رضوى عاشور.. أيقونة الاستقلال والثورة

09 مارس 2014
+ الخط -

"حين أتطلع إلى الثورة في مصر وتونس واليمن، على سبيل المثال، أرى وجهي وأتعرف إليه. وحين أرى الحركات الاحتجاجية ضد الحرب وضد العولمة وجشع الكبار في مدن العالم، أرى وجها أليفًا ثم أكتشف حين أمعن النظر فيه، أنه أيضا وجهي".

هكذا تعبر الكاتبة والأكاديمية المصرية، رضوى عاشور، عن نظرتها إلى الحراك المجتمعي العربي والدولي في مواجهة الظلم والفساد والرأسمالية، هي تعتبر نفسها جزءاً من هذا الحراك، وتعتبره يعبر عنها ويمثلها، كونها أحد المطالبين بالحق والعدل والحرية.

تقول رضوى عن نفسها: "إنني من حزب النمل. من حزب قشة الغريق، أتشبث بها ولا أفلتها أبدا من يدي. من حزب الشاطرة التي تغزل برجل حمارة. لماذا لا أقول إننا، كل أسرتنا، لا أعني أنا ومريد وتميم وحدنا، بل تلك العائلة الممتدة من الشغيلة والثوار والحالمين الذين يناطحون زمانهم، من حزب العناد؟ نمقتُ الهزيمة، لا نقبل بها. فإن قضت علينا، نموت كالشجر واقفين، ننجز أمرين كلاهما جميل: شرف المحاولة وخبرات ثمينة، تركة نخلفها بحرص للقادمين".

باحثة عن الحرية

ولدت رضوى عاشور في القاهرة عام 1946، وتخرجت من قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب في جامعة القاهرة عام 1967. حصلت على الماجستير في الأدب المقارن عام 1972 من الجامعة نفسها، ثم حصلت على الدكتوراه في الأدب الأفريقي الأمريكي من جامعة ماساشوستس في الولايات المتحدة عام 1975، وهي تشغل حاليا وظيفة أستاذ في كلية الآداب في جامعة عين شمس.

كانت رضوى منذ سنواتها الأولى في الجامعة باحثة عن الحرية ومطالبة باستقلال الجامعة وحريصة على توعية الطلاب بحقوقهم ودعم مساعيهم للفهم والتجربة وتطوير المفاهيم وتجاوز القوالب الجاهزة، ولما ظهرت حركة "9 مارس لاستقلال الجامعات" كانت أحد مؤسسي الحركة ومنظريها والداعين لها والمدافعين عنها وعن مبادئها.

لم تكن رضوى يوما مهتمة بالسياسة بحد ذاتها رغم أسرتها المصرية الفلسطينية المنغمسة حتى أذنيها في الهم السياسي، تقول رضوى في محاولة لتفسير هذا الأمر: "في مصر نسمي الشمال "بحري" أي الجهة المطلة على البحر، ويقابله "القبلي" وهو اتجاه القبلة في مكة لأن مكة جنوب مصر. ومنذ الفراعنة ومصر مكونة من إقليمين: الوجه القبلي وهو الإقليم الجنوبي بنيله المُفرد الذي يشق طريقه في الصحراء منحدرا باتجاه الشمال، مخلِّفًا شريطًا أخضر على جانبيه، والوجه البحري حيث يتفرع النيل إلى فرعين يضمان الدلتا التي كونا طميها وأرضها الخصبة، وهما في طريقهما إلى إنهاء رحلتهما في ماء المتوسط. وفي وجدان المصريين ولغتِهم، البحري والقبلي مفهومان بريئان من السياسة بل ومن التاريخ. هما جغرافيا خالصة".

ذكريات الثورة

جاءت الثورة وكانت رضوى وعائلتها جزءا منها سواء بالحضور أو بالكتابة أو بالدعم، وبعد رحيل مبارك انتبهت الكاتبة والأكاديمية سريعا وتوصلت إلى تفسير منطقي لم يصل إليه كثيرون من المهتمين أو المنغمسين في الشأن السياسي. هي ترى أن سقوط مبارك لا يعني تحقق أهداف الثورة: "ما معنى هذا الشطرنج؟ سقط الملك، هذا واضح. لم يسقط الوزير والطابيتان والفيلان والحصانان. أعوان الملك مستقرون في أماكنهم".

كانت منتبهة إلى المؤامرة على الثورة وإلى خطة الثورة المضادة وكتبت: "إرضاء الجماهير الغاضبة ضرورة. يمكن التضحية بمبارك وأسرته وبعض رموز حكمه، تضحية مؤقتة أو دائمة. المهم النظام. التغني بالثورة وبشعب مصر العظيم، وطمأنته أن ثورته مصانة وأنها غيرت بقدر أو بآخر مسار البلد. لأن المهم هو النظام. تعيين وزارة يرضى بها الميدان، ينزل رئيسها إلى التحرير كأنما يطلب بركة الثوار قبل أن يسمي ويبدأ عمله. لأن المهم هو النظام. ولكن ما معنى النظام؟ يعني إعادة إنتاج العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الظالمة التي ثار عليها الشعب. إذا تململ الشعب ورفع الثوار أصواتهم بالاعتراض، نلقي القبض على رموز أخرى ونحاكمهم بل نحاكم مبارك نفسه. لكن النظام هو النظام".

لكن اهتمام رضوى عاشور بالسياسة كان دوما يتوارى خلف اهتمامها بالجامعة. رغبتها في حماية طلابها ودعمهم كانت دوما أقوى من رغبتها في المراكز الرسمية أو الأكاديمية. لم تتخل عن مبادئها مثلما فعل كثير من زملائها لتحصل على منصب أو وزارة، لم تركع للحكم العسكري خوفا من القمع أو من التنكيل بها وبأسرتها.
عانت الكاتبة المصرية كثيرا بسبب ثباتها على موقفها، فقامت الجامعة بخلعها قسرا عن رئاسة لجنة ترقي الأساتذة، وقامت الجامعة التي يحكمها الأمن بمضايقتها مرات عدة في إجازاتها المرضية وقت رحلات علاجها من مرض السرطان اللعين، كما عانت ممن تصفهم بـ"المخبرين"، الذين كان يتم دسهم داخل الجامعة بدعوى أنهم طلاب منتسبون بينما مهمتهم كتابة التقارير عن الطلاب والأساتذة، لكنها كانت رغم كل ذلك تستمد القوة من طلابها الذين يقاومون الظلم والقمع.

 

المساهمون