رمضان لندن بلا مدفع

20 يونيو 2015
إفطار جماعي في أحد مساجد لندن (Getty)
+ الخط -
رغم غياب الأجواء الرمضانية الروحانية في العاصمة البريطانية، لندن، إلا أن الموسم الاستهلاكي لا يفوّته العرب والإنجليز على حد سواء. فحملات الترويج والدعاية للمواد التموينية والغذائية الخاصة برمضان لم تعد مقتصرة في بريطانيا على المتاجر العربية والإسلامية، إذ شرعت المتاجر البريطانية الكبرى مثل "تيسكو" و"آزدا" و" سينزبري" بعرض التمور والحلويات وحتى اللحوم "الحلال" بأسعار تنافسية لا تقوى عليها المتاجر والبقالات العربية. وبشكل عام تجد في البقالات العربية والمتاجر البريطانية الكبرى أصناف التمور القادمة من تونس والجزائر، والخضار الطازجة القادمة من لبنان والمغرب، وتجد أصنافا من المشروبات والعصائر القادمة من الإمارات العربية المتحدة ومصر وتركيا، أضف إلى ذلك أصناف المخللات والمقبلات والمكسرات المستوردة من الأردن وفلسطين وإيران. وما يلفت انتباه المتسوق هو استمرار غياب المواد الغذائية السورية التي كانت تعرض بكثافة في المتاجر العربية في سنوات ما قبل الأزمة.
أما عن الحلويات فحدّث ولا حرج، فقد باتت الحلويات الشامية من قبيل القطائف والبرازق والمعمول والحلويات المغاربية من قلب اللوز والشباكية وغيرها من أصناف الحلويات العربية تملأ المتاجر والأفران التي تتنافس على إنتاج أجودها. ففي ركن ضيق من غرب لندن يُعرف باسم "بارك رويال" تجد أكثر من 20 مخبزاً متخصصاً في إنتاج الحلويات والمعجنات الخاصة برمضان وغيره من المناسبات الدينية والعامة والخاصة. في مثل هذه المخابز يصطف الصائمون طيلة سويعات ما قبل الإفطار لشراء ما لذ وطاب من الحلويات الطازجة التي تشتهيها نفس الصائم. يقول حسن الطويل، معلم الحلويات في أحد المخابز العربية، "نبدأ الاستعداد لشهر رمضان قبل أسابيع من حلول الشهر الفضيل، حيث يرتفع الطلب على أنواع معينة من الحلويات والمعجنات، لذلك نحضر ما أمكن من الدقيق والزيوت والمكسرات التي تدخل في مكونات مختلف أصناف الحلويات مثل الكنافة والقطايف والمحشيات وغيرها، و نسعى جاهدين لتحضير تشكيلة واسعة من أصناف الحلويات العربية لتلبية كل ما تشتهيه نفوس الصائمين الذين يقبلون من أنحاء لندن ومن مدن أخرى مثل برايتون وأكسفورد وكيمبردج".
ورغم ساعات الإفطار القصيرة والتي لا تزيد عن خمس ساعات، فإن الصائمين في بريطانيا يحاولون اغتنام الدقائق من أجل قضاء بعض الوقت في جلسات سمر داخل المنازل أو في المقاهي العربية التي تنتشر في أرجاء المدن البريطانية الكبرى مثل لندن ومانشستر وغيرهما. تقدم المقاهي العربية لروادها الشاي والقهوة والمرطبات التقليدية مثل عصير الخروب وعرق السوس وعصير الزنجبيل والكركديه إلى جانب الأرجيلة ليستريح الصائم من عناء يوم طويل في أجواء قد تعوض "المهاجرين" عن بعض ما فاتهم من ليالي رمضان وطقوسه في أوطانهم.
بدأ المجتمع البريطاني غير المسلم في السنوات الأخيرة يحرص على مراعاة مشاعر الصائمين من الجالية المسلمة في البلاد. فقد حرص رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ومن سبقه من رؤساء حكومات وكذلك كبار الشخصيات السياسية والدينية الى توجيه التهاني والتبريكات للمسلمين في بريطانيا بمناسبة حلول الشهر الفضيل. بل ويحرص رئيس الوزراء والكثير من الإدارات البلدية والعمومية على تنظيم إفطارات رمضان التي يحضره خليط من عامة المجتمع مسلمين وغير مسلمين. كما أخذت الكثير من الشركات والمصالح العامة والخاصة الى التساهل في التعامل مع موظفيها من المسلمين حرصا على سلامتهم وحفاظا على مشاعرهم. بل إن الكثير من المدارس باتت تنظم يوما خاصا للتعريف بالشهر الكريم ومعانيه وخصوصياته بالنسبة للمسلمين. ناهيك عن العروض الخاصة التي تقدمها متاجر التجزئة الكبرى بمناسبة حلول رمضان والتي غالبا ما تضم أصنافا من التمور والعصائر والمواد الغذائية التي يقبل عليها الصائمون، وغالبا ما تعرض هذه البضائع في أركان خاصة داخل المتاجر وتزين بعبارات التهنئة والمباركة.
بين ساعات الصيام الطويلة، وسويعات الإفطار القصيرة، يحاول الصائمون في بريطانيا تقسيم الوقت بين العبادات والعادات، ساعين الى إرضاء الله في أجواء رمضانية تذكرهم بما فاتهم من ليالي رمضان الساهرة في القاهرة وبغداد ودمشق والرباط وغيرها من المدن العربية، وكأنهم يبلسمون مرارة غربتهم ببركات رمضان الكريم ونفحاته الروحانية ، مع ما لذ وطاب مما رزقهم الله من خيرات وطيبات.
المساهمون