سواعد اللبنانيين أولاً هي التي تُعيد بناء وطنهم (حسين بيضون)
07 اغسطس 2020
+ الخط -

سارعت العديد من دول العالم لإعلان تضامنها مع لبنان وشعبه ومساندته في محنته الكبيرة الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت الضخم الذي أودى بحياة نحو 137 شخصا و5 آلاف جريح، إضافة إلى عشرات المفقودين وتشريد الآلاف.

بل وخطت بعض الدول والمؤسسات خطوة إلى الأمام حينما أعلنت عن تقديم مساعدات عاجلة تخفف من وطأة الحادث المروع الذي تتراوح إجمالي خسائره بين 10 و15 مليار دولار حسب تقديرات محافظ بيروت مروان عبود، والذي حذر يوم الأربعاء من أن بلاده قد تواجه أزمة ما لم يتدخل المجتمع الدولي، خاصة وأن الكميات المتاحة من القمح محدودة في الوقت الراهن، قائلا إن "لبنان يواجه أكبر أزمة وكارثة يعانيها في العصر الحديث".

ووجه رؤساء دول وحكومات عدة بإرسال مساعدات طبية عاجلة إلى الشعب اللبناني من أدوية ومعدات ومستلزمات طبية ضرورية ومستشفيات ميدانية وأجهزة تنفس، وكذا تقديم مساعدات إنسانية وغذائية عاجلة للمتأثرين من الانفجار. كما عرضت دول إرسال فرق للمساهمة في عمليات البحث والإنقاذ والدعم الطبي.

وهذا أمر طيب من هذه الدول التي ساندت شعب وجد نفسه فجأة أمام كارثة إنسانية ومالية ومعيشية غير مسبوقة، خاصة وأن مرفأ لبنان كان يعد واحدا من أبرز مخازن الحبوب والأغذية في لبنان، وأن القمح المخزون في صوامع الميناء، الأهم والرئيسي في البلاد، بات ملوثا وغير قابل للاستخدام جراء الانفجار كما قال وزير الاقتصاد والتجارة، راوول نعمة يوم الثلاثاء.

لكن هل يمكن أن تتطور فكرة المساعدات الطارئة للشعب اللبناني وحكومته لتتحول إلى مساعدات نقدية ومالية تنتشل البلاد من أسوأ أزمة مالية واقتصادية ومعيشية عرفها في العصر الحديث؟

وهل يمكن مثلا أن نجد دول الخليج وفرنسا، الداعمين التقليديين للبنان، وغيرها من الدول التي هبت لتقديم مساعدات إنسانية وطبية وقد عادت إلى سياسة إرسال المنح والقروض والمساعدات المالية والنفطية والأسلحة التي كانت تقدمها للبنان في سنوات ماضية؟

وهل يمكن أن تشجع المساعدات الطبية الحالية حكومة حسان دياب على معاودة الاتصال بهذه الدول الداعمة للحصول على أموال وقروض بمليارات الدولارات تساعدها في تجاوز الأزمة المالية التي يمر بها والتي عمّقها انفجار مرفأ بيروت؟

بالطبع لا، فهذا غير متوقع، فدول الخليج غارقة في أزمة مالية حادة ناتجة من عدة أسباب أبرزها تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، وتفاقم الخسائر الناتجة من تداعيات فيروس كورونا على الأنشطة الاقتصادية والسياحية والاقتصادية، وتوسع هذه الدول في الاقتراض الخارجي والسحب من الاحتياطيات الدولية لمواجهة أزمة تراجع الإيرادات العامة وتفاقم عجز الموازنات وزيادة أوجه الإنفاق العام خاصة لأغراض الصحة ودعم الاقتصاد والشركات والمحافظة على العمالة.

وبالتالي لا نتوقع من هذه الدول لعب دور في طي ملف أزمة لبنان المالية. كما أن مساعدات هذه الدول للبنان، خاصة السعودية، باتت مشروطة، فالرياض لن تقدم أي مساعدات من شأنها تقوية نفوذ حزب الله، ذراع إيران في لبنان، والرياض تدعم مطالب المجتمع الدولي والمؤسسات المالية من حكومة دياب بإجراء إصلاحات اقتصادية منها زيادة الضرائب والرسوم وخفض الدعم قبل تقديم قروض ومساعدات مالية، وهي المطالب التي بات يتحسس منها المواطن ويمكن أن تشعل الشارع مجددا.

أما بالنسبة لفرنسا الداعم الرئيسي للبنان والتي زار رئيسها إيمانويل ماكرون بيروت أمس الخميس، فإنها تواجه مخاطر اقتصادية ومالية جراء تفشي كورونا، وبالتالي قد لا تمتلك القدرة المالية على تقديم مساعدات نقدية للبنان، وكذا الحال بالنسبة للدول الأوروبية الأخرى التي تكبدت مئات المليارات من الدولارات جراء الجائحة.

اللبنانيون وحدهم هم القادرون على انتشال بلادهم من وحل الأزمة المالية والتي تعمقت بعد الانفجار الأخير، فكما هرعوا لإسعاف ذويهم ومساعدتهم ماليا بعد الانفجار الهائل الذي دمر أجزاء كبرى من العاصمة بيروت، يمكن أن يهرعوا لإسعاف اقتصاد بلدهم عبر زيادة التحويلات الخارجية، ومكافحة الفساد المستشري في البلاد، وإرغام النخبة الحاكمة على إعادة مليارات الدولارات التي نهبوها من أموال الدولة، والضغط لمحاكمة جنرالات الحرب ولصوص المال العام واستعادة الأموال المنهوبة، والإصرار على التوزيع العادل للثروة، والأهم إعادة الثقة في عملتهم وقطاعهم المصرفي وعدم المساهمة في انهيار وإفلاس بعض البنوك عن طريق تفريغها من الودائع.

المساهمون