات.
وساهمت القوات الروسية بحسب تصريحات قياداتها أخيراً، عبر مساندتها للقوات النظامية والمليشيات، بدءاً من الدعم الجوي إلى مشاركة الضباط الروس في قيادة المعارك على الأرض وزج وحدات خاصة روسية في المعارك والكمائن والإنزالات، في تعديل ميزان السيطرة على الأرض للنظام في عام 2015 بنسبة 10% إلى 40% في عام 2017.
ومع توجه الروس إلى العمل بمسارات المصالحات المحلية وتفريخ معارضة تتطابق معهم وتنفذ أوامرهم، أنشأوا في قاعدة حميميم مركزا "للمصالحات" للتواصل مع الفصائل المسلحة المعارضة وقيادات المناطق المناهضة للنظام، وغالبيتها كانت تخضع للحصار والقصف، لعقد تلك المصالحات المزعومة على أساس التسليم بسلطة النظام أو التهجير إلى مناطق أخرى. وأفاد مركز المصالحات في آخر نشرة إعلامية له صدرت في 25 من الشهر الحالي، بأنه "بشكل عام تم تنفيذ 1494 عملية إنسانية في سورية، كما تمّ أخيراً توقيع 3 اتفاقيات حول انضمام قرى ومدن في ريف إدلب إلى نظام وقف الأعمال القتالية. ليزيد العدد الإجمالي للقرى والمدن التي انضمت إلى نظام وقف الأعمال القتالية إلى 2025 قرية". وذلك في وقت تستمر المباحثات مع قادة فصائل المعارضة المسلحة بشأن انضمامها إلى نظام وقف الأعمال القتالية في محافظات حلب وإدلب ودمشق وحماه وحمص والقنيطرة، لكن لم يتغير عدد الفصائل المسلحة التي أعلنت عن قبولها بتنفيذ شروط وقف الأعمال القتالية وهو 228 فصيلاً.
كما كانت القاعدة مركز إنشاء مجموعة سياسية حاولت صبغها بصبغة المعارضة وزجها في العملية التفاوضية، عرفت "بمنصة حميميم" في بداية عام 2016، عبر استدعاء مجموعة من الشخصيات إلى القاعدة والتوقيع على بيان مشترك، برئاسة الضابط السابق في القوات النظامية إليان مسعد. كما أنشأ الروس منصات أخرى خارج سورية، منها منصة أستانة برئاسة رندا قسيس ومنصة موسكو برئاسة قدري جميل، وهي الوحيدة التي تشارك في مباحثات جنيف الخاصة بسورية.
وكانت موسكو وقعت مع النظام اتفاقا بخصوص قاعدة طرطوس البحرية السورية الروسية، بذات تاريخ توقيع البروتوكول السابق، يمنحها كذلك حق الاستخدام المجاني للقاعدة لمدة 49 سنة قابلة للتمديد تلقائياً. كما يوفر الاتفاق للقوات الروسية حق نشر 11 سفينة حربية في الميناء الموسع، بما في ذلك سفن نووية.
يذكر أن سورية كانت قد وقعت اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي في سنة 1971 خلال أيام الحرب الباردة لبناء قاعدة عسكرية بحرية سوفييتية في طرطوس؛ لكن هذه القاعدة هُجرت إثر انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، قبل أن يوافق الأسد عام 2008، على اتفاقية لبناء قاعدة عسكرية بحرية روسية دائمة مجدداً في طرطوس، لتكون مركزاً جديداً لروسيا في البحر المتوسط.