روايات للخريف الجزائري

11 سبتمبر 2016
(غرافيتي لـ إل سيد في شارع ديدوش مراد/ الجزائر)
+ الخط -

في السادس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، تنطلق فعاليات الدورة الواحدة والعشرين من "معرض الجزائر الدولي للكتاب"، التي ستستمرّ حتى الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني. إلى الآن، لم يُعَلن عن تفاصيل برنامج الدورة الجديدة، لكن الناشرين والكتّاب، الذين يرون في المعرض فرصتهم الوحيدة طيلة السنة لتسويق أعمالهم، بدأوا في الإعلان عن إصداراتهم الجديدة.

بالطبع، يصعب إجراء مسح دقيق لجميع الأعمال التي تصدر خلال هذه الفترة. لكنّنا، نحاول هنا، الإضاءة على بعض الأعمال التي يُنتظر أن تلفت الانتباه خلال هذا الموسم.

بعد "في ضيافة إبليس" و"قضاة الشرف" و"فصوص التّيه"، يطأ عبد الوهاب بن منصور، في روايته الرابعة "الحي السفلي"، عوالم جديدة في تجربته الروائية، مواصلاً تطرّقه إلى سطوة السلطتين السياسية والدينية، متناولاً ثيمة القهر بمستويين للحكي؛ حيث صوتان وزمنان يرسمان ملامح شخصية العمل الرئيسية: أحمد القط.

يبدأ المستوى الأوّل بعد تعافي "القط" من عدوى الكوليرا التي ضربت حيّه القصديري، وهروبه من المستشفى وعودته إلى الحي الذي كان يسكنه رفقة جدّته وأبيه، وبعد وفاة أمّه بالعدوى. والثاني، بعد نجاته من محاولة انتحار، أو فشله في وضع حدّ لحياته، وعودته مرّة ثانية إلى المستشفى وتعرّضه للمساءلة والتعذيب بسبب اختياره الذكرى العشرين لاستقلال بلاده كتاريخ لإنهاء حياته البائسة، حيث يُتّهم بالتخطيط لثورة هو يتزعّمها ويتّخذ من القطط جنوداً فيها، بعد أن رفض مغادرة الحيّ السفلي ووقف في وجه الآليات التي تريد مسحه من الوجود، لإنشاء منتجع سياحي.

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول بن منصور إن روايته، التي تصدر عن "منشورات مدارج" و"دار الوسام العربي" و"دار مجد"، تتناول حقبة زمنية حبلى بالأحداث المتعاقبة التي سترسم فيما بعد مستقبل الجزائر، "هي رواية عن الهامش بكل تفاصيله، عن الطبقية وعبثية الاستقلال وشعارات الثورة والبناء".

غير بعيد عن هذا السياق التاريخي، تأتي رواية محمد بن جبار الثانية "الحركي"، التي تصدر عن "منشورات القرن 21"؛ حيث يروي العمل قصّة رجل يُدعى أحمد بن شارف، وهو "حرْكي" (عميل للجيش الفرنسي خلال الاستعمار)، يدخل في سباق ضد مرض الزهايمر من أجل تدوين مذكّراته خلال سنواته في صفوف الجيش الفرنسي في بلده، ويسجّل بدقـة متناهية مسار السنتين الأخيرتين من تاريخ الثورة الجزائريـة. ومن خلال نظرة كولونيالية؛ إذ يرصد المجتمع القريب من داخل الثكنة، متطرّقاً إلى أحداث تنتهي بخروجه من الجزائر في صيف 1962، وتدفعه إلى إعادة النظر في ثنائيـة الشرف والخيانـة، وتجعل منه شاهداً على تحوّل كبير في نظرته إلى الجزائر والثورة والحرب ورفاقه الحرْكى.

أيضاً، تأتي الرواية الرابعة لـ إسماعيل يبرير "مولى الحيرة"، التي تصدر عن "منشورات الحبر" في الجزائر و"منشورات مسكيلياني" في تونس، متناولةً جوانب من التاريخ الجزائري المعاصر. يرصد العمل، من خلال حكايات متقاطعة، تاريخ الجزائر عبر ستّة عقود، متمثّلاً سيرة بشير الدّيلي، الشاعر اليساري الذي لم يكتب قصيدة بعد؛ إذ آمن بأن الشعر سقف الفنون وسدّة الوجود، وظلّ متطلّباً، فلم يعثر على القصيدة المنشودة.

يظلّ بشير وفيّاً لحبّه نحو السيّدة التي يُشير إليها العمل بـ "العارفة" أو "الخونية"، تصوّفت بعد أشهر من زواجهما، ثم تركته، فقرّر أنّه ليس يسارياً ولا يمينياً ولا أيّ شيء آخر، فقط بشير الدّيلي الهائم على وجهه حتّى تأتي عليه لعنة الموت والتقتيل والتكفير، فيهجّر "حيّ القرابة"، إلى آخر ليبرالي "حي تشي غيفارا". يتألّم في حضور ضبابي لابنه مينا الذي لم يعش عنده، وتتوتّر حياته أكثر، ومن خلالها تنقل توترات "حي القرابة" العتيق، ومدينة الجلفة والجزائر ككلّ. "محاكمة غير معلنة لتاريخ الدولة الوطنية وللإفلاس المتكرّر عبر مسارات مختلفة".

