استمع إلى الملخص
- **أقسام المعرض وأهدافه**: يعرض المعرض نسخاً نادرة من كتب تاريخية مثل "القانون في الطب" لابن سينا، ويهدف إلى استكشاف التحولات والتحديات التي تواجه اللغة العربية وتسليط الضوء على حضورها كميراث تاريخي وإمكانات معاصرة.
- **أعمال فنية وتركيبية مميزة**: يضم المعرض أعمالاً تركيبية وفنية متنوعة تعكس جمال اللغة العربية وتطورها، مثل "لغة الزمن" لكريم الجباري و"أنفاس الحوار" لحلا عامر، وأعمال تفاعلية تعزز تعلم اللغة من خلال اللعب.
كان من المقرَّر أن يضمّ معرض "حدود لغتي حدود عالمي"، الذي افتتحه "متحف مجلس الإعلام" في "جامعة نورثويسترن" بـ الدوحة مساء الثلاثاء الماضي، وسائط متعدّدة، في أغلبها رقمية، تقرأ التحوّلات والتحدّيات التي تواجهها اللغة العربية، غير أنّ الفكرة اتّسعت لتجمع بين فنون الخطّ والتشكيل الحروفي، والفيلم الوثائقي، والصور الفوتوغرافية، والقطع الأثرية والطبعات القديمة من الكتب والمطبوعات الإعلامية وعروض الشاشات.
هذه الخلطة وفّرت للمُشاهد أربع شرفات مثّلت مسارها عبر التاريخ إلى بثّها المباشر عبر فعاليات لغوية يمارسها العربي والأجنبي. وحملت كلُّ شرفة سؤالاً، فكانت كالآتي: هل هناك دائماً جانب آخر؟ هل هي لغة قوية ومؤثّرة؟ هل تمثيل وسائل الإعلام مهمّ؟ هل العربية لغة المستقبل؟
وفي المعرض، الذي أشرفت على تنظيمه المنتجة الثقافية آمال زياد علي، ويستمرّ حتى الخامس من ديسمبر/ كانون الأول المقبل مشاركون من بلدان عربية وأجنبية قدّموا إسهامات مُعاصرة في المجالات الحيوية التي شكّلت اللغةُ العربية رافعةً لها، إضافة إلى الرؤية الشاملة التي تُقدّم هذه اللغة في عمقها التاريخي البعيد؛ حيث تظهر الكتابة العربية من الصين حتى أوروبا إلى أفريقيا في ما كان يُعرف بالعالم القديم، وهو ظهور مركزي وحضاري وقبل كلّ ذلك تبادلي.
ومع الطباعة التي تأخّر وصولها تحت السلطة العثمانية، نُعاين في المعرض كتاب ابن سينا "القانون في الطب"، وهو نسخة أوروبية نادرة مطبوعة عام 1593 وقد استعيرت من "متحف لوسيل"، وكذلك نسخة من الكتّاب المقدس باللغة العربية مطبوعة في روما عام 1591.
وإلى جانب هذا، هناك إصدارات مختارة من كتب حديثة ومطبوعات صحافية، خصوصاً منها التي تُعبّر عناوينُها عن منعطفات تاريخية سياسياً في منذ مطلع القرن العشرين، وعلامات ثقافية وفنّية.
وإذ تقاسمت الشاشات الرقمية والمنتجات المادية والفنّية فكرة المعرض، فإنما لتكون الرحلة مع غناها الجمالي مستهدِفةً التركيز على حضور هذه اللغة بما هي ميراث تاريخي وإمكانات معاصرة أمام ما يستجدّ يومياً في عالم الرقمنة والإعلام الجديد والتعليم.
هذا الميراث ينبغي أن يبدأ بالسجّادة المخطوط عليها "كان يا ما كان"؛ وهي من إنجاز الثنائي الغرافيكي مرقص كي المقيم في بروكلين، والعبارة العتبة المشهورة دائماً لم تتحوّل إلى فعل ماضٍ، بل تشير إلى لغة حاضرة ومستقبلية تبدأ سردها كلّ يوم بـ"كان يا ما كان".
في هذا السياق، قال ألفريدو كراميروتي، مدير "متحف مجلس الإعلام": "حدود لغتي حدود عالمي هو أكثر من مجرّد معرض، إنّه بيان قوي يوضّح الأهمية الحاسمة للغة العربية في السرد العالمي".
والسرد، كما يتبنّى القائمون على المعرض، يقوم باستكشاف تأثير اللغة العربية بوصفها لغة قوية، شكّلت السياسة والدين والعلم والثقافة على مستوى العالم.
والعديد من شاشات أحد الأجنحة تكفّلت بتتبّع رحلة الكلمات من العربية إلى اللغات الأُخرى، من خلال ما يُعرف بالاقتراض اللغوي. ووصف هذه المسيرة بالرحلة يطابق المعنى الحَرفي لجهود الرحالة في الجغرافيا، إذ بإمكان اقتفاء أيّ كلمة من الجهات الأربع للأرض لنعرف أثرها وأيّ فصل من التاريخ تفتحه، فتعطي وتأخذ وتحوّر اللفظ، حتى إنّ كلمات نشأت قبل الحضارة وصارت مشاعاً لغوياً، وكلمات نشأت في مركز حضاري وانتشرت في بقاع أُخرى وصارت جزءاً من بنيتها الثقافية.
