رفض أميركي لمؤتمر سوتشي السوري: موسكو مستاءة

13 يناير 2018
تتواصل المعارك على مختلف الجبهات بإدلب(عمر حج قدور/فرانس برس)
+ الخط -


اصطدم المسعى الروسي لعقد "مؤتمر الحوار السوري" في سوتشي وتقديمه كمسار أساسي للتوصل إلى تسوية سياسية في سورية، بإعلان الولايات المتحدة تمسكها بمفاوضات جنيف لإنتاج حل سوري ورفض إضفاء "طابع شرعي" على عملية التسوية البديلة التي تنتهجها روسيا. وترافق ذلك مع استمرار التواصل الروسي مع أنقرة وطهران للتحضير لمؤتمر سوتشي بهدف إنجاحه، فيما كانت المعارضة السورية تعلن أنها لم تُدع إلى هذا المؤتمر حتى الآن. وجاء ذلك فيما تواصلت المعارك بين فصائل المعارضة وقوات النظام في ريفي إدلب وحلب، مع استمرار محاولة النظام السيطرة على مطار أبو الظهور العسكري، بعد تمكنه من استعادة العديد من المناطق التي خسرها، أمس الأول الخميس، خلال الهجمات المعاكسة التي قامت بها فصائل المعارضة، وفتحت محاور جديدة للقتال في ريف حلب الجنوبي.

سياسياً، وفي مؤشر على الأهمية التي توليها موسكو لمؤتمر سوتشي، حضرت الاستعدادات لهذا الحوار خلال اجتماع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الروسي، أمس الجمعة. وأفادت الرئاسة الروسية في بيان، بأنه جرى خلال اللقاء "بحث قضايا التسوية السياسية في سورية، بما فيها التحضير لمؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي. وأبلغ رئيس الدولة المشاركين في الاجتماع بمحادثته الهاتفية الموضوعية مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مساء الخميس، كما تم تناول قضية عمل مناطق خفض التصعيد في سورية".

جاء ذلك فيما كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يبحث مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو هاتفياً التحضيرات للمؤتمر. وذكرت الخارجية الروسية، في بيان لها، أن الوزيرين "تبادلا الآراء حول الخطوات الممكنة، الهادفة إلى ضمان فعالية المؤتمر من أجل التوصل إلى تسوية سياسية دائمة في سورية على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254". كذلك بحث لافروف الأوضاع السورية والمؤتمر في اتصال هاتفي مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف.

ترافق ذلك مع إعلان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده تخطط لمواصلة التعاون مع روسيا وإيران من أجل إحياء مسار جنيف حول سورية والوصول إلى حل سياسي دائم. وفي مقابلة مع مجلة "إيست ويست" الإيطالية، قال جاويش أوغلو إن "مناطق خفض التوتر التي تشكلت في إطار النتائج الإيجابية لمباحثات أستانة، ساهمت في تخفيف العنف على الأرض". في المقابل، كان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، يحذر من حدوث موجة هجرة جديدة للسوريين، جراء ازدياد الهجمات التي تشن على إدلب.

في موازاة هذه التطورات، استفزت انتقادات أميركية لمؤتمر سوتشي، موسكو التي اعتبرت أن التصريحات الأميركية تؤثر سلباً على موقف المعارضة السورية من المؤتمر. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في مؤتمر صحافي، أمس، إن "القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، أعلن في 11 يناير/ كانون الثاني، أن الولايات المتحدة تعتزم القيام بخطوات بشأن سورية عبر الأمم المتحدة باتجاه معاكس لمؤتمر الحوار الوطني"، مضيفة: "قلنا أكثر من مرة أن عمليات جنيف وأستانة ومؤتمر سوتشي، مرتبطة ببعضها البعض، وكلها تعتبر عناصر عملية التسوية"، قائلة إنه "أصبح من الواضح لماذا تعلن بعض مجموعات المعارضة السورية عن عدم وجود مواقف واضحة لديها بشأن المؤتمر. ومن الواضح من يقف وراء المعارضة ومن يعرقل (التسوية)".
وأضافت زاخاروفا أن "البعض ربما يتوهم بأن روسيا ستتخلى عن الموقف المبدئي بشأن دعم التسوية السياسية في سورية على أساس القرار 2254 لمجلس الأمن الدولي، وعن الجهود للتحضير لمؤتمر سوتشي، وإذا كانت لدى أحد، ونحن نعرف اسمه، وهو السيد ديفيد ساترفيلد، مثل هذه الأوهام، فإنكم لن تنجحوا، على الرغم من كافة الجهود التي تبذلونها".

