يبدو أنّ تنظيم "داعش" يسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف السياسية والميدانية من وراء الإعلان عن معركة جديدة في محافظة دير الزور للسيطرة على الأحياء المتبقية في المدينة التي يستحوذ عليها النظام، فضلاً عن السيطرة على المطار العسكري فيها.
ويتعزز هذا الاعتقاد، أخذاً بعين الاعتبار، أنّ المعركة جاءت في الوقت الذي أعلن فيه التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، عن تحقيق تقدم في محاربة التنظيم، لتُظهر هذه المعركة أن بيانات التحالف إعلامية، تستوجب رداً ميدانياً من قبل التنظيم.
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قد أعلن أن قوات التحالف الدولي نفّذت أكثر من ألف طلعة جوية ضد أهداف لـ"داعش" في سورية والعراق. كما أكد التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، في بيان مشترك عقب انتهاء مؤتمر وزراء خارجية التحالف الدولي ضد التنظيم، أنّ الهجمات التي يشنّها التحالف كان لها بالغ الأثر في وقف تقدم عناصر التنظيم في كل من سورية والعراق، موضحاً أن "التعبئة الدولية ضد داعش" بدأت تجني ثمارها، إذ تمكنت تلك العمليات من وقف تقدم عناصر التنظيم في كلا البلدين.
وبالتزامن مع التصريحات الغربية، بدأ التنظيم منذ مساء الأربعاء الماضي هجوماً على الجهة الشرقية من مطار دير الزور العسكري، موقعاً خسائر كبيرة في صفوف قوات النظام، ليسيطر على قطاعات "المسمكة، المغسلة، محطة المياه، مركزيات الحويجة"، التي تعتبر خط الدفاع الأول عن المطار.
وبدت الخطوة أن التنظيم أراد أن يثبت للتحالف بأنه بعد كل هذا الكم من غاراته قادر على إدارة معركة السيطرة على كامل محافظة دير الزور، والتي كان بدأها قبيل ضربات التحالف، وأُجبِرَ على التراجع عنها، بسبب الغارات.
كما أن رسالة التنظيم الأقوى للتحالف الدولي بأنه ليس في موقع دفاعي، وإنما في موقع هجوم، ولا يزال قادراً على إدارة معارك والتقدم وتحقيق انتصارات على أكثر من جبهة.
وتحقق هذه المعركة للتنظيم هدفين ميدانيين بشكل رئيسي، أولهما تأمين الطريق بين الريفين الشرقي والغربي لمحافظة دير الزور، الذي بذلت قوات النظام جهوداً كبيرة من أجل قطعه، وذلك من خلال الهجوم على أحياء الرصافة والعمال والصناعة، التي تؤمن للتنظيم هذا الطريق، وتجعله في موقع أقوى باتجاه السيطرة على باقي الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة قوات النظام في مدينة دير الزور.
والهدف الميداني الثاني الذي يحققه التنظيم من تلك المعركة، هو فتح الطريق باتجاه المطار من خلال السيطرة على خطوط الدفاع الأولى عنه، ما يسهّل اقتحامه في المرحلة التالية.
كما أن هذه المعركة تأتي بمثابة ردٍّ قاسٍ على ارتكاب قوات النظام لمجزرة بحق المدنيين في مدينة الرقة، ما يعطي التنظيم تعاطفاً شعبياً ويظهره بمظهر المدافع عن المدنيين، والذي يحارب كلاً من النظام والمعارضة والأكراد والتحالف الدولي، وبأكثر من جبهة في كل من دير الزور وشرقي حمص ومدينة عين العرب.
وفي السياق، يقول قائد المنطقة الشرقية السابق، المقدم محمد العبود، لـ"العربي الجديد" إن "العدو الأول للشعب السوري هو المجرم بشار الأسد وعصابته. فقد عانى أهالي دير الزور ما عانوه من النظام ومن هذا المطار، وﻻ يزالون يعانون". ويلفت إلى أنه "في الوقت نفسه دفع الأهالي هناك الكثير من جراء سيطرة تنظيم داعش، ولكننا ننظر إلى أي هزيمة تلحق بالنظام على أنها نصر للشعب السوري أياً كان الطرف الآخر".
ويوضح العبود أن "الهجوم الذي يشنّه التنظيم اليوم كان منتظراً منذ زمن، وهو أَوْلَى من القتال في عين العرب. هذا إذا اعتبرنا أن داعش يعمل لصالح الشعب السوري، وربما يريد التنظيم أن يحدث نصراً بعد تعثره في عين العرب".
ويعتبر العبود أن "إعلان التنظيم السيطرة على دير الزور ليس مستبعداً نهائياً، وربما يتم خلال أسبوعين أو ثلاث، وهذا يتعلق بصدق نوايا التحالف ومدى تعاونه مع نظام الإجرام في دمشق".
وعن رأيه بمدى ارتباط هذا التقدم بمشروع تقسيم سورية، وهل التحالف غير قادر على شلّ حركة التنظيم فعلاً، يرى العبود أن "التحالف بكل تأكيد قادر، وهذا ما قصدته عن صدق نوايا التحالف، علماً أننا نخشى أن يقوم التحالف بمساعدة النظام". ويضيف "على الرغم من عدائنا مع داعش، نحن في دير الزور، بكافة الأحوال، خسرنا المنطقة سواء للنظام أو داعش. ولكن أن يبقى النظام ويصبح شريكاً للتحالف فهذه الكارثة بعينها".
ميدانياً، أكد قائد ميداني يُقاتل مع التنظيم على جبهة مطار دير الزور العسكري لـ"العربي الجديد"، أن "المعركة بدأت ليلة الأربعاء عند غياب الشمس، حيث قسم التنظيم المطار إلى محاور وقطاعات، كما وزّع مقاتليه إلى مجموعات بحسب تلك القطاعات". وأوضح أنه "بعد سيطرته على قطاع المسمكة والمغسلة ومحطة المياه، وبعض النقاط في الحويجة، توجه التنظيم إلى قرية الجفرة ذات الأغلبية الشيعية والمتاخمة للمطار العسكري، حيث فجّر سيارتين مفخختين في القرية، قبل أن تدور اشتباكات عنيفة بين عناصر التنظيم واللجان الشعبية التابعة للنظام"، متوقعاً سقوط القرية بيد التنظيم خلال الساعات المقبلة.
ويضيف القائد الميداني، الذي تحفّظ على ذكر إسمه، أن "مجموعات التنظيم تقدمت مدعومة بآليات عسكرية ثقيلة إلى الجهة الشرقية من المطار، وبعد اشتباكات عنيفة، استطاع السيطرة على نقاط رئيسية تعدّ هي خط الدفاع الأول عن المطار". ووفقاً للمصدر "قام التنظيم بأسر 19 عنصراً من قوات النظام وذبحهم فوراً، وقد علق رؤوسهم على أسوار المطار، من بينهم ضابط برتبة نقيب، كان قائد المجموعة المسؤولة عن تحصين هذا الخط".
كما يؤكد المصدر أنه "مع بداية الهجوم أقلعت طائرة عسكرية من طراز "يوشن" يُرجّح أنها تحمل ضباطاً من الطائفة العلوية"، مشيراً إلى أن "تقدّم التنظيم منع أي طائرة من الإقلاع أو الهبوط".
ويشدّد على أن "داعش يعتمد في معركته اليوم على انهيار معنويات جنود النظام، ودبّ الرعب في نفوسهم"، معتبراً أنّ "المعركة إذا استمرت بهذه الوتيرة من قبل عناصر التنظيم سيسقط المطار خلال أسبوع واحد، وبمجرد سقوطه تعدّ الألوية العسكرية التي تقع على امتداده تحصيل حاصل بالنسبة لعناصر التنظيم".
من جهته، أكد مراسل شبكة شام الإخبارية، محمد الخليف، لـ"العربي الجديد" أنّ تنظيم "الدولة الإسلامية" شنّ هجوماً منذ مساء الأربعاء على مطار دير الزور العسكري، عبر عدد من المحاور. وأوضح أنّ أحد مقاتلي التنظيم تولّى استهدافَ مبنى المسمكة الواقعة بالقرب من بوابة المطار بعربة مفخخة، قبل أن يعمد عناصر التنظيم إلى الهجوم على مبنى المسمكة ومبنى المغسلة، وتمكنوا من فرض السيطرة عليهما، وقتل 12 جندياً للنظام وجرح آخرين.
كما شنّ التنظيم هجوماً آخر باتجاه قرية الجفرة، الأقرب إلى مطار دير الزور العسكري، بعد أنّ قام بتفجير سيارتين مفخختين استهدفت مقرات الأمن والشبيحة على أطراف الحويجة. وسقط إثر هذه العملية العديد من القتلى والجرحى بين صفوف قوات النظام، واستطاعوا فرض السيطرة على كل من حويجة المريعية ومزارع الدغيم.
في المقابل، كثّفت قوات النظام قصفها براجمات الصواريخ وقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة من مطار دير الزور باتجاه القرى المجاورة للمطار، كقرى المريعية والبوعمرو وموحسن.
ولا يعدّ مطار دير الزور العسكري معزولاً كمطار الطبقة، وإنما هناك مجموعة من الألوية والقطع العسكرية التابعة للنظام، ممتدة مع المطار باتجاه الغرب. وهي "لواء التأمين" المخصص للجاهزية والإمداد، "الفوج 119" دفاع جوي، إضافة إلى "اللواء 137" مشاة. كما يؤمن النظام المطار من الجهة الشمالية الشرقية، من خلال "الجفرة"، وهي قرية مؤيدة للنظام يتمترس فيها بقوة ويحاول تنظيم "داعش" اقتحامها.