تحت عنوان "رفعت الجادرجي: سجل البناء"، أُطلق الأحد الماضي في "غاليري صفير زملر" ببيروت كتاب يتضمّن فهرسة لأعمال المعماري العراقي (1926)، إلى جانب صور توثّق المشاريع والتصاميم التي أنجزها خلال عشرين عاماً قبل أن يتوقّف فجأةً. الكتاب من تحرير الفنّان أكرم زعتري والمعماري مارك واسيوتان وهو صادر عن "دار كاف للنشر"، بالتعاون مع "غاليري صفير زملر" و"المؤسّسة العربية للصورة".
يُعتبر العمل أرشيفاً لبغداد وتحوّلاتها العمرانية، أي أنه أكثر من أرشيف للجادرجي نفسه، وهو يجمع لأوّل مرّة هذه الصور ويفهرسها بحسب السنوات، في عملية أقرب إلى الحفاظ على ذاكرة خاصّة وتحويلها إلى ذاكرة جمعية.
في أرشيفه الخاص، التقط الجادرجي عشرات الآلاف من الصور، وسلّم منها خمسين ألف صورة لـ"المؤسّسة العربية للصورة" عام 2013، وتضم إلى جانب عمله عملَ والده كامل الجادرجي الذي كان من روّاد التصوير في العراق، حيث اشتغل بالأساس على توثيق الحياة اليومية للعراقيين، مقابل انشغال الابن بتوثيق المعمار، وضمنه صور لأبنية وأعمال معماريّين آخرين لم تعد موجودة اليوم في العراق.
من أبرز أعماله التي يضمّها الكتاب صورٌ لنصب "الجندي المجهول" الذي أُقيم عام 1958، ثمّ أمر صدام حسين بهدمه عام 1982، وكان الجادرجي آنذاك يشغل منصب مستشار أمانة بغداد، فأخذ كاميرته ليوثّق الهدم، ثم صوّر نفسه بالقرب من الأنقاض مع الشخص المسؤول عن الهدم، وقد وصفه ساخراً بأنه "من الأشخاص الذين تميّزوا بقدرتهم على الهدم بطريقة فنية وبأقل التكاليف".
الكتاب يضم أيضاً صوراً لقاعدة "نصب الحرية" (1958)، ومباني "البريد المركزي" في السنك (1970)، و"اتحاد الصناعات الوطنية" (1966)، ومجلس الوزراء (1975) و"المجمع العلمي العراقي" (1966).
ترصد الصور حالة بغداد العمرانية وتغيّراتها، في فترة الخمسينيات والستينيات، حين كان العراق يعيش مغامرةً حداثية ثقافية، وكان الجادرجي واحداً من مجموعة معماريّين (منهم محمد مكية، وقحطان المدفعي، وقحطان عوني) سعوا إلى نهضة معمارية جمالية وثقافية في المدينة.
أنجز الجادرجي قرابة مئة مشروع معماري، ليس في العراق فقط، بل في عدد من بلدان الخليج، وتتنوّع تصميماته بين مساكن خاصة وأخرى حكومية وصناعية. وكان المعماري قد شغل وظائف رسمية مختلفة في أجهزة الدولة العراقية. لكن ذلك لم يشفع له عند النظام القائم حينها؛ فقد حُكم عليه بالسجن المؤبّد عام 1978، ثم أُفرج عنه بعد عامين، ليخرج من السجن بثلاثة كتب؛ هي: "شارع طه وهامر سيمث" و"الأخيضر والقصر البلوري" و"جدار بين ضفتين"، وليجرى تكليفه مستشاراً لإعادة إعمار بغداد.
خرج الجادرجي من العراق عام 1983، ليتفرّغ للكتابة والتعليم ولأرشفة مشاريعه السابقة. واليوم، ينشط من خلال مؤسّسة تحمل اسمه أسّسها عام 2005 في بيروت، بهدف "دعم الدراسات المعمارية العربية والحوار حول مصير ومستقبل العمارة في المدن العربية".