رقمنة التعليم لا تساوي تطويره

03 سبتمبر 2017
كثيراً ما يتم الخلط بين تطوير التعليم ورقمنته (Getty)
+ الخط -



لو دخلت إلى إحدى المدارس الخاصة في أي دولة عربية، وسألت سؤالاً واحدا: "هل تستخدمون التكنولوجيا في التعليم؟" سوف تأتيك الإجابة على الفور: نعم بالطبع. كذلك ستجد أنه تتنوع وسائل الاستخدام ما بين العروض التقديمية ( powerpoint presentations) التي تأتي على رأس قائمة الوسائل المستخدمة، ويليها تسليم الواجبات على موقع المدرسة، وفي بعض الأحيان يمكن أن يصل الأمر إلى التواصل مع الطلبة عبر وسائل الهاتف المحمول مثل الواتس آب. ولكن هناك إشكالية حقيقية، وهي الالتباس الحقيقي بين التطوير الحقيقي للعملية التعليمية والرقمنة الصماء.

ما يحدث هو أننا نقلنا وسائل وطرق التدريس من الحياة الواقعية إلى عالم التكنولوجيا لا أكثر، فبدلاً من كتابة التعبير اللغوي على أوراق يطلب من الطالب الكتابة على لوحة المفاتيح وتسليم الورقة المكتوبة على الحاسب الآلي إلى "مكتب المعلم الافتراضي" virtual inbox. وبدلاً من شرح ما كان غامضاً في مادة من المواد بصورة التواصل الإنساني نقلنا نفس الشرح بنفس الأسلوب ونفس الاستراتيجيات التعليمية إلى "الشات".

ويرى بعض التربويين أن هذا الأمر يعتبر خطيراً لأن المعلمين يركنون للأمر ويعتبرون

أنفسهم رواد التطوير وإصلاح التعليم بينما في واقع الأمر أنهم قاموا بتحويل التعليم المتمحور حول المعلم التقليدي الذي يسلب الطالب كافة حقوقه في السيطرة على العملية التعليمية التي تخصه ومن المفترض أن تستهدف في نهاية الأمر رفعته ونموه، نقلوا هذا الأسلوب التقليدي العقيم إلى عالم التكنولوجيا.

هناك وجهة نظر أخرى ترى رقمنة الكتب التعليمية خطوة للأمام وإن كانت خطوة مبدئية وغير كافية، يرون أن العالم الافتراضي بحد ذاته سوف يفرض على المعلم التخلي عن بعض سلطاته مثل وسيلة البحث التي سوف ينتهجها للبحث عن مصادر ينبني عليها بحثه المطلوب أو توقيت تسليم الواجبات والفروض المطلوبة (طالما كانت في الإطار الزمني المحدد) وسوف يفتح للطلاب آفاقا معرفية لامحدودة، لا يحدها معلم أو جدار مدرسي.


الهدف الأساسي والمحوري من عملية تطوير التعليم هو الوصول بالطالب لمرحلة "التمكين" ، إرشاده ودعمه حتى يستكشف ويتعلم كيف يتعلم في عالمنا المفتوح المتسارع الخطى، ولن
يتأتى هذا الأمر إلا لو أدرك المعلمون أن العملية التعليمية هي "ملك للطالب" يطوعها حسب احتياجاته وقدراته ورغباته وما دور المعلم إلا أن يكون ميسراً لهذه العملية، لن ننجح في تطوير تعلمنا إلا إذا تحلينا بشيء من التواضع واعترفنا أننا كمعلمين وتربويين لسنا ملاك المعرفة، بل مرشدين لأماكنها ومكامنها العلنية والخفية.

وهناك عدد من الأمثلة الجيدة لمدارس استطاعت أن توازن بين استخدام التكنولوجيا الحديثة وتطوير أساليب التعليم من ذلك: بدلاً من مطالبة الطالب للقيام ببحث محدد يترك الموضوع وطريقة العرض للطالب بينما يطلب منه الالتزام الصارم بمعايير كتابة البحث، بدلاً من كتابة موضوع تعبير بصورة فردية يتم عرض موضوع معقد ومتشابك الأركان ويتناول كل فريق كتابة جزئية محددة على أن يكون الموضوع لكل فريق متكامل ثم يقوم الفريق بالعمل الجماعي لربط الموضوعات بعضها ببعض.

التكنولوجيا وسيلة ناجحة وجيدة لتنمية مهارات العصر، ولكنها فيما يخص تطوير التعليم هي وسيلة من الوسائل وليست الهدف النهائي، يمكن أن نخرج جيلاً عبقرياً فذاً لو تضافرت جهود المعلمين في إرشاده ودعمه للتعرف على "كيفية التعلم" وبناء مهارات التعلم الذاتي والاعتماد على النفس أثناء البحث عن المعرفة وبنائها، مع تشابك جهود الإدارات التعليمية في تطوير مهارات المعلمين ودعمهم بكل السبل للتعرف على أهم وأبرز مستجدات وسائل التعليم الحديثة.

 

المساهمون