رسالة حب إلى مقاومي غزة

07 فبراير 2016
المقاوم وحده يدرك كذبة وخرافة إسرائيل (Getty)
+ الخط -

"المدينة تشبه إلى حد كبير قاطنيها" يقول الرّحالة وأدباء المدن، بينما يذهب المقاوم كعادتهِ متمرّداً ومتطرّفاً في حبه للحياة، مبتعداً عن أقوال الأدباء واستعارات الشعراء إلى أقاصي اللغة، فيتجاوزها بأميال، حين يجعل من الأرض مادّته الإبداعية، فيحفر ويرسم ويحوّل الأنفاق إلى كلمات.

المُقاوم لا يحتال أو يختال مثل اللغة، إنه مباشر وصريح مع التراب والصّخر والهواء، لذلك لم تطق الأرض بذخَ أشواقه وحبه لها، أخذته إلى حضنها وأطبقت عليه، فمنَ الحُب ما قتل، إنه حُب المقاوم للأرض، حكاية قديمة كانت ترويها الجدّات الفلسطينيّات لأحفادهن، بقليل من الحزن وكثيرٍ من الفخر والاعتزاز، إنها حكاية حب صعب ومُلتبس ومتعب لكلا الطرفين، يتماهى الواحد في الآخر، فتختفي الحدود ويصبحان جسداً واحداً.

المقاوم الفلسطيني لا يعرف في الحب التوسّط أو المراوغة أو أنصاف الحلول، بل يذهب كساموراي حتى النهاية، فإما أن يكون أو يكون، يموت من أجل هذا الحب، يُضحّي، ويقبل أن تدفنه خياراته، إذا كانت من أجل حياة كريمة، وحرية غير مجتزأة أو مشوّهة، ينزل إلى باطن الأرض، ويحفر بأظافره ومعولِه، يُؤثر التراب والبرد والحفر لساعات طويلة، على المكوث مع زوجته وأبنائه.

غزة أكثر من شارعين وبحر، إنها ليست مُحاصَرة بل مُحاصِرة، وتكثر الدّق على أبواب قلوبنا، تريد من خلال هذا الدّق والحفر أن تجعلنا أكثر تواضعاً وصدقاً مع أنفسنا، أن تثير انتباهنا إلى انتهاء زمن المعجزات، فالعمل وحده هو الذي يقود الإنسان إلى تحقيق الإنجازات، فلا مستحيل أمام الإرادة والعقل والأيدي التي تمنح وتبذل، دون انتظار الأوسمة والترقيات.

غزة لا تعاني من الفقر، إنها أكثر مدن العالم غنى في القيم والمبادئ، وليست مُعدَمة، فيها العلماء والمبدعون والمقاومون، إذن، إن كان ثمّة فقراء ومعدمون فهم نحن، إذ نملك كل الإمكانيّات وسُبل الراحة، ولا نُنجز سوى النميمة وصناعة الخيبات.

ثمّة من يبني حياة، تقوم على مقاومة الإحباط والإيمان بإبداع الإنسان وقدراته، وثمّة من يزرع فينا بذور العجز والكسل والخنوع، هذا ما يقوله المحتلّون الذين يحاولون قتل أي نطفة أمل لدينا "إسرائيل، بلد نووي"، "جيشها لا يقهر، وقادرة على أن تدمرنا في لحظات"، والمقاوم وحده، يدرك أنها كذبة، بل خرافة لم تعد تخيف الأطفال، وتصلح أن تكون فقط للإسرائيلي كعزاء للذات، ومواساةً في ظلّ الهزيمة.

النّفق ليس ما يعرّفه علماء الجيولوجيا، بل ما يكتبه المقاوم من أشعار، قد يقول لنا العاشق: للنّفق حكاية، إنه الحب حيث العطاء دون مقابل، وقد يقول لنا الفيلسوف: النفق هو داخلك، أن تملك الشجاعة لاكتشاف الحقيقة، كلما أحرقت من العمر أكثر، كلما اقتربتَ من انطفائك.

والمقاوم الغزّي يقول بدمه أن أنفاق غزة أكبر من اللغة، وأشد وجعاً من دمعة الأم، وأكثر صدقاً من كلام السياسيين.

أي لغة يمكن للأديب أن يكتب بها في حضرة الدم؟
ألفُ سلام للمقاومين والمرابطين في الأنفاق.
ألفُ سلام للصادقين.
ألف سلام

(فلسطين)