الهواجس نفسها تقريباً، نلمسها في رواية محمد ساري الجديدة، الصادرة عن "منشورات الشهاب"، والتي يشخّص فيها مسارات العنف في المجتمع الجزائري خلال خمسة وخمسين عاماً من عمر الاستقلال. فمن خلال عدد من الحكايات التي وقعت في فترات مختلفة، يرصد صاحب "الورم" الاضطرابات الكبرى داخل المجتمع، في فترة زمانية ميّزها البؤس الاجتماعي والأكاذيب والتطرّف الديني، وهي عناصر أدّت مجتمعةً إلى تفشّي العنف في مجتمع اليوم.

ينطلق الروائي، في عمله الصادر بالفرنسية، من قصّة المهدي، الشخصية الرئيسية، في البحث عن مصادر العنف، حيث يعود إلى سيرة الشاب الذي نصّب نفسه إماماً في أواخر الثمانينيات، وقام بحملة "تطهير ديني" في القرية رفقة أتباعه في محاولة لفرض سيطرته.

يحضر التاريخ أيضاً في رواية سعيد خطيبي "أربعون عاماً في انتظار إيزابيل"، الصادرة عن "منشورات الاختلاف" و"ضفاف"، تستند إلى سيرة الرحالة السويسرية إيزابيل إيبرهارت التي يقول الروائي إن الكتابة عنها أشبه بمعادلة رياضية بمجاهيل كثيرة، أشبه بسير في أرض مفخّخة بالأسئلة، لحلّها وللإجابة عليها، أوجب الأمر بحثاً تاريخياً، ومطابقة بين أرشيف ووثائق وشهادات، متناقضة فيما بينها أحياناً، للوصول في النّهاية إلى ترتيب البازل، ورسم بورتريه شبه كامل عنها.

أمّا الروائي سمير قسيمي، فيعود برواية جديدة بعنوان "كتاب الماشاء: هلابيل النسخة الأخيرة"، والتي صدرت في طبعتين عن "دار المدى" في العراق و"المؤسّسة الوطنية للفنون المطبعية" في الجزائر.

العمل هو تتمّة لرواية "هلابيل" (2010)، وتنطلق من قرار رقمنة الأرشيف الفرنسي، حيثُ يعهد إلى لي جوليان بمهمّة "رقمنة" أعداد من "المجلّة الأفريقية"، لينتهي بجمع عشر مجلّدات ومجلّد فهرسة يحتفظ بنسخة منه يهديها لعالم لغات قديمة يهديها بدوره الى مؤرّخة فرنسية تكتشف سقوط مقال عن المترجم الحربي سيباسيان دو لاكروا من عددها الثالث، فتبدأ رحلة بحث عن آثار المقال، تقودها إلى اكتشاف مخطوط "هلابيل".

يضيف قسيمي شخصيات جديدة إلى الشخصيات الست التي ارتكزت عليها الرواية الأولى، لكنه يجعل من كلّ واحدة منها بطلاً مؤثّراً في سيرورة الأحداث، حيث يُخرجها من هامشيتها لتصبح فاعلةً في التاريخ. عن ذلك يقول "تحاول الرواية أن تهزّ اليقينيات والثوابت، وأن تنتصر للهامشي والمنبوذ على حساب تاريخ قابيل وهابيل الرسمي والمكرّس".

من جهته، يصدر الروائي سفيان مخناش جزءاً ثانياً من روايته "لا يُترك في متناول الأطفال" (2011). العمل يحمل عنوان "مخاض سلحفاة: قصّة بوذا الذي لم يُعبد" (منشورات ميم).

في حديثه إلى "العربي الجديد"، يقول مخناش إنه تعمّد إدراج بعض الإيحاءات للإشارة إلى وجود نص سابق، مضيفاً أن العمل الجديد بالإمكان إدراجه ضمن "الرواية الخفيفة"، ويكمل "نحن نعيش عصر الكسل يبحث فيه المتلقّي عن الخفّة والجاهزية في كل شيء".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موسم متحرّك
رغم تكرّسه بفعل العادة، ليس ثمّة "دخول أدبي" في الجزائر بالمعنى الفرنسي الذي يحاول المشهد المحلّي تمثّله بطريقة ما. مع ذلك، يشكّل الخريف موسماً أدبياً بامتياز، حيثُ يكاد يكون إصدار كتب جديدة مقتصراً عليه. مردّ ذلك هو تزامن هذه الفترة مع "معرض الجزائر الدولي للكتاب" (الصورة)، وهو ما يعني أن "الدخول الأدبي" غير مرتبطٍ بنهاية عطلة الصيف، إذ يُمكن لتاريخه أن يتقدّم أو يتأجّل بحسب موعد المعرض.


المساهمون