واحدٌ من العروض بعنوان "لغة الشعراء" للشاعرة والمؤدّية دانا الدجاني، يتتبّع تاريخ اللغة العربية بدءاً من أصولها السامية إلى مكانتها المقدّسة بصفتها لغة القرآن الكريم، ووصولاً إلى العصر الذهبي الإسلامي وما بعده.
في عام 2009 انعقد مؤتمر في الدوحة بعنوان "أنا لغتي" وتلاه بعد أعوام عديدة آخر بعنوان "سجِّل أنا عربي". وفي معرض "حدود لغتي حدود لغتي" استُعيدت مرّةً أُخرى عبارة "أنا لغتي" من قصيدة "قافية من أجل المعلّقات"، تظهر فيها القصيدة في الشاشة طولياً كأنّها معلّقة رقمية.
أمّا الفنّانون والمصمّمون، وعددهم عشرة، فقد أكّدت أعمالهم هواها التجريبي المبتعد عن العرض التقليدي للخط العربي، والمتناغم مع حيوية تغلب عليها المطبعة والأوعية الإعلامية المُعاصرة.
وهُم على التوالي: كريم الجباري فنّان الخطّ والإضاءة التونسي، والفنّان السعودي يوسف الأحمد، ومن البحرين لطيفة العلي فنّانة التصميم ثلاثي الأبعاد، وفنّانة التصميم التكنولوجي الأردنية حلا عامر، والفنّان والخطّاط السوري حسين الأزعط، والفنّانة البحرينية زينب السباع، والفنّان البريطاني سيمون مورتيمر، والثنائي الغرافيكي مرقص كي، ومن السعودية لجين أبو الفرج مؤسّسة مشروع "تكوين" لتعلّم الحروف العربية من خلال اللعب التفاعلي.
ثلاثة أعمال تركيبية أوّلها لكريم جباري بعنوان "لغة الزمن" يهدف إلى نقل بعض جمال اللغة العربية والانغماس في محيط من الشعر والخطّ عبر قصيدة مكتوبة على شلّال من الورق يَسقط من السقف بما يُذكّر بالمعلقات. وصُمّم العمل مثل الساعة وأُعدَّ لتوجيه المُشاهد بشكل طبيعي لاستكشافه عکس اتجاه عقارب الساعة.
"أنفاس الحوار" لحلا عامر تركيبٌ قابل للنفخ يُلخّص موضوع التطوّر اللغوي وعلاقته بالتبادل الثقافي. من خلال تسليط الضوء على التحوّل الاشتقاقي لكلمة برتقال/ أورانج من "النارنج" المرّ إلى "البرتقال" الحلو، يعكس السرد البصري رحلة البرتقال التاريخية من الشرق إلى الغرب والعودة مرّةً أُخرى.
و"سطور" زينب السباع تركيبٌ يبني عالماً من الكلمات، في محاولة لقول ما لا يستطيع الآخرون سماعه. ومع ذلك، فهي تستمع إلى صوتها أكثر ممّا تسعى لأن تُسمع صوتها للآخرين. تركيب "سطور" هو عبارة عن نصّ حُرّ يعكس معاناة النفس وخيبة الأمل، وحالة الصمت المفاجئة والكلام الذي لا طائل منه، وعبثية الكتابة.
وعلى زلّاجات من خشب القيقب، يُبرز يوسف الأحمد في طباعته الرقمية التصميم الإسلامي التقليدي وعناصر الثقافة المقابلة، ومن خلال دمج هذه التأثيرات الثقافية المتعارضة عمداً.
وفي عمل "حرف حرف" الذي أنجزته لطيفة العلي ثمّة مئات الخرزات الحروفية المنفصلة التي تلتئم بخيط، مستجيبة لجعل اللغة مجال تعلُّم عبر اللعب التفاعلي، وحاز هذا المنتج جوائز محلّية ودولية.
في الحقل ذاته يبرز "تكوين" لجين أبو الفرج فيضمّ مجموعة من القطع المغناطيسية، حيث تتيح هذه اللعبة للأشخاص من جميع الأعمار تكوين الحروف والكلمات العربية من خلال اللعب، ما يعزّز ارتباطهم باللغة.
"الحقيقة البيّنة" لحسين الأزعط وعبر وسائل مختلطة، يطرح الدور المتطوّر للخطّ العربي في العصر الرقمي وقدرته على نقل السرديات الملحّة. رغم أنّ قضايا المنطقة تبدو واضحة وضوح الشمس، إلّا أنّها غالباً ما تُحجب في الخطاب العالمي. يستخدم الفنّان هنا تقنيات خطّية غامضة لإثارة الفكر والحوار، متحدّياً المُشاهد للنظر إلى ما هو أبعد من السطح والتشكيك في شفافية المفردات التي تُشكّل فهمنا للعالم.
و"من اليمين الى اليسار" كانت جملة من اللوحات لسایمون مورتیمر، تحيل إلى دهشته، وهو الذي لا يتقن العربية، وتجربته الاحتفائية باللغة العربية، مستعملاً العديد من المفردات البصرية التي تشير إلى الاندماج السلس للتأثيرات العربية في الثقافات الغربية.