رندة شعث.. خروج ناعم على الزمن

22 مارس 2016
(من صور المعرض)
+ الخط -

في كتابه "الغرفة المضيئة، تأمّلات حول الفوتوغرافيا" يصف رولان بارت الفوتوغرافيا بالقبض على ما لا يمكن تكراره، أو هي "لحظة مُقتنصة للموت"، لكن مفارقة لوحات رندا شعث في معرضها الفوتوغرافي الحالي بعنوان "لا يزول" تأتي من لحظة التأبيد هذه: أشياؤها الميتة حيّة، والسكون المهيمن على عناصر لوحاتها غير مؤبّد، كأنما هناك لحظة قادمة سيتغير معها تكوين المشهد كليّة.

40 لوحة يحتضنها "جيبسوم غاليري" (Gypsum Gallery) وسط القاهرة، تلتقط فيها عدسة شعث المفردات البسيطة للبيوت المصرية، تحاول فيها القبض على روح ومذاق الأشياء الصغيرة؛ ليس فقط بقصدية الفعل التوثيقي حصراً، وإنما أيضا بتحويل التوثيقي لجمالي بغرض الحفاظ على الذاكرة، واستثارتها من خلال حميمية الأشياء ونضارتها، حاضرة كانت أو غائبة، أو حتى متخيّلة.

البشر، أحد العناصر الغائبة عن أعمال شعث، لكنهم يحضرون من خلال أدواتهم، أثرهم لا يزول عن أشيائهم الحميمة، وفي معظم الصور حضورهم إما مقترن بزمنٍ ماضٍ أو مُعلّق على إتيان حاضر: الجريدة المتروكة في قلب قطعة حديدية مزخرفة؛ أنهى قراءتها أحدهم أو سيلتقطها لاحقاً، مكواة متروكة بجوار حائط باهت اللون؛ تركتها ربة منزل بعد كيّ ملابسها، مقعد هزاز ينتظر دفء صاحبه، وهكذا، في معظم أعمال المعرض تغيب أجساد البشر لكن شعث تمنحهم حضوراً مخاتلاً.

قد لا تكون صور شعث فريدة في بابها لجهة التركيز على الأشياء لا البشر، لكن ما يمنح صورها هذا الحضور المختلف هو تلك الحياة التي بثتها في عناصر تكويناتها الفوتوغرافية عبر بناء عفوي وطازج، وهذا الخروج الناعم عن المعنى الموميائي في الفوتوغرافيا، بحيث صار الزمن خارج التأبيد، سائلاً وشفافاً، له ما قبله وما بعده، أو كأنه لا زمن أصلاً، فقط حميمية ممتدة من زمان يتماوج كما يشرّحه أينشتاين في نسبيته العامة، ولهذا كله تحديداً ربما سيكون مفهوماً ذلك المقطع الذي صدّرت به شعث مدخل معرضها من رواية "فهرس" للكاتب العراقي سنان أنطون، والذي يقول فيه:

"ستكون الدقيقة فضاءً ثلاثي الأبعاد. ستكون مكانًا أقتنص فيه الأشياء والأرواح وهي تسافر. التقاطع الذي تلتقي فيه قبل أن تختفي إلى الأبد، بلا وداع. البشر يودعون معارفهم وأحبتهم فقط. أما الأشياء فهي تودع بعضها البعض ولكنها تودع البشر أيضاً، لكننا لا نسمع أصواتها وهمساتها، لأننا لا نحاول. قلّما نلمح ابتسامات الأشياء. نعم، الأشياء، أيضًا لها وجوه، لكننا لا نراها، ومن يراها بعد أن يعاني ويدرب نفسه كي يفعل ذلك ومن يحاورها يصبح مجنونًا في عُرفكم".


اقرأ أيضاً: عمّار عبد ربّه: حلب المستمرّة

المساهمون