وكان ساترفيلد قال في كلمة خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، يوم الخميس: "إننا لا نستطيع ولن نضفي الطابع الشرعي لعملية التسوية البديلة التي تنتهجها روسيا". وأشار إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس متحفظ بشأن الضمانات الروسية المتعلقة بمؤتمر سوتشي، وأنه من دون تصديق الأمم المتحدة على مسار سوتشي سيكون الروس فعلياً في طريق خاص بهم.
ولوّح إلى أن بلاده لن تساهم في إعادة إعمار سورية في ظل وجود بشار الأسد على رأس السلطة، مشيراً إلى أن "هناك حاجة إلى مبلغ بين 200 إلى 300 مليار دولار من أجل إعادة الإعمار"، موضحاً أن "المجتمع الدولي وعد بعدم تقديم هذه المبالغ إذا لم يحدث الإصلاح الدستوري، وإجراء انتخابات نزيهة تحت رقابة الأمم المتحدة". وقال إن "سورية مستقرة تتطلب بلا شك، رحيل الأسد ونظامه"، مضيفاً "خلافاً للوضع في العراق، لا توجد حكومة في سورية يمكننا أن نثق بها ونعمل معها".


في موازاة ذلك، قال رئيس وفد المعارضة في مفاوضات جنيف، نصر الحريري، إن وفد الهيئة العليا للمفاوضات لم يتلق دعوة حتى الآن لحضور مؤتمر سوتشي. وأضاف الحريري في حديث مع قناة "الحرة" الأميركية، أن وفد المعارضة لم يتخذ بعد قراراً بقبول أو رفض المشاركة في المؤتمر، مشيراً إلى احتمال عقد جولة أخرى في جنيف في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي بعد فشل جنيف 8، موضحاً أن هناك مساعي وضغوطاً دولية من أجل إحراز تقدّم في المفاوضات المقبلة. وأدلى الحريري بهذه التصريحات في الولايات المتحدة التي كانت المحطة الأخيرة في جولة وفد هيئة التفاوض برئاسته بهدف إقناع المجتمع الدولي بدعم مسار الحل السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة في جنيف.

في غضون ذلك، تتواصل المعارك على الأرض في الشمال السوري بين المعارضة والنظام مدعوماً من روسيا والمليشيات. وقالت فصائل المعارضة إن المعارك متواصلة على مختلف الجبهات، على الرغم من تراجعها عن بعض المواقع التي تقدّمت إليها خلال هجومها المعاكس، الخميس. ونشرت تلك الفصائل مقاطع مصورة تظهر قصفها بالأسلحة الثقيلة لمواقع قوات النظام في بلدة الخوين في ريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى في صفوف تلك القوات، حيث تدور اشتباكات عنيفة بين الطرفين على أطراف البلدة التي انسحبت منها الفصائل عقب ساعات من سيطرتها عليها جراء القصف من النظام والقوات الروسية.

كما تدور اشتباكات في منطقة الزرزور التي استعادتها فصائل المعارضة في هجومها الأخير، وذلك في محاولة من قوات النظام لاستعادة السيطرة عليها، وهي واحدة من ضمن 3 قرى بقيت بيد الفصائل، وهي أم الخلاخيل والزرزور ومشيرفة شمالي. وأعلنت حركة "نور الدين الزنكي"، صباح أمس الجمعة، أنها أسقطت طائرة استطلاع روسية بالقرب من بلدة عطشان في ريف حماة الشمالي الشرقي.

