رحيّمو

14 مارس 2019
+ الخط -

الليلة ليلتك يا رحيمو، يجب أن نراك في أبهى حلّتك وجمالك، إنه عرسك، ليلة فريدة في حياتك لا تتكرر مرتين، هذا ما قالته قريناتها من بنات القرية. أجابت رحيمو باحتشام وظرافة، لا عليكن سأحاول ما في جهدي أن أبدو كذلك.

تبسمن كلهن، ثم اتجهن إلى البئر كي يجلبن المياه، بينما رحيمو دلفت مسرعة إلى البيت. أصبح خروجها مع الصديقات والقرينات محظوراً وعيباً، ستودع فترة العزوبة لتلج عالم الزوجية والأمومة في ما بعد.

نادت عليها أمها لالة يطو وأختها مريم التي تكبرها بسنتين ونيف، لكي تسرع لأن الحمام ساخن وحام ومهيأ لها، فلا مناص أنها سوف تعامل كملكة وبغنج لا نظير له.

الحمام عبارة عن خيمة تشبه مسكن الهنود الحمر، مصنوع من الجريد والقصب ومغطى ببلاستيك أبيض سميك، كي لا ينفذ الريح أو المطر إلى داخله. ائتزرت رحيمو فوطة بنفسجية على جسدها، ثم فتحت الباب البلاستيكي بيديها المنمقتين بالحناء والنقش، انحنت قليلاً، ثم ولجت الداخل، بعدها تبعتها مريم حاملة في يديها جفنة كبيرة من حديد مملوءة بالماء الحارّ، حيث وضعت خرقتين ذواتي لون بني في كلتا عروتي الجفنة كي لا تحرقها من شدّة سخونتها.


الزغاريد والأهازيج، ودقات البنادير وضربات الصنوج تحدث طنيناً مرحاً في الآذان. العروس أثارها الفضول، حيث التفتت عن يسارها لتنظر بفضول من كوة صغيرة توجد خلف الحمام، جرّتها أختها من شعرها المبلل بالماء والغاسول بعنف وقوة.

صرخت رحيمو آه لقد أوجعتني أيتها الهوجاء، ماذا جرى لك هل شعرت بالغيرة، أم ماذا؟ ردت عليها مريم بتعقل ورزانة، أيتها البلهاء هذا عيب لا تنظري إلى ما يقع في الخارج، ماذا إن رمقك أحدهم، سيقول حينها أنك فتاة أخف من رزقها؟

أجابت رحيمو بعنجهية وترفل وليكن كذلك هذه نظرة بسيطة وعادية، ومن ذا الذي سيرمقنا ونحن معاً داخل هذا الكنيف؟

نظرت مريم إليها بمضض وشزر نحوها ثم نبست ببنت شفتها قائلة لها، لا تظني نفسك قد عبرت الوادي ونشفت رجلاك، لا تتصرفي بصلافة، الحروف التي تعلمتها في مدرسة القرية، لن تنفعك في مدرسة الزواج، خفتك ونزقك لا يبشران بالخير، أتمنى أن تكوني عذراء، كي لا تجلبي لنا العار والذل لشرف عائلتنا.

ردت رحيمو بمقت شديد، أكيد أنت تحسدينني، أنا بكر وعذراء ولم يمسسني بشر ولم أك لقمة سائغة لأحد، هكذا قالت والتفال يتشتت من فمها.

الأغاني الشعبية والزغاريد زادت حدة. مريم هزّها فضول مثير، حيث رمقت من الكوة، نساء القرية والأطفال والرجال، قالت وهي تبتسم إنها الهدية، الهدية يا أختي رحيمو، ثم باستها على خذها اﻷيمن، ونسيت ما كان بينهما من تهاوش.

قالت رحيمو بفرح وغبطة وماذا عن الهدايا؟
إنها بقرة كبيرة فاقع لونها، على أذنيها بالونات من شتى الألوان وعربة مجرورة بفرسين أغرين محملة بأنواع الهدايا، هيا رحيمو لقد تأخرنا، فالجميع على وشك الدخول للبيت والخيام.

تناولت ملابسها على عجلة من أمرها، وانتظرت برهة، إلى أن يلج الجميع البيت. ثم خرجت في أبهى حلّتها، مزينة ومرصعة باللآلئ والدرر، فلم يبق إلا ساعة الشرف أن تدق، شعرت رحيمو حينها بخوف يتملكها، وظهر وجل على عينيها النجلاوين.

الأهازيج والأغاني والزغاريد طفقت من أفواه النساء، أغان خاصة بهذه اللحظة، إنه وقت الامتحان وعند الامتحان يعزّ المرء أو يهان.

دخلت رحيمو بخيلاء إلى البيت، ثم تبعها العريس مرتدياً جلباباً أبيض وبلغة صفراء وقلنسوة حمراء، واضعاً غطاء الجلباب الخلفي عليه، حيث أصبح رأسه كأسنمة البخت. دخل العروسان بصعوبة ومشقّة. فالنساء والأطفال والرجال يتحلقون، وأيضاً "عبود" والد رحيمو يقف بجسمه النحيل قدام الغرفة وهو يبرم بين الفينة والأخرى شاربه الكث، في ترقب وانتظار.

لحظة خرج العريسان من الغرفة، دلفت لالة يطو إلى الداخل لتحمل بنطالاً أبيض ملطخاً ببقع من الدم الباهت، رفعته بيديها على صينية نحاسية اللون؛ تعالت الصيحات بلحن موزون ومنظوم "ها سروال سلالة من العمة إلى الخالة"، عمّ صخب عارم في أرجاء المنزل، بالغناء والطرب والرقص تغزلاً في دماء مهرقة عن سبق إصرار وترصد.

دلالات
C05B7C00-9625-436F-8731-452E6AE23884
عبد الجليل شرفاوي

حاصل على شهادة البكالوريوس تخصص علم الاجتماع من جامعة محمد الخامس بالرباط.

مدونات أخرى