وقالت مصادر قريبة من الفصائل إن الأخيرة تسعى لشن هجوم جديد من المحور الذي فتحته أمس الأول، للسيطرة على ما تبقى من القرى التي خسرتها، مؤكدةً أن المعركة مستمرة، ولا بد أن يتخللها مد وجزر. ووفق المصادر، فإن فصائل المعارضة راهنت كما يبدو، على انسحاب قوات النظام من المواقع التي تقدّمت إليها جنوبي مطار أبو الظهور خوفاً من الحصار، إلا أن تمكّن قوات النظام من استيعاب الهجوم، واسترجاع ما خسرته، ضرب العنصر الرئيسي في هذه الخطة حتى الآن، وهو ما استدعى من المعارضة البحث عن بدائل لتطوير هجومها.
وواصل الطيران الحربي الروسي غاراته على المنطقة، إذ شن غارات عدة استهدفت مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي ومناطق أخرى، فيما قصفت قوات النظام المتمركزة في حاجز محطة الزارة الحرارية بلدة حربنفسه في ريف حماة الجنوبي، بينما ألغت معظم المساجد في ريفي حماة وإدلب صلاة الجمعة على ضوء تصعيد القصف الجوي من جانب الطائرات الروسية وتلك التابعة للنظام.

وكانت المعارضة السورية قد تمكنت من دخول بلدة عطشان وبلدات أخرى في ريف حماة، عقب معارك مع قوات النظام، في إطار معركة "رد الطغيان"، بيد أنها انسحبت جراء القصف المكثف من الطيران الروسي. وذكرت مصادر عسكرية أن قوات النظام استعادت السيطرة على عدة قرى هناك.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام والمليشيات المساندة لها فتحت جبهتين جديدتين للقتال في المنطقة بهدف الوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري، تنطلق الأولى من منطقة خناصر، حيث وصلت قوات النظام إلى قرية أم العمد، وتحاول حصار مناطق الفصائل في أكثر من عشرين قرية في ريف حماة الشرقي، بينما تنطلق الثانية من المنطقة الجنوبية لمدينة السفيرة. ورأت المصادر أن فتح محاور القتال الجديدة في ريف حلب الجنوبي هدفه تخفيف الضغط على جبهة شرقي إدلب، وإحباط مسعى فصائل المعارضة لحصار قوات النظام في الجيب الذي تقدّمت من خلاله ووصلت إلى مشارف المطار. وكانت قوات النظام وصلت إلى مطار أبو الظهور العسكري، شرقي إدلب، حيث تدور معارك في محيطه مع مقاتلي المعارضة بعد اقتحامها الجهة الجنوبية الغربية منه، وانسحابها إلى ما بعد تل سلمو المطل عليه، عقب كمين قتل خلاله العشرات من قوات النظام، وفق مصادر عسكرية.

وتشير معلومات متطابقة إلى خسائر كبيرة تكبّدها الطرفان نتيجة هذه المعارك خلال اليومين الماضيين، فيما نشر فصيلا "جيش الأحرار" و"جيش النصر" تسجيلات مصورة، أظهرت أسر العشرات من قوات النظام خلال المعارك. وقُتل قائد عمليات قوات النظام على جبهة معان في ريف حماة الشمالي، العقيد وسام جحجاح. وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قتل 63 على الأقل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، بينهم ضباط، في اليومين الماضيين، مقابل 54 بينهم 3 قياديين من مقاتلي الفصائل، بينما تمكنت الفصائل من أسر 31 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها.
من جهتها، ذكرت وكالة "تسنيم" الإيرانية أن ثمانية عناصر من "لواء فاطميون" و"لواء زينبيون" قُتلوا خلال المعارك في ريفي حماة وإدلب، فيما أعلنت مصادر المعارضة إصابة وزير الصحة في الحكومة المؤقتة، فراس الجندي، بجروح طفيفة، نتيجة القصف على مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي.